الصانعات التقليديات… سفيرات للثقافة تعانين في صمت

تواجه الصانعات التقليديات لكثير من العراقيل منها عدم منحهن فرصة للتسويق وبيع منتجاتهن واقتصار بيع أعمالهن على الطبقة الفقيرة بأسعار باخسة جداً التي جعلت الكثير من الصانعات تتخلين عنها.

رجاء خيرات

مراكش ـ تعاني الصانعات التقليديات من عدة مشاكل أهمها صعوبة التسويق و عدم الاعتراف بمكانتهن، مما يجعلهن غير قادرات على الابتكار و تطوير المنتوجات التقليدية.

تعد الصانعة التقليدية سفيرة الثقافة بامتياز، لكنها مع ذلك لا زالت تعاني من مشاكل عديدة، من بينها عدم الاعتراف بمكانتها ومساهمتها في صيانة التراث وكذلك الصعوبة في إيجاد أسواق لبيع المنتجات التقليدية بما يتناسب مع المجهود الذي تبذله في تطوير الصنعة وابتكار أساليب جديدة تتماشى ومتطلبات السوق العصرية.

وقالت رئيسة تعاونية الغرزة عتيقة المبارك "رغم أن الصناعة التقليدية روح الثقافة والهوية إلا أن الصانعة التقليدية لا تحظى بالمكانة التي تستحقها، وهو ما جعل العديد من الفتيات لا يبدين أي رغبة في تعلم أصول الصنعة، كما أن بعض الصانعات تخلين عن حرفة كانت بالأمس القريب مصدر رزق لعدد منهن".

وأضافت أن الصانعات التقليديات تعملن في ظروف صعبة، وتفتقرن لأبسط شروط العمل مثل عدم توافر بطاقة الصانع التقليدي، والتغطية الصحية والعديد من الامتيازات التي تتوفر لشريحة واسعة من المهنيين في باقي القطاعات.

وعن ظروف العمل أوضحت أن الصانعة التقليدية تقضي وقتاً طويلاً في إبداع قطعة فنية (قماش، زربية، جلد)، لكن عند الانتهاء منها لا تجني من بيعها إلا دراهم معدودة، لافتةً إلى أن هذه الإكراهات حدت من رغبة الصانعات في تطوير الإنتاج وابتكار أساليب جديدة.

وبينت أن عدم منح الصانعة التقليدية المكانة التي تستحقها وأبسطها الاعتراف بعملها في التعريف بالثقافة المغربية، وإعطائها الثمن الذي يتناسب مع المجهود الذي تقوم به، يبقى من أهم المعوقات والصعوبات التي تواجهها الصانعات التقليديات.

ولفتت إلى أن مجال السياحة بمراكش لا يمكن أن يتطور وينتعش إلا في ظل تطوير الصناعة التقليدية و إعطائها المكانة التي تستحقها، باعتبار أن السائح الأجنبي لا يزور المدينة من أجل الأسواق الممتازة، بل إنه يبحث عن المنتوجات التقليدية التي تميز المدينة.

وأضافت أن بعض الأجانب الذي يقيمون بمراكش يجلبون بعض القطع والمصنوعات التقليدية ويبيعونها بمبالغ جداً مرتفعة خارج المغرب، علماً أنهم يقتنونها بأسعار باخسة، كما أن الصانعات تتعرضن لاستغلال تجار البازارات الذين يشترون منهن المنتجات بأسعار جداً زهيدة ويبيعونها للسياح بأسعار مرتفعة، على الرغم من الجهود التي قامت بها الجهات الوصية على القطاع، حتى لا تكون هناك واسطة بين الصانعة التقليدية والسائح الأجنبي، إلا أنها ظلت محدودة ولم تستطع الحد من الاستغلال الذي تتعرض له الصانعات التقليديات.

 

 

بدورها أكدت الصانعة التقليدية زهيرة الكداري أن بعض الصانعات التقليديات تعملن مع الفئات الفقيرة والهشة، وأن هذه الفئة ليست لها القدرة على شراء بعض المنتجات التقليدية بأسعار مرتفعة، مما يجعل الصانعة تتقاضى ثمن المنتوج عبر أقساط، وهو لا يمكنها حتى من اقتناء المواد الأولية التي تحتاجها.

ونوهت أن العديد من الصانعات اللواتي تعملن في القرى تجدن صعوبات كثيرة في تسويق المنتوجات وشراء المواد الأولية، مما دفع الكثيرات لترك هذا المجال والاكتفاء بالأقارب من الزبائن.

وتلجأ العديد من الصانعات للقروض الصغرى من أجل شراء آلات الخياطة والتطريز كما أوضحت زهيرة الكداري، حتى ترفعن من نسبة الإنتاج، لكنهن اصطدمن بالواقع، حيث لم يعد بإمكانهن حتى تسديد تلك القروض، ومنهن من اكتفين بالعمل فقط على توفير مبلغ القرض دون جني أية أرباح تذكر.

وعبرت عن أسفها من الواقع المرير الذي تعيشه الصانعة التقليدية، فهو لا يشجع الجيل الحالي من الفتيات اللواتي انقطعن عن الدراسة في تعلم أصول الصنعة، جراء ما تتعرض له الصانعات الماهرات من استغلال.

 

 

من جهتها أشارت الصانعة التقليدية مليكة هاشم أن استعمال آلات الخياطة والتطريز التي اقتحمت مجال الصناعة التقليدية قضت على الصانعة التقليدية التي تعمل على حياكة الجلابيب بالطريقة التقليدية، حيث أن المنتوجات المصنعة بالآلات تصنع بجودة وبثمن أقل، وهو ما دفع عدداً من الزبائن/ات على اقتنائها.

واعتبرت أن المشكلة الرئيسية الذي تعانيه الصانعات التقليديات المغربيات يكمن في التسويق، لافتةً إلى أنه حتى إذا توجهت الصانعة إلى التاجر بالجملة، فإنه يعطيها دراهم لا تغطي حتى تكاليف المواد الأولية "قماش، خيوط"، فيما يبقى الوقت الذي قضته في حياكة القطعة والمجهود الذي بذلته لإخراجها بجودة عالية في مهب الريح.

وأكدت أن هذه الظروف تصيب بالإحباط، ولا تساعد الصانعة على تطوير قدراتها من أجل الابتكار والإبداع، لأنها تعرف بشكل مسبق أنها لن تجني إلا التعب بدون أي مقابل.

وطالبت بمنح الصانعة التقليدية المكانة التي تستحقها وأن تلتفت لها الجهات الوصية على القطاع، وتشجعها على تطوير المنتوج وتثمينه عبر وضع تسعيرة مناسبة للقطع وترويجها بما يتناسب مع المجهود الذي تبذله الصانعات للتعريف بالثقافة المغربية.

 

 

أما الصانعة آسية جميل، فأكدت أن نظام المكنة قتل رمزية العمل اليدوي للصانعات التقليديات، حيث غزت الأسواق منتوجات تشبه إلى حد كبير المشغولات اليدوية، لكنها تباع بأسعار يجدها بعض الزبائن مناسبة لقدرتهم الشرائية.

وأضافت أنه على الرغم من أنها لا تتوفر فيها معايير الجودة المطلوبة إلا أن بعض الأشخاص يفضلونها نظراً لثمنها الزهيد ولكنهم يتخلصون منها في وقت قصير بحثاً عن منتوجات أخرى بنفس الجودة.

ولفتت إلى أن القطعة التي تستغرق فيها الصانعة ساعة واحدة بالاعتماد على الآلة، قد تشتغل فيها الصانعة "المعلمة" شهراً كاملاً لكن بجودة عالية وإتقان، لكنها لا تجد طريقها للأسواق بسبب ثمنها المرتفع.

واعتبرت الصانعات أن التجمع داخل تعاونيات وجمعيات ساهم إلى حد كبير في وضع حد للاستغلال الذي تتعرضن له، لكنها تبقى تجارب غير كافية للحد من المشاكل التي تتخبطن فيها.

وقالت أن الصانعة التي تقضي وقتا غير يسير في صناعة تحفة فنية تشكل قطعة من روحها بعد أن عملت عليها بتفانٍ وصبر وإتقان، يصعب عليها أن تبيعها بثمن لا يغطي حتى مصاريف الثوب والخيوط والمواد التي استعملتها في حياكتها وإخراجها بالشكل الذي أصبحت عليه.