اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة
يحيي العالم في 25 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة؛ من أجل توعية المرأة والرجل بمخاطر التعنيف
سناء العلي
مركز الأخبار ـ ، ورغم الصراعات والأوبئة إلا أن الاحتفال به لم يغب في جميع الأعوام التي مضت لأن معاناة النساء مع العنف الذي تطور زادت بشكل كبير.
إن العنف ضد المرأة من أكثر الانتهاكات الممارسة ضد حقوق الإنسان انتشاراً واستمراراً، وله تبعات تؤثر على المجتمع بشكل سلبي مباشر، وزاد تعنيف النساء مع انتشار وباء كورونا كوفيد ـ19 في العالم كما أنه ومع التطور التكنلوجي أخذ أشكالاً جديدة ومنها التعنيف النفسي واللفظي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وازدادت وتيرته مع الحروب والصراعات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط.
الأخوات المقاومات
في 17 كانون الأول/ديسمبر 1999 اختارت الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 تشرين الثاني/نوفمبر يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة في جميع أنحاء العالم، واختير هذا اليوم بالتحديد تكريماً للأخوات ميرابال اللواتي تم اغتيالهن من قبل حكومة بلدهن.
والشقيقات الثلاث وهنَّ باتريسيا وماريا مينيرفا وانطونيا، بنات لرجل أعمال مهم في دومينيكا الجزيرة الصغيرة في البحر الكاريبي، وكان جميع أفراد العائلة معارضين لنظام الرئيس تروخيو الديكتاتوري.
نشأت الفتيات الثلاث ولهن أخت رابعة في أسرة ريفية والتحقن بالمدرسة وأكملن تعليمهن الجامعي بينما عكفت شقيقتهن الرابعة والتي تدعى ديدي على إدارة شؤون المنزل.
وكانت ماريا منيرفا والتي ولدت عام 1927 أولى الأخوات اللواتي التحقن بالعمل السياسي، فقد تمتعت بقدر كبير من الثقافة والوعي، ولها اطلاع على حقوق الإنسان من خلال دراستها للحقوق في جامعة سانتو دومينغو وحصولها على الشهادة في عام 1957.
أما ماريا تيريزا الأخت الصغرى ولدت في عام 1935 وكان عمرها 25 عاماً عندما قتلت، وهي مثقفة أيضاً حيث أنها درست الهندسة الزراعية في ذات الجامعة التي درست فيها شقيقتها منيرفا، وتعرضت للسجن مرتين معها في عام 1960 وكانت تعتبرها مثلها الأعلى بحسب ما كتبت في مذكراتها.
بينما باتريا الأخت الكبرى ولدت في عام 1924 واحتضنت حركة 14 حزيران/يونيو المناهضة لحكم تروخيو، وانضمت مع ابنائها وزوجها للحركة.
تأثرت الأخوات في البداية بآراء عمهن الذي انخرط بالعمل السياسي المعارض، وكانت بداية مواجهتهن مع النظام الديكتاتوري عندما دعيت الأسرة لحضور حفل في قصر الحاكم.
تقول إحدى الروايات أن ماريا مينيرفا تعرضت للتحرش من قبل تروخيو أثناء الحفل وقامت بإهانته أمام الحاضرين ومغادرة الحفل مع أسرتها وهو ما دفعه للانتقام منها بمنعها من الحصول على رخصة للعمل كمحامية واحتجز والدها وطالبها بالاعتذار لإخلاء سبيله.
بعد تلك الحادثة انخرطت الأخوات في العمل الثوري المناهض للديكتاتور، وبدأ نشاطهن السياسي بتشكيل حركة باسم "14يونيو"، ضمت عدداً من المعارضين وكان هدفها التخلص من حكم الديكتاتور، لكن المخابرات علمت بهذه الحركة واعتقلت الأخوات الثلاثة وأزواجهن، وأثناء احتجازهن تعرضن للتعذيب.
استمر احتجاز الأخوات حتى العام 1960 حين قررت السلطات الإفراج عنهن وذلك بعد إرسال مراقبين من قبل منظمات حقوقية أمريكية ولكن لم يتم الافراج عن أزواجهن.
اختيار 25 تشرين الثاني/نوفمبر
خلال إحدى الزيارات التي قامت بها الأخوات لأزواجهن القابعين في السجن بعد أن تم الافراج عنهن، أرسل تروخيو رجلين لاغتيالهن في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 1960، ونجح المجرمان في مهمتهما، ما دفع الشعب إلى الانتفاض في وجه ديكتاتورية تروخيو وتم قتله من قبل مجهولين رمياً بالرصاص في 30 أيار/مايو 1961.
لم تنتهي قصة الأخوات بموتهن بل قامت شقيقتهن ديدي في عام 2009 بنشر كتاب بعنوان "يعيشون في حديقتي"، يوثق نضال الأخوات الثلاثة، وأقامت متحفاً في المنزل الذي عاشت فيه الأخوات خلال الفترة الأخيرة من حياتهن. وما تزال السيارة التي كانت تقلهن موجودة أمام منزلها.
وحددت ناشطات من منظمة لقاءات "Encounters"، النسائية بأمريكا اللاتينية ومنظمة الكاريبي في عام 1981، تاريخ اغتيال الشقيقات كيوم عالمي لمكافحة العنف ضد المرأة، وفي عام 1999 تبنت الأمم المتحدة التاريخ وحددته كيوم عالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.
حملة الـ 16 يوم
يترافق اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة من كل عام مع حملة للتوعية بمخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتستمر هذه الحملة 16 يوماً، تبدأ من 25 تشرين الثاني/نوفمبر وتستمر حتى اليوم العالمي لحقوق الإنسان والذي يصادف العاشر من كانون الأول/ديسمبر.
وانطلاقاً من فكرة أن يوم واحد لا يكفي لمناهضة العنف الممارس ضد المرأة نشأت فكرة الحملة من طرف معهد القيادة العالمية للمرأة في عام 1991، فلذلك يجب زيادة الوعي لدى المجتمعات والعمل على تغيير المفاهيم المرتبطة بتعنيف المرأة، وكسر القوالب النمطية التي تنظر إلى تعنيف المرأة كحق للرجل.
وفي كل عام تشارك في الحملة أكثر من 3700 منظمة وتتم التوعية بمخاطر العنف من خلال تنظيم عدة فعاليات دولية على مدار أسبوعين.
وفي عام 2020 أطلقت العديد من المنظمات الحقوقية النسوية حملاتها قبل شهر من اليوم العالمي لمناهضة العنف، وكانت المؤسسات النسوية في شمال وشرق سوريا سبّاقة في ذلك.
وكان شعار العام 2020 "تحويل العالم إلى برتقالي: موّلوا، واستجيبوا، وامنعوا، واجمعوا" ولم يغب موضوع العنف ضد المرأة بعد التداعيات التي سببها الحجر الصحي المفروض في مختلف انحاء العالم للسيطرة على وباء كورونا كوفيدـ19 وأبرز هذه التداعيات ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة والذي أطلقت عليه الأمم المتحدة اسم "الجائحة الخفية".
اتفاقيات مناهضة للعنف والتمييز ضد المرأة
1ـ الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة
أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993، الإعلان العالمي للقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة والذي حث على بذل كافة الجهود من أجل إنهاء هذه الظاهرة التي تعد من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً حول العالم.
وأشار الإعلان إلى ضمان حق المرأة في الحياة والمساواة والحرية في القانون وعدم تعرضها للتمييز المبني على النوع الاجتماعي "الجندر"، وحمايتها من التعنيف. كما طالب جميع الدول بإدانة العنف الممارس ضد المرأة، وصوغ قوانين لحمايتها بغض النظر عن القيود المجتمعية أو الدينية.
2ـ اتفاقية منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي
اهتمت دول الاتحاد الأوربي بمحاربة العنف الممارس ضد المرأة بشكل عام وبشكل خاص الممارس من قبل الأسرة فعملت مجتمعة تحت مظلة المجلس الأوروبي على صياغة اتفاقية ضد العنف المنزلي لحمايتهن من أقرب الناس إليهن.
وتهدف الاتفاقية ضمان استفادة جميع النساء من القوانين المناهضة للعنف بعد صدور تقارير تكشف أرقام صادمة لمستوى العنف المنزلي في أوروبا، وجاءت في صيغتها النهائية عام 2010 بعد اطلاع منظمة العفو الدولية عليها، واعتمدتها لجنة الوزراء بالمجلس الأوروبي في السابع من نيسان/أبريل 2011 وفتحت باب التوقيع عليها، ودخلت حيز التنفيذ بعد مصادقة 10 دول.
3ـ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"
يندرج التمييز بين الرجل والمرأة في خانة التعنيف وينتشر حتى في أرقى دول العالم ويأخذ أشكالاً عديدة كـ التمييز الاقتصادي وذلك من خلال التفاوت في الأجور ما بين العاملين الرجال ونظرائهم من النساء، وكذلك التمييز الاجتماعي على أساس الجنس وفي القوانين وغيرها، ما دعا إلى صوغ اتفاقية تحمي المرأة من هذه الظواهر المترسخة في المجتمعات.
الاتفاقية اعتمدت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 كانون الأول/ديسمبر 1979 وتنص على تشجيع المساواة بين الجنسين حتى تحقيق المساواة الكاملة من خلال تغيير القوانين التي تميز بين المرأة والرجل، وإشراك النساء في كافة الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
أسباب الاهتمام الدولي بقضية العنف ضد المرأة
كشفت منظمة الصحة العالمية تعرض أكثر من ثلث النساء في العالم للعنف الأسري في عام 2020 وجاءت الاحصائية بحسب كل قارة فكانت البيانات كالتالي: آسيا والمحيط الهادي 25 امرأة من أصل 100 امرأة، أما في الأمريكيتين فكانت 30 امرأة من أصل 100 امرأة وهو ذات الرقم في أوروبا، أما في الشرق الأوسط فوصلت نسبة النساء اللواتي تعرضن للعنف لـ 37 امرأة من أصل 100، وذات الرقم في إفريقيا، بينما كانت النسبة الأعلى في جنوب شرق آسيا حيث تعرضت 38 امرأة للعنف من أصل 100 امرأة. كما أشار التقرير ذاته إلى أن 38 بالمئة من مجموع النساء اللواتي كن ضحايا جرائم قتل قد قضين على يد شركائهن.
وبحسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والذي اعتمد على بيانات بين عامي (2005ـ 2016) شملت 87 دولة فإن العنف الممارس ضد المرأة من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً حول العالم.
وأشارت الإحصائية إلى أن 35 بالمئة من النساء حول العالم يتعرضن أو تعرضن للعنف الجسدي والجنسي من قبل أزواجهن، أو تعرضن للعنف الجسدي من قبل الأهل، كما أن نصف النساء اللواتي تعرضن للقتل حول العالم كن ضحايا أحد أفراد العائلة.
كما أن زواج القاصرات والذي يعد أحد اشكال التعنيف منتشر بشكل مخيف حيث تزوجت أكثر من 750 مليون فتاة خلال السنوات الأخيرة قبل بلوغها 18 عاماً، ووصلت نسبته إلى 14%.
وتعرضت أكثر من 200 مليون فتاة للختان المنتشر في الدول الأفريقية. وتجارة البشر ترتكز على النساء فوفق آخر الإحصائيات تمثل النساء البالغات 51 بالمئة، والفتيات 71 بالمئة، والفتيات الصغيرات 75 بالمئة من ضحاياه.
وأشارت الإحصائيات إلى أن 19بالمئة من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين (15ـ 49) عاماً، تعرضن لعنف جسدي أو جنسي من قبل شركائهن. وهناك أكثر من 120 مليون فتاة حول العالم تعرضن للاعتداءات جنسية والاغتصاب في مرحلة من حياتهن.
وبحسب دراسة أجراها الاتحاد البرلماني الدولي شملت 39 دولة و5 أقاليم فإنه لم تسلم النساء اللواتي يعملن في السياسة من التحرش والتعنيف حيث سجلت نسبة 82 بالمئة، من التعنيف النفسي ضد نساء عضوات في البرلمانات.
أما في دول الاتحاد الأوروبي تعرضت 48 بالمئة من النساء للعنف النفسي من قبل أزواجهن أو شركائهن، كما وتعرضت 23 بالمئة من المثليات "السحاقيات" للتعنيف الجنسي أو البدني أو النفسي بسبب ميولهن.
ولا توجد إحصائية عن نسبة الفتيات المعاقات اللواتي تعرضن للاستغلال والاعتداءات الجنسية أو النفسية وحتى الجسدية.
ووفق الاحصائيات الأخيرة فإن فرنسا تتصدر دول الاتحاد الأوروبي في نسب العنف الممارس ضد المرأة، تليها إنكلترا. أما في الهندوراس إحدى جمهوريات أمريكا الوسطى فإن قتل النساء منتشر فيها بشكل كبير وقد وصف بأنه "وباء" وفي أول شهرين من العام 2020 تم تسجيل 40 جريمة قتل ضحاياها نساء، فوفقاً لمركز حقوق المرأة في البلاد فإن امرأة تقتل كل 16 ساعة.
العنف ضد المرأة في الدول العربية والشرق أوسطية
تتصدر الدول العربية والشرق أوسطية لوائح الدول الأكثر عنفاً ضد المرأة، وتشير الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن 37 بالمئة، من العربيات تعرضن لأحد أشكال العنف، ولكن الإحصائية بعيدة عن الواقع ولا تعطي أرقام دقيقة حول حياة النساء، حيث أن الواقع يؤكد تعرض معظم إن لم يكن جميع النساء في الدول العربية والشرق أوسطية للتعنيف الجسدي أو النفسي منذ الطفولة وحتى الشيخوخة.
الإحصائية ذاتها أشارت إلى أن 35 بالمئة من المتزوجات تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي. وكذلك تستمر ظاهرة الختان في العديد من الدول وخاصة الإفريقية.
وتزداد انتهاكات حقوق الإنسان وخاصة العنف ضد المرأة في مناطق النزاع وفي مخيمات اللجوء على حد سواء.
وفي العام 2020 سجل العراق مقتل 30 امرأة وفتاة، وأغلب هذه الجرائم نفذت من قبل أحد رجال العائلة. وقالت وزارة التخطيط أن حالات العنف ازدادت مع الحجر الصحي بعد انتشار وباء كورونا كوفيدـ 19 وبلغت 50 بالمئة. فيما كشفت تقارير إعلامية عن ارتفاع معدلات قتل النساء وتحديداً في محافظة البصرة جنوب البلاد، التي تستحوذ على 50 بالمئة من الجرائم المسجلة في البلاد.
وفي فلسطين 17 امرأة كن ضحايا جرائم قتل عام 2020، بينهن امرأة تبلغ من العمر 73 عاماً قتلت على يد ابنها. وفي أقل من ثلاثة أشهر في هذا العام (2021) قتلت ثمانِ نساء في البلاد.
وسجل الأردن نفس الرقم (17 جريمة) وارتفعت حالات العنف لـ 33 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2019. وكشفت جمعية تضامن النساء الأردنية وقوع 21 جريمة قتل أسرية بحق النساء خلال عام 2019 و20 جريمة عام 2020، فيما راحت 13 امرأة وفتاة ضحية جريمة قتل أسرية خلال النصف الأول من عام 2021، وفي أقل من أسبوعين وقعت ثلاث جرائم ضد النساء.
وفي تركيا قتلت 300 امرأة، في عام 2020 فخلال شهر حزيران/يونيو فقط قتلت 27 امرأة وذلك بحسب مبادرة "سنوقف قتل النساء". ومنذ بداية العام الحالي قتلت 150 امرأة، ومورس العنف ضد ما لا يقل عن 414 امرأة.
وفي إيران تتقاعس السلطات عن تجريم العنف الأسري والاغتصاب في إطار الزواج، والزواج المبكر بالإكراه، وغيرها من أشكال العنف القائم على أساس النوع.
وفي المغرب ورغم القوانين المشددة لإنهاء العنف ضد المرأة فإن رابطة حقوق الإنسان سجلت أكثر من 4 آلاف حالة عنف خلال 2020 وجاء العنف النفسي في المقدمة بنسبة 47 بالمئة، يليه العنف الاقتصادي بنسبة 26 بالمئة، ثم العنف الجسدي بنسبة 15.2 بالمئة، والعنف الجنسي بنسبة 5.1 بالمئة، وبلغت حالات العنف الزوجي 81 بالمئة.
وفي لبنان، رصدت منظمة Fe-Male، 27 جريمة قتل ضد نساء وفتيات في العام 2020، مقابل 13 جريمة في العام 2019.
وفي سوريا رصدت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" ما لا يقل عن 24 حادثة، قتلت فيها 16 امرأة على يد أقرباء لهن بذريعة "الشرف"، بينما قتلت 6 نساء أخريات لأسباب لم يتم الكشف عنها، وتم توثيق حالات تم ممارسة العنف المنزلي، خلال عام 2021.
وفي شمال وشرق سوريا، تعرضت السياسيات للعنف من قبل الدولة التركية والجماعات المرتزقة فقد اغتيلت الأمين العام لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف في تشرين الأول/أكتوبر 2019، كما اغتيلت الرئيسة المشتركة لمجلس بلدة تل الشاير سعدة فيصل الهرماس ونائبتها هند لطيف الخضير في كانون الثاني/يناير الماضي، من قبل عناصر لداعش.
الأسباب والحلول
تعد أسباب ارتفاع نسب تعنيف المرأة حول العالم وفي الشرق الأوسط والدول العربية والإسلامية خصوصاً إلى عدة أمور أهمها الموروث الاجتماعي، فالنظرة الدونية للمرأة موجودة رغم التطور الحاصل بشأن قضية وحقوق المرأة، يضاف إليه الدين وأخذه بمنحى ذكوري بحت، جميع ما سبق مدعوم من القوانين التي ترتكز على العادات الاجتماعية التي تحط من قدر المرأة.
وتعمل قوانين العديد من الدول على إعفاء المغتصب من العقوبة والملاحقة القضائية في حال تزوج من الضحية، ولا تعاقب معظم القوانين القتل بداعي الشرف وتسمح بتزويج الفتيات دون الـ 18عاماً، وفي المجتمعات التي يغلب عليها الطابع العشائري لا تعاقب القوانين التعنيف الأسري والجنسي باعتباره شأن عائلي.
وبحسب إحصائيات وكالة الحقوق الأساسية التابعة للاتحاد الأوروبي فإن العنف الأسري في الاتحاد يؤدي إلى مقتل خمسين امرأة أسبوعياً، إضافة إلى أن في أوروبا وحدها هناك امرأة من بين خمس نساء تتعرض لمحاولة اغتصاب في حياتها، وامرأة من بين امرأتين تتعرض لعنف نفسي.
وفي فرنسا تموت امرأة كل ثلاثة أيام بسبب تعنيف الزوج لها، وفي هولندا والسويد ورومانيا سجلت أرقام عالية لتعنيف النساء حيث أن امرأة من بين أربع نساء تتعرض لعنف جسدي، وسجلت إحصائية عام 2019 مقتل 101 فرنسية على يدي شريكها.
وبلغ معدل العنف في أوروبا 22%، وترتفع النسبة في لتوانيا وتصل إلى 32% في الدنمارك، وهي أسوأ من ذلك في دول أوروبا الشمالية.
أما الحركات النسائية في دول الشرق الأوسط التي تعاني من انعدام الحرية فقد فشلت بالنهوض بالمرأة وإنهاء القوانين الجائرة ضدها لأنها انساقت لأجندة الأنظمة وأصبحت جزء منها واكتفت بالمناصب أو الوظائف، وفي الغرب أخذت بعض الحركات النسوية منحى متطرف وطالبت بأشياء لا تعني النساء.
أما الحلول للقضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة والمتأصلة في المجتمع والذهنية الذكورية فتبدأ من هذا المجتمع ومن المرأة ذاتها، وتوعيتها كي لا تقبل بالتعنيف باعتباره قدرها أو حق من حقوق الرجل عليها، ولتكسر الصمت وتتحدث بشفافية عن العنف الذي تعرضت أو تتعرض له.
أما المجتمع وهو البيئة الحاضنة لتعنيف المرأة فيتم التركيز على تغيير أفكاره والنظر للمرأة ككيان مستقل واعتبارها أساس لبناء المجتمع الذي تمثل نصفه وتربي نصفه الآخر.
وتشمل الحلول أيضاً إطلاق حملات توعوية على مدار العام وعدم الاكتفاء بيوم واحد أو أسبوع في السنة لأنها قضية مترسخة ومستمرة في المجتمع.
ويأتي تعديل القوانين التي تعطي الحق للرجل بتعنيف المرأة باعتبارها من ممتلكاته كخطوة مهمة من جملة التغييرات لردع المتسلطين وضمان حماية المرأة حتى قبل تعرضها للتعنيف.
وتعد التوعية الدينية سواء المسيحية أو الإسلامية من أسس التغيير لأن الدين هو كلمة الفصل في جميع المسائل خاصة المجتمعات العربية والشرق أوسطية وإن لم نقل الغربية أيضاً ولكن بنسبة أقل.
أشكال العنف ضد المرأة
يعتقد الكثيرين أن العنف ضد المرأة يقتصر على التعنيف الجسدي المتمثل بالضرب، لكن العنف الممارس ضد المرأة يأخذ أشكالاً عديدة ويشمل جميع السلوكيات التي تتعلق بتعامل الرجل مع المرأة بدونية، باعتبارها جنس آخر لا تمت للإنسانية بصلة، وتهدف هذه السلوكيات للسيطرة على المرأة من قبل الرجل أو المجتمع وضمان التبعية الكاملة له ومن أشكال العنف:
العنف الجسدي
يعد العنف الجسدي والذي يكون بالضرب باليد أو بالأدوات من أشكال العنف الواضحة والتي لا يمكن إنكارها، أو التغطية عليها كونها تترك آثاراً، ويترتب على العنف الجسدي مخاطر جسدية وصحية ونفسية على المرأة، تصل إلى الموت في بعض الأحيان ومن ذلك جرائم الشرف المنتشرة في دول الشرق الأوسط وبين المهاجرين في أوروبا، وجرائم قتل النساء في مختلف المجتمعات.
ورغم أن القوانين في عدة دول تُجرم ضرب المرأة، إلا أن العادات والثقافة الاجتماعية هي السائدة، ولا تتدخل الدولة لحمايتها باعتباره شأن أسري، وحتى في حال قتلها بداعي الشرف يعاقب القاتل عقوبة رمزية غير رادعة لغيره.
من جهة أخرى تقبل المرأة بالضرب وتكرس هذا المفهوم بين ابنائها وبناتها، وخاصة ضرب الزوج لها باعتبار الضرب حقاً من حقوقه ومن العيب أن تشتكيه أو ترفع عليه دعوى قضائية، وإن فعلت ذلك تتعرض للطلاق وتحرم من ابنائها وهنا يدخل التعنيف في نطاق التعنيف النفسي.
العنف النفسي والعاطفي
يعد العنف النفسي والعاطفي المتمثل بالاعتداء على المرأة بالألفاظ البذيئة كـ التنمر والشك، والتعامل معها بدونية كخادمة وتهديدها بالطلاق وحرمانها من أطفالها بداية للعنف الجسدي أو نهايته فلا فرق إن بدأ الرجل بالضرب ثم الشتم أو العكس، لكن المعروف أن كل امرأة تعرضت لهذا النوع من العنف وإن لم توجد احصائيات، لأن كثير من النساء لا تعترف به باعتباره أسرار عائلية أو كي لا تثير غضب الرجل وتتحمل وحدها تبعاته من احتقار للذات وأمراض نفسية عديدة أبرزها الاكتئاب.
العنف الجنسي
يشمل العنف الجنسي التحرش وإجبار المرأة وابتزازها لممارسة العلاقة الجنسية والاغتصاب وتوجيه الألفاظ الجنسية للمرأة بقصد إهانتها والتقليل من احترامها، ففي جميع المجتمعات تستخدم الألفاظ الجنسية التي تقلل من شأن المرأة لإهانة شخص ما، كما وأن العديد من النساء تعرضن للابتزاز الجنسي خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي أماكن العمل.
ولا يقتصر العنف الجنسي على التحرش والاغتصاب إنما يصل إلى العائلة نفسها حيث يشرع الزوج لنفسه إجبار شريكته على القيام بأعمال جنسية لا ترغب الزوجة بها، كما يعاني بعض الرجال من السادية التي تدعوهم للقيام بضرب المرأة وتعنيفها خلال العلاقة.
العنف الاقتصادي
ينتشر العنف والاستغلال المالي للمرأة بكثرة في المجتمعات وخاصة الشرق أوسطية حيث يعتبر الرجل سواء كان الأب أو الأخ أو الزوج وحتى الأبن أن ليس للمرأة الحق في التملك والعمل أو اتخاذ القرارات فيما يخص اقتصاد المنزل أو حرية التصرف بممتلكاتها، والهدف من ذلك ضمان السيطرة الاقتصادية للرجل واستمرار تبعية المرأة له.
ويساوم الرجل المرأة على عملها ويهدد بمنعها منه إذا لم تقم بإعطائه كامل الأجر أو جزء منه، كما يهدد بعض الأزواج بالطلاق في حال لم تعطه حصتها من الميراث أو غيره من ممتلكاتها. كما يأخذ الرجل ممتلكات المرأة دون رضاها أو بالحيلة ويصرفها أو يقوم بإتلافها.
عمل المرأة في المنزل واستغلال النساء الريفيات بالعمل في أرض الأسرة دون أجر أو تعويض، وكذلك حرمان الفتاة من حقها بالتعليم وإتمام دراستها لكي تعمل في المنزل أو الأرض، هي أشكال للعنف الاقتصادي.
وكذلك لا يتوقف العنف الاقتصادي عند الزوج بل إن عدد من الأشقاء يحرمون شقيقاتهم من الميراث، وحتى الأبن يستولي على ميراث العائلة وتعيش بعض الأمهات في دور العجزة رغم أن ابنائهن يملكون ثروات.
ويعطي الرجل لنفسه الحق في منع المرأة من العمل أو إجبارها عليه، وحرمانها من حرية التصرف بالأجر الذي تحصل عليه، إضافة إلى حرمانها من ميراثها. أما إن ابدت المرأة رفضها لهذه الممارسات فإنها تتعرض للتعنيف النفسي أو الجسدي.
أما في العمل فيتمثل العنف الاقتصادي أولاً بابتزاز المرأة جنسياً لإعطائها فرصة الحصول على عمل، والتمييز ضدها من خلال الفرق في الأجور بين الجنسين، والانتقائية في الترقية بالسلم الوظيفي لصالح الرجل.
وألقت الناشطات النسويات الضوء على هذا النوع من العنف فرأت أن حرمان المرأة من التصرف بممتلكاتها والمساهمة في اتخاذ القرارات المالية التي تخص الأسرة يعرضها للاستغلال الاقتصادي.
العنف الأسري وتأثيره على الأطفال
يشمل العنف الأسري جميع الأنواع آنفة الذكر فيتعرض الأطفال والنساء والكبار في السن على حد سواء للعنف الأسري من قبل الأب الأخ الزوج وحتى الأبن.
أما الآثار السلبية على الأطفال وحتى في حال لم يتعرضوا للتعنيف فإن مجرد مشاهدتهم لمعاملة والدهم لوالدتهم تؤدي إلى انحراف سلوكهم وينعكس ذلك على حياتهم في المستقبل، ويكرس مفهوم العنف لديهم كعمل طبيعي يمارسونه حين يكبرون.
وتسعى المنظمات الحقوقية والنسائية للحد من العنف الممارس ضد النساء حتى الوصول إلى مجتمع متكافئ وطبيعي ينبذ سلطة الرجل على المرأة أو بالعكس.