"البابونج" نبات طبي يشكل فرصة عمل موسمية لعشرات النازحات في إدلب

مع بداية فصل الربيع من كل عام تنطلق عشرات النازحات باتجاه السهول والأحراش والمناطق الجبلية، لجمع أعشاب البابونج الطبية التي تنتشر في هذه الفترة من السنة

سهير الإدلبي

إدلب ـ مع بداية فصل الربيع من كل عام تنطلق عشرات النازحات باتجاه السهول والأحراش والمناطق الجبلية، لجمع أعشاب البابونج الطبية التي تنتشر في هذه الفترة من السنة، فيستفدن من بيع بعضها وتموين بعضها الآخر واستخدامها كبديل للدواء في كثير من الأحيان.

وليس البابونج فحسب وإنما تتعدد الأعشاب الطبية التي تنمو في مناطق إدلب وأريافها في هذه الفترة الموسمية لتشمل أيضاً الزعتر البري، الشاي البري، الديدحان وغيرها من الأعشاب الطبية ذات الفائدة الدوائية العالية والمنخفضة الثمن قياساً بالأدوية الكيميائية التي باتت حكراً على الناس لارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق.

أثناء تجوالها بحثاً عن الأعشاب الطبية في سهول إدلب بصحبة ابنها البالغ من العمر (8) سنوات تقول فريال الحاج نعسان (30) عاماً وهي نازحة من قرية منطف ومقيمة في مخيمات تل الكرامة في إدلب، أنها تعتمد على جني الأعشاب الطبية في هذه الفترة من السنة التي تعتبرها فرصة عمل موسمية تجمع من خلالها بعض المال لتنفقه على عائلتها المؤلفة من خمسة أبناء، مضيفةً أنها بعد فقدها لزوجها في حادث سير أواخر 2020 لم يبقى أمامها خياراً سوى البحث عن عمل بشكل مستمر لإعالة أبنائها.

وتجد متعة في جمع تلك الأعشاب التي تنتشر في مناطق متعددة من إدلب وسهولها وتعمد إلى قطافها قبل تفتيح أزهارها وتنقيتها بعد القطاف وبيعها بشكل يومي، إما لأصحاب محلات الخضار وصيدليات الأعشاب أو للأهالي بشكل مباشر، وتستطيع جمع من 2 ـ 3 كيلو غرام منها بشكل يومي.

وينطلق أطفال المخيمات لجمع ما يحالفهم الحظ به من تلك الأعشاب ومن باقات الزنبق البري العطر الرائحة ذو المنظر الجميل والذي يتخذونه أيضاً فرصة عمل لهم تعود عليهم ببعض المال الذي ينفقونه على أنفسهم وأهاليهم القابعين في مخيمات إدلب المنسية.

الطفلة رهف الحسون (13) عاماً يسحرها منظر الزنبق وتحاول ألا تبتعد عن مخيمها الواقع في باريشا أثناء عملية بحثها عن الزنبق البري خوفاً أن تضيع أو تتعرض للخطف، لذا فهي تلتزم بمسافة محدودة تبعد عن المخيم بضعة أمتار فقط، وتقول "أحب قطاف الزنبق البري فهو متواجد بكثرة هنا ورائحته جذابة والكثيرون يرغبون بشرائه مني، فأحصل على بعض المال لأشتري ما أحتاجه من ملابس وحلوى".

فيما اعتاد مهاب الكامل (13) عاماً الوقوف على مفرق إحدى الطرقات في إدلب لبيع الزنبق البري والبابونج بشكل يومي منذ بداية موسمه، ويقول "أمي وأختي يقطفانها من البراري والسهول وأنا أبيعها هنا كي لا يتم استغلالنا من قبل الباعة الذين يشترون هذه المواد بسعر بسيط ويبيعونها بسعر مضاعف، ولذا اعتمدنا على أنفسنا في قطافها وبيعها للمستهلك مباشرةً، فنحن أولى بالربح من أولئك التجار".

وبابتسامة رسمت على وجهه يتابع مهاب الكامل أنه تمكن من شراء ملابس العيد في وقت مبكر هذا العام نظراً لربحه بعض المال من بيع تلك المواد، عكس السنوات السابقة التي لم يكن بوسعه شراء ملابس جديدة نظراً لفقر حالهم وقلة فرص العمل بالتزامن مع الغلاء الذي يزداد بشكل كبير عام بعد آخر.

وتشهد نبتة البابونج إقبالاً على شرائها لاستخدامها لعلاج مختلف الأمراض منذ آلاف السنين، ففوائدها المتعددة ومذاقها اللطيف وفعاليتها في تخفيف الأرق والمساعدة على الاسترخاء تميزها عن بقية المشروبات والأدوية، وعن فوائدها الجمة تحدثنا الخبيرة في طب الأعشاب لمى الموسى (38) عاماً، أن من أهم فوائد البابونج هو فعاليته في الحفاظ على صحة جهاز الهضم فهو مضاد للالتهابات ويحمي جهاز الهضم من الإسهال واضطرابات المعدة، ويخفف من آلام الدورة الشهرية ويعزز من صحة الجهاز المناعي ويخفض مستوى السكر في الدم، عدا عن فوائده الكثيرة في المحافظة على صحة القلب والشرايين والقضاء على الخلايا السرطانية.

وتنصح باستخدامه بشكل مستمر والاستعاضة به عن الأدوية الكيميائية لما له من فوائد عظيمة وغياب لأي أعراض جانبية، عكس الأدوية المرتفعة الثمن والمصاحبة لأعراض جانبية مؤذية تفوق فوائدها الطبية.

ضيق أحوال النازحات في إدلب يدفعهن للبحث عن مصادر رزق متعددة، وأصدر منسقو الاستجابة في سوريا إحصائية حديثة أقل ما يقال عنها بأنها مرعبة، فالفقر بات يضرب عميقاً في البلاد، وباتت الأوضاع الإنسانية هناك تنذر بكارثة إن لم يتم تلافيها.