جبهة المرأة في الحروب

عندما ننظر إلى حروب الهيمنة التقاسمية في القرن الماضي، نرى أن مجرد المقاومة لا يكفي، وأن هناك حاجة إلى خلق طريقة جديدة للتعامل مع السياسات الأبوية التدميرية بالعاطفة والعقل والحدس.

وضع المرأة في الحرب الإمبريالية الأولى ـ 1ـ

 

زيلان كوجكري

"إذا قتل الرجال، فمن واجبنا كنساء أن نقاتل من أجل حماية الحياة. إذا ظل الرجال صامتين، فمن واجبنا أن نرفع أصواتنا، مملوءة بمثلنا العليا" كلارا زيتكين.

في أيامنا هذه، تتأجج الحروب الإقليمية في كل أنحاء العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، كانعكاس لحروب الهيمنة المشتركة، وتحولت الأمور إلى العراق وسوريا وأوكرانيا وغزة واليمن وسوريا مرة أخرى، حيث تم تطبيق أسلوب الحرب الهجين الذي يتماشى مع متطلبات العصر، وعلى الرغم من وجود وجهات نظر مختلفة حول تاريخ بدء حرب التقاسم الإمبريالية الجديدة، والتي تسمى الآن الحرب العالمية الثالثة من قبل مجموعات مختلفة، إلا أنه يمكننا اعتبار الفترة التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار الاشتراكية الحقيقية بمثابة خطة من هذه الحرب، ويبدو أن النيوليبرالية تغذي التناقضات من خلال ترك المناطق الجغرافية التي وضعتها نصب عينيها لخلق مناطق استعمارية جديدة في معضلة الحرب والسلام.

ومع العقلية الذكورية الممجدة البالية التي تفرض على الشعوب والنساء، وتستخدم الاختلافات العرقية والدينية والطائفية كحجة لهذه الحرب، وينشغلون بمحاولة إحياء هذه الأمراض التي يحاول الناس التخلص منها، ومؤخراً، في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، في سوريا، سيطرت "هيئة تحرير الشام" على دمشق، وشاهدنا في البث المباشر قطعاناً من الرجال تدخل المدن حاملة الأسلحة في أيديها، وهم يهتفون بالفتح والجهاد، وعلاوة على ذلك، فإن ما يحدث الآن في هذه الجغرافيا التي عانت من التدين والطائفية منذ آلاف السنين، بدأ يسوقه أصحابه على أنه "ثورة" أو "ديمقراطية".

 

ماذا سنخسر وماذا سنكسب؟

يكشف هذا الوضع الناشئ في سوريا عن الحجج الجديدة التي ستطرحها الحرب العالمية الثالثة، وفي عصر الاتصالات، علينا أن نتناول ما فقده الأشخاص والنساء الذين ليسوا طرفاً في هذه الحرب، والذين يحاولون الانفصال عن الحقيقة عبر الواقع الافتراضي، وما الذي سيكسبونه في هذه الحروب.

لأن كونك ضحية وتوثيق أنك ضحية لن ينقذ أحد مما سيفعله النظام الأبوي الرأسمالي المهيمن بالنساء، وواضح جيداً ما مصير المرأة في المجتمعات التي ظلت في أيدي حفنة من النخب العنيفة في حروب الهيمنة التي بناها العقل الذكوري منذ آلاف السنين، وحتى عندما ننظر إلى حروب الهيمنة التقاسمية في القرن الماضي من الهيمنة، نرى أن مجرد المقاومة لا يكفي، وأن هناك حاجة إلى خلق طريقة جديدة للتعامل مع السياسات الأبوية التدميرية بالعاطفة والعقل والحدس.

 

"الحرب تُراكم رأس المال والقوة"

قال القائد عبد الله أوجلان، إن الحروب في تاريخ الحضارة هي نوع من وسائل جمع رأس المال والسلطة، بمعنى آخر، لا علاقة لها بالقصص البطولية الأسطورية، هذا هو الجانب الدعائي للأشياء، ومن الواضح أن الحروب، بما في ذلك حروب اليوم، هي في نهاية المطاف وسيلة للتبادل بين أيدي رأس المال والسلطة، لذلك، من الضروري أن نأخذ في الاعتبار دائماً عند دراسة التاريخ أنهم لعبوا دوراً مركزياً في أبسط قوى الإنتاج والعلاقات".

ونحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى فهم التاريخ حتى نتمكن من قراءة الذكريات وفهم اللحظة من أجل بناء المستقبل، فمن الضروري أن ننظر مرة أخرى إلى التناقض بين التاريخ واليوم، بما يتجاوز اليومي. إذا لم تكن الحرب بغرض دفاع المجتمعات عن نفسها وحماية وجودها، وهو ما تحدده سياسات شخص ما التدميرية تجاه المجتمعات، فهي أعظم شر اخترعه الجنس البشري.

في كل حرب اخترعها وشنها المهيمنون، حكام العنف، كانت النساء أول من تم استهدافهم، حيث اتخذت الحكومات الذكورية الفاشية القومية، وهي جهاز السلطة في تقاليد الدولة الأبوية في القرن الماضي، قتل النساء، وهو شرط أساسي للتدمير الاجتماعي، خطوة أخرى إلى الأمام في كل مجال.

ومن خلال استراتيجية "اضرب النساء أولاً"، تم استهداف النساء بشكل أساسي في كل حرب تشن على المجتمعات والشعوب والهويات، وفي الحروب والصراعات على الهيمنة في القرنين العشرين والحادي والعشرين، تعرضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي على أيدي الجنود، ولهذا كانت المرأة دائماً في الجانب الذي ينظر بعين الريبة ويحارب حروب التقاسم التي يقوم بها الحكام الذين يوجهون وجودهم بحكمتهم القديمة.

 

لم تكن العواقب الحقيقية للحرب معروفة على الإطلاق

وفي سياق موضوع ملفنا، فإن مجرد النظر إلى تجارب ونضالات النساء في حروب الانقسام الإمبريالية خلال القرن الماضي سيكشف مدى قتل النساء، ووفقاً للسجلات الرسمية، فقد 17 مليون شخص حياتهم في حرب تقاسم الحكام الإمبريالية، والتي تم إدراجها في كتب التاريخ الرسمية باسم الحرب العالمية الأولى.

تم تسجيل هذه الحرب، التي نتجت عن عدم قدرة الحكام على تقاسم مناطق استعمارية جديدة، على أنها "أول حرب إمبريالية عالمية في التاريخ"، بدأت الحرب التي تركزت في أوروبا، والتي شاركت فيها 40 دولة ومستعمرة، في 28 تموز/يوليو 1914 واستمرت لمدة 4 سنوات، وانتهت الحرب، التي تسببت في مقتل وإصابة الملايين من المدنيين والجنود، باتفاقية الهدنة الموقعة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918.

وأُعلن أن قوات الحلفاء قد انتصرت في الحرب التي واجهت فيها القوى المتحالفة، المكونة من إنجلترا وفرنسا وروسيا، القوى المركزية المكونة من الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية والإمبراطورية العثمانية، وفي الواقع، كانت هذه النتيجة جزءاً من نظام المشاركة الذي أنشأته الحضارة بالدم والقوة، ولم يتم التشكيك أبداً في وضع الأطراف الرئيسية في الحرب، ولم يكن يرى أي قيمة تتجاوز القصص الفردية التي تعيشها الشعوب والنساء، ولا توجد حتى الآن بيانات واضحة عما عاشته النساء في حرب التقسيم الإمبريالية الأولى، لأن التوازنات المصطنعة التي تشكلت بعد الحرب والمصالح السياسية لحدودها تمنع كشف الحقيقة.

 

الاغتصاب سلاح من أسلحة الحرب الأبوية

كان الدافع الرئيسي وراء حرب المشاركة الأولى بين أصحاب السيادة، والتي بدأت في أوروبا، هو عملية إضفاء الطابع المؤسسي على الدول القومية، القضية الرئيسية التي تتغذى عليها القومية هي التمييز الجنسي، حيث يقتصر وجود المرأة على حدود الدولة القومية باستخدام صورة "الأمة كأم"، ولهذا السبب، فإن الجسد الأنثوي، المحصور في الحدود بدوافع قومية، يتحول أيضاً إلى منطقة يمكن احتلالها في الحروب والصراعات المحتملة.

ومن المعروف أن آلاف النساء تعرضن للاغتصاب والقتل خلال حرب التقاسم الأولى، التي بدأت بهذا الدافع، أثناء احتلال الجنود الألمان لبلجيكا وفرنسا، ولم تحدد اللجنة، التي تم تشكيلها فيما بعد للتحقيق في هذه القضايا، العدد الدقيق وقامت بقمع الشعب بسبب اتفاقات سياسيي البلاد، وشوهدت أحداث مماثلة في بلدان أخرى اندلعت فيها الحرب، ووفقاً لبيانات منظمات حقوق الإنسان، فإن ثلث الأشخاص الذين فقدوا أرواحهم في الحرب العالمية الأولى، والبالغ عددهم 17 مليون شخص، كانوا من النساء والأطفال، ومن المعروف أيضاً أن أكثر من 200 ألف امرأة تعرضن للاغتصاب كسلاح حرب.

 

جنس الإبادة الجماعية: المرأة الأرمنية والآشورية

إن الحرب ضد المرأة بأسلحة القومية والاحتلال والتمييز الجنسي، باعتبارها انعكاساً لحرب التقاسم في الغرب، تجلت في الشرق الأوسط مع تطور الإبادة الجماعية للنساء، وارتكبت واحدة من أكبر عمليات الإبادة الجماعية في التاريخ عام 1915، في أعقاب حرب التقسيم الأولى، عندما كانت الإمبراطورية العثمانية، التي كانت الجمهورية التركية من بقاياها، على وشك الانهيار.

وعلى الجانب النسائي من المجازر الجماعية التي حصلت ضد شعبي وادي الرافدين القديمين الأرمن والآشوريين، والتي قُتل فيها أكثر من مليون أرمني وما يقارب خمسمائة ألف آشوري/كلداني، وقُتلت آلاف النساء، اغتصبن، وأجبرن على ممارسة الدعارة، واحتُجزن، وعانين من صدمات مدى الحياة.

بدأت سياسة الإبادة الجماعية التي اتبعتها الدولة العثمانية ضد الشعوب المسيحية بإبادة الرجال واستمرت بطرد الجزء المتبقي من السكان إلى الصحاري السورية، وتحولت هذه الحركة، التي تسمى بالترحيل، إلى "رحلات الموت" بعد فترة زمنية معينة، وكان في القوافل شيوخ ونساء وأطفال، وتم اختطاف عدد لا يحصى من النساء الأرمنيات واحتجازهن على الطرق من قبل العصابات الخاضعة لسيطرة الجنود الأتراك، وقُتل من قاوم، وقُتلت آلاف النساء على هذه الطرق، وانتحرت بعضهن لأنهن ظنن أنهن لن تتحملن الاختطاف والتعذيب.

ومع مرور الوقت، بدأت النساء اللاتي تم اختطافهن تنسين هوياتهن، وأصبحن غير قادرات على التحدث بلغتهن الأصلية، ولم يكن أمامهم خيار سوى اعتناق الإسلام من أجل إنقاذ حياة أقاربهم وأنفسهن، وبحسب بيانات المؤرخين الذين يقومون بالأبحاث حول الإبادة الجماعية للأرمن والآشوريين؛ بين عامي 1915 و1918، قُتل ما يقارب من 700 ألف امرأة من المجتمعات المسيحية في الأناضول، وقُتل 350 ألف منهم أو ماتوا جوعاً على طرق الهجرة، ومع ذلك، لا يمكن الحصول على بيانات كافية فيما يتعلق بالأرقام الفعلية لقبول الدولة التركية، وهي استمرار للدولة العثمانية، بجريمة الإبادة الجماعية، وحاربت النساء الأرمنيات المسلحات ضد الإبادة الجماعية في العديد من الأماكن، بما في ذلك أورفا وعنتاب ومرعش، وكانت مريم جيلينجيريان وهانم كيتنسيان مجرد اثنتان من النساء اللاتي نظمن المقاومة من خلال إنشاء اتحاد نسائي يضم 25 شخصاً في أورفا لحماية شعبهن خلال الإبادة الجماعية الأرمنية عام 1915، ولتجنب إبادة جماعية جديدة أنشأت النساء وحدات مقاومة في العديد من مدن الأناضول.

 

استمرار حرب الإبادة الجماعية: كوجكري، زيلان، ديرسم...

الجمهورية التركية، التي تأسست باعتبارها بقايا الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب الإمبريالية الأولى، نفذت حرب الإبادة الجماعية على الكرد، وكانت كوجكري هي المكان الذي تم فيه تنفيذ سياسات الإبادة الجماعية والتي بدأت خلال الفترة العثمانية لأول مرة ضد الكرد.

وفي عام 1919، قال نور الدين باشا، أحد المنفذين العسكريين لهذا المشروع "لقد انتهينا ممن قال زو، جاء دور من قال لو"، في إشارة إلى مذبحة الأرمن، وكانت هذه علامة على أن الدور قد حان للكرد، وتم إحراق القرى وتدميرها وذبح الآلاف من الأهالي، وكان اسم القائدة التي نظمت مقاومة الكرد ظريفة، وقد نجت وهي إحدى القائدات الأوائل في كردستان، من المذبحة ونظمت المقاومة في ديرسم وقُتلت على يد الدولة التركية في عام 1938.

وكانت زيلان مكاناً آخر وقعت فيه مذبحة منهجية للكرد، وتعرضت مئات الشابات للاغتصاب والقتل في وادي زيلان، الذي أصبح مقبرة لما لا يقل عن 15 ألف شخص بين عامي 1930 و1932، وتم نقل المئات في السيارات، ولم يتم معرفة مصير وأعداد هؤلاء النساء اللواتي أخذهن الجنود الأتراك، ولم يتم حتى الآن الكشف عن وثائق قوية تتعلق بمجزرة وادي زيلان وما حدث بعد ذلك، والحقيقة التي كشف عنها الشهود والنتائج هي أن بطون النساء الكرديات تم شقها، وقتل أطفالهن خلال مذبحة زيلان، وما يحكى بين العامة وبعض المعطيات الباقية حتى يومنا هذا تكشف حجم ما حدث.

وكانت ديرسم واحدة من الأماكن التي تم فيها تنفيذ سياسات الإبادة الجماعية ضد الكرد، وكان ذلك في عام 1937 عندما شنت الدولة التركية هجوماً تدميرياً شاملاً على ديرسم، التي كانت موجودة بثقافتها ومعتقداتها الخاصة منذ آلاف السنين، وقُتل 70 ألف شخص في ديرسم، حيث حدثت إبادة جماعية نادرة في التاريخ.

ألقت آلاف النساء أنفسهن من أعلى المنحدرات هرباً من هجمات الاغتصاب التي نفذها الجنود الأتراك، واستمراراً لسياسة الإبادة الجماعية الممنهجة، تم فصل آلاف الفتيات عن عائلاتهن وتسليمهن إلى عائلات تركية، وتمكنت الكاتبة والمخرجة نزهات غوندوغان من الوصول إلى بعض هؤلاء الفتيات من خلال الفيلم الوثائقي "فتيات ديرسم الضائعات"، الذي صورته بعد سنوات، وعدد الفتيات المنفصلات عن عائلاتهن في ديرسم غير معروف على وجه التحديد، لكنه يقدر بالمئات... وقد تم توثيق هذه الممارسة اللاإنسانية من خلال قصص الأطفال الذين يتقدمون اليوم.

 

ما هي الفرصة؟

في الحرب الإمبريالية الأولى، تطورت مواقف النساء إلى طرفين مختلفين، في أوروبا الشرقية والغربية، اتحدت الاشتراكيات وبعض النسويات الليبراليات على فكرة أن "النساء لسن إلى جانب هذه الحرب" واعتنقن النضال المناهض للحرب، واختارت الحركات النسائية، التي تتصرف بمطالب مثل الحق في التصويت والحق في العمل، الوقوف إلى جانب الدولة القومية، قائلات إن ذهاب الرجال إلى الجبهة يمثل فرصة لهن.

كانت الحرب الإمبريالية الأولى هي الفترة التي تم فيها حشد مؤخرة الجبهة بقدر ساحات القتال والجبهات، وبالتالي تم إشراك جميع شرائح المجتمع في الحرب، كما تم تضمين النساء في هذه التعبئة، على عكس الفترات السابقة، حيث شاركن في مجالات الإنتاج المختلفة، وخاصة إنتاج الذخيرة.

وعلى الرغم من أن النساء اللاتي ذهبن إلى الجبهة لم يحملن أسلحة، إلا أنهن عملن كممرضات أو سائقات سيارات إسعاف، كانت السنوات التي بدأت فيها الحرب أيضاً فترة تصاعد فيها النضال من أجل حق المرأة في التصويت في الغرب، لذلك، في هذه الفترة، تنشط النساء بشكل كبير ليس فقط في سوق العمل الذي أخلاه الرجال، ولكن أيضاً في مجال السياسة، في حين أن بعض النساء الناشطات في الساحة السياسية يدعمن سياسات الحرب للدول، فإن البعض الآخر يتخذن موقفاً مناهضاً لها.

 

آلاف النساء تعملن في مصانع الذخيرة

بعد عام 1915، عندما اشتدت الحاجة إلى قذائف المدفعية، تم توجيه العديد من النساء إلى صناعة الذخيرة، وبحلول عام 1918، تم توظيف ما يقارب من مليون امرأة في صناعة الذخائر، والعديد من النساء اللاتي تم استغلالهن تحت وطأة ظروف العمل في الصناعات هذه فقدن حياتهن أو أصبحن معاقات، ويمكن أن تسبب المتفجرات السامة بحالة قاتلة تسمى اليرقان السام، والذي يتميز باصفرار الجلد، كما حدثت انفجارات أدت إلى دمار وقتلت فيها العاملات، وبحسب الإحصائيات، فقدت 1002 امرأة حياتهن وأصيبت آلاف بالإعاقة في انفجارات وقعت في ورش الذخيرة بين عامي 1915 و1918.

إن نضال المرأة، الذي أحرز تقدماً كبيراً في النضال من أجل حقوق التصويت قبل الحرب، قد أضعفته الخطابات القومية والقول "الآن ليس الوقت المناسب"، وبينما أرادت الحركة النسوية الليبرالية مساعدة مصالح الدولة القومية، فقد اعتقدت أيضاً أن النساء يمكن أن يحصلن على حق التصويت من خلال دعمهن لهذه الحرب، وكان يُنظر إلى الحرب على أنها اختبار، ونجاحات دولهم ستتبعها المساواة السياسية، ولذلك تم تأجيل المطالبات المتعلقة بحقوق المرأة إلى ما بعد الحرب، وفي واقع الأمر، عندما انتهت الحرب، اضطرت النساء، اللاتي تم منحهن دور "أم الأمة المضحية" في كل من البلدان المنتصرة والمهزومة، والتي دمرت وتناقص عدد سكانها، إلى العودة إلى حد كبير، إلى أوضاعهن السابقة.

 

النساء اللاتي يقلن "هذه ليست حربنا"

كان تصميم النساء الاشتراكيات ضد الحرب أمراً لا جدال فيه، لأنهن أدركن بوضوح أن الحرب والقومية التي غذتها كانت بمثابة هجوم على فكرة الاشتراكية الأممية، وبدلاً من الاتحاد مع البروليتاريين في جميع البلدان، اتحد القادة الذكور لمعظم الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية مع دولهم ضد "العدو الوطني"، والملكيين ثم الفاشيين لاحقاً، وقاموا بدورهم بتعزيز الدولة والرأسمالية والحكم الأبوي، ولذلك، فإن الاتحاد كنساء على المستوى الدولي من أجل السلام ضد الحرب يعني الدفاع عن فكرة الاشتراكية ضد هذا الهجوم، وقلن "هذه الحرب ليست حربنا".

في بداية الحرب أولئك الذين نفذوا نضالاً نشطاً ضد الحرب كانوا في الأساس من النساء الاشتراكيات، بقيادة كلارا زيتكن وروزا لوكسمبورغ، والنسويات المناصرات لحقوق المرأة في التصويت، مثل سيلفيا بانكهورست.

 

تم تنظيم النضال الجماعي للنساء ضد الحرب

عُقد المؤتمر الدولي الثاني للمرأة الاشتراكية في كوبنهاغن عام 1910 لحماية حقوق المرأة والتحدث علناً ضد فاشية الدولة القومية ذات الهيمنة الأبوية التي كانت تتجه نحو الحرب تدريجياً، وبصفتها الأمينة العامة للأممية النسائية، كانت كلارا زيتكين على اتصال منتظم مع النساء الاشتراكيات في النمسا، وبوهيميا، وسويسرا، وهولندا، وإنجلترا، وفرنسا، وفنلندا، وروسيا، وبولندا، والولايات المتحدة الأمريكية، وأحياناً مع النساء في الدنمارك وبلجيكا وإيطاليا.

وكانت القضايا الرئيسية هي توسيع العلاقات مع المنظمات النسائية في مختلف البلدان، وحقيقة أن حقوق المرأة كانت في غاية الأهمية بحيث لا يمكن تركها لمصير الدول القومية، بعد اندلاع الحرب عام 1914، تزايدت جهود النضال المشترك ضد الحرب على الجبهة النسائية النسوية والاشتراكية.

خلال هذه الفترة، دعت إينيس أرماند إلى عقد مؤتمر دولي للمرأة في تشرين الثاني/نوفمبر 1914 نيابة عن محررات مجلة "رابوتنيتسا" النسائية الروسية، فعلت ألكسندرا كولونتاي الشيء نفسه، قائلةً "نحن النساء الاشتراكيات سنكون دائماً من بين التقدميين، والناشطين ضد الحرب"، وكتبت كلارا زيتكين رسالة إلى النساء في ألمانيا والحركة النسائية العالمية في كانون الأول/ديسمبر 1914، تدعو فيها إلى السلام دون ضم الأراضي، ثم بدأت بتنظيم مؤتمر نسائي عالمي عُقد في الفترة من 26 إلى 28 آذار/مارس 1915.

 

الدور القيادي لكلارا وروزا في النضال المناهض للحرب

أصرت كلارا زيتكن على أن الحرب كانت حرباً هجومية وليست دفاعية، وأنه كان من الضروري بالنسبة للنساء على جانبي الحرب إنشاء جبهة سلام مشتركة، كما مثلت ذلك في مجلة "المساواة" التي قامت بتحريرها، رغم أنها كانت تواجه هجمات الرقابة منذ بداية الحرب، ولعبت دوراً فعالاً في تنظيم المؤتمر الدولي للمرأة الاشتراكية الذي عقد في المدينة السويسرية برن في نهاية آذار/مارس 1915.

وكان هناك 25 مشاركاً من ثمانية بلدان، سبعة منهم من ألمانيا، وتمت إدانة الحرب بشدة في المؤتمر، ونتيجة لذلك تم اعتقال كلارا زيتكن، وهي عضو في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، كما دخلت في صراع مع حزبها، وتم وضعها تحت المراقبة المستمرة.

وتم تعزيز الشبكة النسائية الدولية حتى نهاية الحرب، ففي كل بلد تعارض العاملات دعاة الحرب، وبذلت كلارا زيتكن جهوداً لتعزيز الحركة النسائية العاملة على المستوى الوطني، وفي هذا الجهد، حصلن على دعم من بعض الحركات النسوية الليبرالية والمجموعات التقدمية والنساء المثقفات.

الاسم الآخر الذي جادل بأنه لا ينبغي للمرء أن يكون طرفاً في حرب التوزيع الإمبريالية خلال هذه الفترة كان روزا لوكسمبورغ، وهي عضوة في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، وقد أصبحت هدفاً داخل الحزب والدولة الألمانية لأنها انتقدت سياسات الحرب التي ينتهجها الحزب.

تم القبض عليها عدة مرات بسبب آرائها المناهضة للحرب، ومع ذلك شاركت في تنظيم المؤتمر النسائي الاشتراكي الدولي المناهض للحرب في برلين عام 1915، وفي تموز/يوليو 1915، نشرت بياناً بشكل غير قانوني في ألمانيا بعنوان أوقفوا الحرب! وتم القبض عليها بتهمة محاولة الخيانة، وسجنت حتى تشرين الأول/أكتوبر، ونتيجة للضغوط تم إطلاق سراحها بكفالة، بسبب دعايتها المناهضة للحرب، تم فصلها من منصبها من قبل قيادة الحزب.

 

"القومية تعشق النظام الأبوي"

وكما قالت الكاتبة النسوية سينثيا كوكبورن، فإن القومية والنزعة العسكرية تكتسبان القوة من بعضهما البعض في النظام الأبوي "القومية تعشق النظام الأبوي، لأن النظام الأبوي يقدم لها نساء سيلدن وطنيين صغيرين حقيقيين، إن النزعة العسكرية أيضاً تحب النظام الأبوي، لأنه في النظام الأبوي تقدم النساء أبنائهن إليه ليصبحوا جنوداً، النظام الأبوي يحب القومية والنزعة العسكرية، لأن هذين ينتجان رجالاً ذكوريين حقاً".

ونتيجة لذلك، انتصرت قوى الحلفاء، بقيادة إنجلترا وفرنسا وأمريكا، والتي انضمت للحرب لاحقاً في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918، في حرب التقسيم الإمبريالية الأولى، التي فقد فيها 17 مليون شخص أرواحهم، وأصيب الملايين من الناس وأصيبوا بإعاقات، وتشرد ملايين الأشخاص.

إن الدول التي دعت النساء إلى أن تكن بمثابة "الأم المضحية للأمة" منذ بداية الحرب لم تدرجن النساء في أي من الاتفاقيات المبرمة مع الفائزين والخاسرين، وعاد الرجال الناجون من الجبهات، وتم شكر النساء على تضحياتهن وإرشادهن إلى طريق العودة إلى المنزل، وأصبح بإمكانهن الآن إعادة "وظائفهن" للرجال والاستمرار في رعاية أطفالهن وأزواجهن في المنزل، الذي كان مكانهن الحقيقي، وهكذا كان حتى فتحت أبواب الجحيم للمرة الثانية واندلعت حرب تقسيم إمبريالية جديدة.

 

غداً: وضع المرأة في حرب التوزيع الإمبريالية الثانية