من رحم ثورة روج آفا ولدت ثورة المرأة (8)
ثورة 19 تموز شكلت انطلاقة أساسية للمرأة للتحرر من المجتمع الأبوي ونظام الدولة الذي كان يحكمها وأتاح لها الفرصة لممارسة دورها الريادي في بناء نظام مجتمعي جديد.
النساء اللواتي نظمن أنفسهن خلال الثورة نقلن تجربتهن لبقية النساء
نورشان عبدي
كوباني ـ انطلقت الثورة في 19 تموز/يوليو 2012 وانتقلت إلى بقية المدن وبلدات روج آفا ونظمت النساء أنفسهن وأدار الشعب المنطقة متخذين من فلسفة القائد عبد الله أوجلان والأمة الديمقراطية أساساً لهم.
مدينة كوباني التي انطلقت منها الشرارة الأولى لثورة 19 تموز/يوليو، نشرت مشروع الأمة الديمقراطية إلى باقي مناطق شمال وشرق سوريا، وعرفت النساء على حقوقهن، فبعد أن نظم الشعب نفسه ضد سلطة النظام السوري انفجر كالبركان في ليلة التاسع عشر من تموز/يوليو من عام 2012، لتكون ثورة 19 تموز التي انطلقت على أساس فكري وفلسفي جامعة لكافة مكونات المنطقة، وأسست الإدارة الذاتية بديل عن النظام السوري.
حققت ثورة 19 تموز انتصاراً عالمياً
في عام 2014 شن مرتزقة داعش هجوماً على مدينة كوباني كان الهدف منه قمع الشعب الكردي كونه أول من بادر بالثورة، ورفض ظلم واستبداد الأنظمة ودافع عن هويته، فالمقاومة التي ابدتها وحدات حماية الشعب والمرأة أفشلت جميع المخططات المعادية وكانت النتيجة النصر على إرهاب داعش وداعميه وتحرير المدينة في 26 كانون الثاني/يناير من عام 2015.
حققت الثورة إنجازات غير مسبوقة نحو كسر المفاهيم التقليدية في سوريا سياسياً ومجتمعياً وكان للنساء النصيب الأكبر من هذا الإنجاز فحصلن على حقوق متساوية مع الرجال وولجن مختلف المجالات وأصبح لهن قانون خاص يحمي حقوقهن.
تم الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية في 13 كانون الثاني/يناير 2014، ليتمكن الشعب من إدارة نفسه بنفسه وحماية مكتسباته، وجرى تشكيل لجان دبلوماسية على مستوى العالم وتحقيقاً للمساواة بين الجنسين وبين جميع المكونات ضمت هذه الإدارة ممثلين عن كافة شعوب المنطقة، وبمشاركة أساسية من النساء.
واستمرت الثورة بتسجيل الانتصارات الكبيرة والتقدم وتمكنت وحدات حماية الشعب ـ المرأة من هزيمة داعش في صرين وأحرزت نصراً كبيراً في مدينة تل أبيض/كري سبي وحررتها بشكل كامل من جبهة النصرة، ثم حررت مدينة منبج، وأحرزت هذه القوات نصراً ساحقاً عند قضائها على داعش بشكل كامل وكسر نفوذه في مدينة الرقة التي اتخذها عاصمة لخلافته المزعومة، حتى القضاء عليه في مدينة الباغوز بدير الزور في 23 آذار/مارس 2019.
وفي جميع هذه المناطق النساء أصبحن أساساً في كافة المؤسسات العسكرية كوحدات حماية المرأة، ووحدات مكافحة الإرهاب، والأمن الداخلي "الأسايش"، وكذلك في المؤسسات المجتمعية والخدمية وفي الأحزاب، وتم تأسيس العديد من المنظمات التي تعنى بشؤون المرأة.
"القائد أوجلان أشعل روح الثورة لدى أهالي كوباني"
حول سؤالنا لماذا انطلقت الثورة من مدينة كوباني؟ تجيب عضو مجلس المرأة في حزب الاتحاد الديمقراطي في المقاطعة ألماز رومي أن "لكوباني خصوصيتها التي تميزها عن باقي المناطق الكردية، فزيارة القائد أوجلان لها في عام 1993 عرفت شعبها على فكر جديد كان ركيزة لانطلاق الثورة"، مشيرةً إلى أن الأهالي انخرطوا في حركة التحرر الكردستاني منذ ذلك الوقت وبدأوا بتنظيم أنفسهم "بدأ شعب كوباني ينظم نفسه من خلال العمل السري الجبهوي وكانت غالبية العوائل تنتمي للحركة، وانخرطت النساء في هذا الحراك ومنهن من تعرضن للاعتقال".
تغييرات جذرية على حياة المرأة
لم يواجه أهالي كوباني صعوبات كبيرة لأن ثورتهم كانت منظمة وانبثقت من إرادة الشعب "أهالي كوباني كانوا قد نظموا أنفسهم وأسسوا مجالس وكومينات ومؤسسات نسوية واجتماعية، وكل شيء أصبح جاهزاً لإدارة أنفسهم، فأسسوا كافة المركز والمؤسسات السياسية والعسكرية والاجتماعية لكي تسخر لخدمة المجتمع".
وأضافت "طرأت تغيرات جذرية على حياة أهالي كوباني وخاصةً المرأة التي أضحى لها مؤسسات نسائية خاصة، وقوانين هي الأولى في العالم حتى عرفت ثورة روج آفا بثورة المرأة".
وأكدت أنه "حققنا العديد من المنجزات وهذا ما جعل تركيا تدعم مرتزقة داعش لشن هجوم على كوباني عام 2014 ولكن ثورتنا نجحت مرة أخرى وانتصرت على مرتزقة داعش وحققنا مكتسبات أكثر فأكثر، وعاد الأهالي لكي يتم تفعيل الإدارة الذاتية من جديد، وعادت النساء لمؤسساتهن لتعملن من أجل مستقبل أفضل للنساء".
وأشارت ألماز رومي إلى أن تركيا تستهدف المنطقة وجميع المؤسسين للثورة لإجهاض هذا المشروع الديمقراطي "كل السياسيين وخاصةً السياسيات الذين واللواتي ساهموا بنجاح الثورة أضحوا هدفاً لتركيا للنيل من مكتسبات ثورتنا ثورة المرأة المنادية بالحرية والديمقراطية، ونحن على أمل ولدينا الثقة بأننا سنتمكن من توسيع عملنا والعمل أكثر على توعية وتطوير المرأة وتعريف العالم أكثر بثورتنا ومشروعنا ومعا نحن أهالي شمال وشرق سوريا يداً بيد سنفشل المخططات الساعية لإفشال ثورتنا".
حققت المرأة على مدار 10 أعوام مكتسبات إقليمية وعالمية
تمثل ثورة 19 تموز والتي كانت المرأة في مقدمتها مستقبل الحل الديمقراطي في سوريا، وقد لعبت المرأة الكردية دوراً ريادياً هاماً في تنظيم وانطلاق الثورة في مناطق شمال وشرق سوريا، وتمكنت من جعل ثورة 19 تموز ثورة لها، فحققت ثورتها نتائج ملموسة على الأرض، كما وأبرزت دورها أكثر في المحافل الدولية.
وارتكزت المرأة خلال ثورتها على المبادئ التي طرحها القائد عبد الله أوجلان، واستطاعت الوصول لأهدافها وتمكنت من إبراز دورها في جميع المجالات.
وتأسست مراكز خاصة للنساء ومنها دار المرأة ومنظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة عام 2013، ومجلس المرأة في شمال وشرق سوريا عام 2019 ومجلس المرأة السورية عام 2017، وتجمع نساء زنوبيا عام 2021، إضافةً للعديد من المؤسسات الفكرية، كما اتخذت مكانها في جميع مؤسسات الإدارة الذاتية.
كما شكلت تجربة وصول المرأة للرئاسة المشتركة سابقة فشاركت النساء دون إقصاء بإدارة مجتمعهن وأعطت المرأة شكلاً وطابعاً خاصاً للثورة جعلتها مختلفة عن جميع الثورات في العالم، فهناك المئات من النساء في مناطق شمال وشرق سوريا يدرن المجالس والمؤسسات المدنية والسياسية والعسكرية والهيئات.
وفي ظل الحرب الخاصة تمكنت المرأة من حماية مكانتها في كافة المؤسسات الخدمية والاجتماعية وحتى يومنا هذا لم تظهر ثورة تمثل شخصية المرأة كثورة 19 تموز، وهذا التميز برز في معركة الدفاع عن كوباني حيث ألهمت المقاتلات في وحدات حماية المرأة النساء الأمميات، وبدأن تتوافدن للمشاركة في الدفاع عن المدينة، ولأنهن آمنَّ واقتنعن بمبدأ حرية المرأة التي تناضل النساء من أجلها في شمال وشرق سوريا.
"علينا حماية مكتسبات النساء"
وحول المكتسبات التي حققتها المرأة بفضل الثورة قالت الناطقة باسم منسقية مؤتمر ستار في مقاطعة كوباني ماجدة حسون "عقد من الزمن مليء بالإنجازات وبالنضال وبمقاومة النساء هذا ما يمكننا وصف ثورة روج آفا به مع مرور الذكرى العاشرة على اندلاعها. خلال 10 سنوات حققت المرأة العديد من المكتسبات، فعندما نقارن وضع المرأة في شمال وشرق سوريا قبل ثورة روج آفا وبعدها نعرف الفرق مباشرةً".
وأضافت "تغيرات عديدة طرأت على المجتمع والمرأة لقد عملنا بشكل كبير عليها، وقدمنا العديد من التضحيات لتسطيع المرأة أن تنتقل من التهميش إلى قيادة المجتمع، أضحت لها القدرة على التعبير عن رأيها في مجتمع كوباني بشكل خاص المعرف بأنه مجتمع عشائري متحفظ يسيطر عليه الرجال".
"وضعت المرأة بصمتها في جميع الأعمال"، تؤكد ماجدة حسون وتبين أن المرأة الكردية "انطلقت للمرحلة الثانية وهي تنظيم مؤسساتها ومراكزها الخاصة، فمن أجل تنظيم جميع النساء، وسعت نطاق نضالها ومقاومتها لتشمل جميع المكونات".
وأشارت إلى أن "مؤتمر ستار يعد من أهم المؤسسات النسوية في مناطق شمال وشرق سوريا وأصبح هوية النساء، فحمل على عاتقه تنظيم النساء وتوعيتهن، وتعريف العالم بثورة المرأة".
استهداف الثورة بشخص المرأة
ترى ماجدة حسون أن التهديدات والهجمات على المنطقة هي استهداف للثورة ولمكتسبات المرأة "يتم استهداف النساء الفاعلات في المجتمع، هذا الاستهداف يأخذ شكلاً مباشراً وكذلك يكون عبر حرب خاصة لإبعاد المرأة عن حقيقة الثورة، لكن للتصدي لهذه المؤامرات تعمل المؤسسات النسوية باستمرار على التوعية عبر التدريبات الفكرية وإطلاع النساء بشكل دائم على المستجدات السياسية".
الثورة ولكي تستمر تحتاج لتكاتف الجميع والاستمرار بدعمها فمهما بلغت قوة الأعداء لا يمكنها إفشال مشروع دون أن يكون ذلك الفشل نابع من الداخل ولذلك تؤكد الناطقة باسم مؤتمر في إقليم الفرات ماجدة حسون أنه "على جميع النساء في مناطق شمال وشرق سوريا تنظيم أنفسهن لكي نحمي مكتسبات ثورتنا التي انتصرت بدماء شهداءنا وشهيداتنا. النساء في روج آفا استطعن تعريف العالم على حقيقة المرأة وهويتها وحقيقة المجتمع الأبوي والتحديات التي تواجه المرأة لذلك من واجبنا حماية هذه المكتسبات".