مسيرة النشاط النسوي في السعودية (2)
تأثرت المملكة العربية السعودية بعدة أحداث داخلية وإقليمية أدت إلى تراجع الحريات مرة أخرى، ونشطت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبرزت فتاوى تُكبل المرأة.
تراجع الحريات واستهداف المرأة
مركز الأخبار ـ
بعد اغتيال الملك فيصل في عام 1975، استعادت المؤسسة الدينية نفوذها وسلطتها وتشددت أكثر؛ خاصة مع ازدياد حالات التحرش في الأسواق والشوارع، وألقت حادثة استيلاء جهيمان العتيبي و200 مسلح على الحرم المكي، بظلها على مستوى الحرية وبالتالي تأثرت حياة المرأة.
تراجع الحريات
كانت فترة الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين أكثر إشراقاً بالنسبة لحقوق المرأة ففي تلك الفترة ظهرت الطالبات في الشوارع والنساء في الأسواق، ومع هذا الظهور المفاجئ انتشرت ظاهرة التحرش التي غزت المدن السعودية الكبرى مثل اجتماع الشباب أمام المدارس في موعد خروج الطالبات لاستراحة الغداء، وتعرضت المتسوقات للتحرش مثل استغلال الأماكن الضيقة لملامستهن، ومطاردة النساء بالسيارات، وللأسف أكدت هذه الممارسات على نظرة المجتمع من وجوب التزام المرأة منزلها، وبدلاً من وضع حد للتحرش قامت الدولة ورجال العائلات بتوظيف رجال يعاقبون المخالفين من الرجال والنساء لتقاليد البلاد، ويدعونهم للتقيد بأساليب محددة من اللباس والسلوكيات، فتتم معاقبة الرجال الذين يغازلون النساء بالضرب والسجن وكذلك النساء اللواتي يكشفن عن وجوههن حتى ولو كن أجنبيات.
تيار الصحوة... البداية والتأثير
يُعرف تيار الصحوة بأنه تيار فكري إصلاحي، كانت بداية ظهوره عام 1979، وتعود جذوره إلى الإخوان المسلمين الذين لجأوا إلى السعودية بعد ملاحقتهم من قبل حكومات مصر وسوريا. ركزت الحركة على نشر ثقافة إسلامية مناهضة لبعض معايير المجتمع، وحملت أفكار سياسية واجتماعية مختلفة، جمعت بين الدين والتقاليد السعودية، وفعلياً دمجت بين أفكار الإخوان المسلمين والتقاليد التي أرساها التيار الوهابي المسيطر على المجتمع في المملكة العربية السعودية.
وأسس حركة الاخوان المسلمين حسن البنا في مصر عام 1928، على مبدأ التقاطع بين الدين والسياسة، وانتشر فكر الجماعة الساعية للسلطة في عدة دول مثل سوريا وتركيا وقطر وفلسطين وغيرها ووصلت لأكثر من 72 دولة في العالم.
احتوت الوهابية الإخوان المسلمين واستمالتهم ويقول الباحث السعودي عمر البشير الترابي في دراسة بعنوان "الإسلام السياسي في الخليج... خطاب الأزمات والثورات"، أنه ومنذ بداية تأسيس الدولة السعودية الثالثة دعم الملك عبد العزيز آل سعود الحركة الإسلامية في مصر متمثلة بتنظيم الإخوان المسلمين.
استعادت المؤسسة الدينية سلطتها على المجتمع والمرأة بعد حادثة الحرم المكي والتي مثلت معارضة حقيقية للدولة وتشكيك بمدى مصداقية آل سعود واحقيتهم في الحكم.
وتعرف حادثة الحرم المكي اختصاراً للعملية التي قادها متقاعد من الحرس الوطني السعودي يدعى جهيمان العتيبي، في عام 1979، وبث خطبة من المسجد ندد فيها بالأسرة الحاكمة والحياة العامة وانتشار الفساد وقال عن نفسه أنه المهدي المنتظر، قبل أن تصدر فتوى للتدخل واخراجه ومن معه من المسجد وإعدام قادة العملية.
اعتبر العامة من الشعب وخاصة النساء الأميات أن حادثة الحرم المكي عقوبة من الله على الانفتاح "المحرم"، وعادت الدولة للتمسك بهويتها المتمثلة بالقومية الدينية وركزت على التصدي "للفساد الأخلاقي"، واختزلت الأخلاق بملابس المرأة والعلاقات بين الجنسين، وعلى ذلك انكب المشايخ وعلماء الدين على إصدار فتاوى استهداف النساء، والفصل الصارم بين الجنسين.
التركيز على المرأة
ركزت المؤسسة الدينية المتمثلة برجال الدين على المرأة باعتبارها الضامن الوحيد لبقاء واستمرار المجتمع التقي، واحتكر فقهاء نجد فتاوى وتشريعات المجلس الأعلى للعلماء الذي أنشأ عام 1971 بهدف إصدار الفتاوى في مسائل العقيدة والعبادة والمعاملات، والمعروف بأهل نجد تشددهم في مسائل الدين وهم مركز الحركة الوهابية، وأصبحت الفتاوى المتعلقة بحركات وسكنات النساء شغلهم الشاغل وغلبت ميولهم الذكورية على كثير من الفتاوى، حتى بلغت أوجها في الثمانينات، وزاد عدد الفتاوى حول جسد المرأة وتصرفاتها إلى أكثر من 30 ألف فتوى، واعتبر جسدها مصدر للفتنة، وفرض على النساء ارتداء اللون الأسود دون تقديم دليل شرعي على وجوبه في الإسلام.
كل تلك الأفكار والفتاوى تم تعليمها في المدارس والجامعات الدينية والهدف من ذلك تهيئة الأطفال والشباب وحتى الفتيات لقبول هذه الآراء والتعامل معها.
عملت الفتاوى جميعها ودون استثناء على إقصاء النساء من الحياة العامة أو السياسية وحرمتهن من المناصب القيادية وشكك رجال الدين في أهليتهن لذلك، مع تعزيز فكرة أنهن ناقصات عقل ودين وضعيفات وعاطفيات، ولم تكن لهن الأحقية حتى في السيطرة على أجسادهن، تحريم صبغة الشعر وارتداء الكعب العالي مثلاً. أباحت الفتاوى تعدد الزوجات دون ضوابط أو ضرورة وعززت نظام الولاية ومنعت المنح للدراسة خارج البلاد والسفر دون محرم.
ساهمت الفتاوى في تأكيد فكرة أن المرأة لا يمكنها استلام مناصب قيادية فهي لا تستطيع السفر لوحدها مع غرباء أو من دون إذن ولي أمرها، والتحدث مع الرجال كون صوتها عورة أو الكشف عن وجهها لما فيه من فتنة كما يدعون.
تمسك بتقاليد المجتمع
رغم محاولات تعليم الفتيات وتغيير بنية المجتمع وتفكيره من قبل زوجة الملك فيصل وبناته الثلاث المتعلمات في الخارج إلا أن التزمت كان سمة أساسية في المجتمع السعودي، وكان للتقاليد العشائرية الكفة الراجحة في معركة تحرير المجتمع والمرأة.
بدا ذلك واضحاً من خلال الفشل الذريع الذي مُنيت به المرأة في أول خطواتها نحو مستقبل أفضل، فمن مساوئ التعليم أنه لم يكن الزامياً وأعطى العائلة حق التصرف بمستقبل الفتاة من قبول أو عدم قبول ذهابها إلى المدرسة؛ ما أدى إلى تعليم عدد قليل من الفتيات، وكذلك المتعلمات كن يتركن الدراسة عند أو عريس يتقدم لهن بسبب ضغوط الأهل في ظل مجتمع ينظر لتزويج القاصرات على أنه أمر غاية في البساطة وحق من حقوق الأسرة بغض النظر عن رأي الفتاة والتي تقبل لأنها تعلمت أن ذلك طبيعي خاصة أن التعليم لا يتضمن منح فرص للعمل.
ظل قطاع النفط حكراً على الرجال، هذا إذا ما تم استثناء عدد قليل من النساء وهن في الغالب قريبات لعاملين في شركة أرامكو التي تأسست منذ عام 1933، بينما ظلت المتعلمات عاطلات عن العمل، ولم يكن العمل مقبولاً حتى أن بعض النساء يرفض العمل، لم يتحررن من فكرة أن التعليم ترف وأن مكانهن الحقيقي في المنزل.
يقف نظام الولاية عائقاً أمام عمل النساء فأي خروج ولو كان إلى صديقة يتوجب موافقة ولي الأمر، إضافة لنظام فصل الجنسين فكانت نسبة قليلة من النساء يعملن في قطاعي التعليم والتمريض وظهرت سيدات الأعمال وصاحبات محلات الملابس النسائية ومراكز التجميل، دون أن ننسى أن الحياة نظمت على أساس الفتاوى لا القانون.
الأفكار النسوية
تقسم الحقوقيات السعوديات إلى إسلاميات يتطلعن للدولة لمنحهن المزيد من الحقوق مع التعهد بالتزامهن بالتقاليد الإسلامية، والليبراليات اللواتي يدعون الدولة إلى تحرك سريع لوضع حد للآراء الدينية الإقصائية وتنفيذ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، مع العلم أن السعودية وقعت على اتفاقية سيداو في عام 2000، وهي عضو في المجلس التنفيذي لجهاز الأمم المتحدة للمساواة وتمكين المرأة المعروف بـ "UN WOMEN"، ومنظمة تنمية المرأة في منظمة التعاون الإسلامي.
والفرق بين الليبراليات والإسلاميات هو أفكار كل منهما حول جذور المشكلة والحلول المقترحة، الليبراليات يعتبرن الوهابية السبب في تدني وضع المرأة، بينما تلقي الإسلاميات باللوم على العصبية القبلية التي تقف بوجه التحرر الذي منحه الإسلام للمرأة واعتبار الفتاوى تطبيق خاطئ للدين.
وهناك خط ثالث للنساء وهو متعاطف مع المؤسسة الدينية والدولة في قرارات الوصاية والفصل بين الجنسين وحظر القيادة.
سلب حقوق مقابل الرفاهية
في السبعينيات عاش المجتمع السعودي في بحبوحة بعد الفوائد التي عادت عليه من جراء الثروة النفطية فتناسى قضايا الحقوق وبالأخص حقوق المرأة، وتم استدراج النساء إلى الدولة كمستفيدات من الفوائد التي تتلقاها عوائلهن، ما أدى إلى التغاضي المقصود وغير المقصود من قبل المجتمع والدولة عن تراجع التعليم وسلب الحقوق البسيطة والمحقة.
وعوضاً عن ذلك منحت الحرية للنساء من الخدمات المنزلية باستقدام خادمات أجنبيات، وزرع خطاب الدولة والمجتمع مدعوماً بالخطاب الإعلامي فكرة أن النساء جواهر لا يجوز المس بهن وأملاك خاصة محمية من الرجل ولا يمكنها العيش من دونه، في حين اكتفت الأميرات بإنشاء الجمعيات الخيرية ودور الإيتام وبعض النشاطات الترفيهية وكل ذلك لا يرقى لأن يكون نشاطات نسوية حقيقية، وليس عملهن سوى مجرد ترف، ورفاهية.
من الزاوية الأخرى تحملت بعض النساء مسؤولية العائلة بعد تخلي الرجال عن التزاماتهم، وفي ظل عدم منحهن فرصة للعمل بقين على هامش المجتمع يعشن على الصدقات والرعاية الاجتماعية.
ومن ناحية التعليم وفرت الثروة النفطية المال الكافي لتنفيذ مشاريع تحافظ على الفصل الحاد بين الجنسين في حين أن تطبيق ذلك في الدول الأقل غناً يمثل عبئاً عليها فتفضل الحكومات أن تكون الجامعات والمدارس مختلطة وهي الأقل تكلفة، وساهم المال في تعليم الفتيات اللواتي لا يستطعن السفر إلى خارج البلاد ففي الثمانينات استطاعت الدولة جلب اساتذة أجانب من حملة شهادة الدكتوراه للأشراف عل تعليم الطالبات.
ومع ازدياد العمالة الاجنبية في السعودية والتي شملت زوجات المغتربين والعازبات اللواتي قدمن كطبيبات وممرضات ومعلمات ازدادت الفتاوى التي لم تترك لا صغيرة ولا كبيرة أو لنقل لم تترك صغيرة ولا أصغر منها إلا وأصدرت فيها فتوى تحريم، فناهيك عن الزام النساء بارتداء العباءة السوداء لتمييز السعوديات من الوافدات تم تحريم ارتداء الملابس التي تحوي رسم يشبه الصليب حتى وإن كان تحت العباءة أو في المنزل وصدرت فتوى بتحريم صبغ الشعر وارتداء الكعب العالي وتعطير الجسد وإزالة شعر الوجه والوشم وتجريب الملابس في المحلات وغيرها الكثير.