وفاة عميدة الأغنية التارقية في الجزائر... مسيرة حافلة وجوائز عالمية

تبقى لالة بادي أشهر من قدم الموروث الموسيقي والثقافي الذي يعكس روح المرأة الطوارقية، بأسلوب بسيط حد التواضع، وأداء مفتوحاً لخيال المستمعات كي يرسمن بأنفسهن صورة الأهقار، تلك الأرض التي طالما ألهمت قصائد النساء وأغانيهن.

الجزائر ـ رحلت أمس الاثنين 21 نيسان/أبريل، الفنانة الجزائرية الكبيرة "لالة بادي" عميدة الأغنية التارقية عن عمر ناهز 88 عاماً بعد صراع مع المرض وذلك بمدينة تيزي وزو، وتركت الراحلة خلفها إرثاً فنياً خالداً، حيث نجحت في المزج بين تراث منطقة الأهقار العريق والإيقاعات العصرية، لتُصبح واحدة من أبرز الرموز الفنية في الجزائر والعالم.

عرفت "لالة بادي" بإسهاماتها الكبيرة في الترويج للثقافة الصحراوية النسوية والاحتفاء بالشعر النسوي حيث نالت عدة جوائز عالمية، أبرزها جائزة "غرامي أوارد" عام 2011 عن أفضل ألبوم موسيقي عالمي بعنوان "تاسيلي"، مما رسخ مكانتها كأيقونة من أيقونات التراث التارقي، وامتد صدى فنها لعقود في ذاكرة العشاق لهذا اللون الغنائي.

 

رحلة فنية لامرأة ملهمة

لالة بادي الراحلة الملهمة، كانت سفيرة للموسيقى التارقية في المحافل العالمية، حيث قدمت عروضاً عديدة عبر أوروبا، وشاركت في جولات فنية مع فرقة "تيناريوين" وعدد من الموسيقيين الطوارق، مسلطة الضوء على التراث التارقي الأصيل ورافعة راية المرأة الجزائرية الصحراوية عالياً.

ولدت لالة بادي سنة 1937 في عين قزام في جنوب تمنراست، في الحدود الجزائرية النيجيرية، اكتسبت شاعريتها منذ سن العاشرة من والدتها لانزاري باكا.

وانطلقت مسيرتها الاحترافية في ستينيات القرن الماضي، وأسست عام 1990 جمعية "Issakta" والتي يعني اسمها بالعربية "ذكرى" وتضم عشرات الرجال والنساء الموسيقيين.

وتعاونت لالة بادي مع موسيقيين شباب طوارق وماليين من خلال مجموعة "تيناريوين" الفنية، وعملت على نشر الفنون والطبوع الغنائية التي تشتهر بها المنطقة مع إضفاء طابع عصري عليها.

وفي عام 2018 أصدرت أول ألبوم يحمل اسمها وهي في الثمانين من العمر، وعادت من خلاله لتُعيد إحياء الألحان والإيقاعات الشعرية المستوحاة من روح منطقة الأهقار، جامعاً بين أصالة التراث وثراء التجديد الموسيقي، وتؤكد أن العمر مجرد رقم وأن المرأة قادرة على الإبداع في أي سن.

لم تكتفِ بذلك، بل كرست قلبها النابض بالعطاء لتدريب فرق تقليدية وعصرية أخرى في تمنراست، محافظة على رسالتها النسائية كحاملة للأغاني والحكايات العابرة للأجيال، لا سيما بعد النجاح الذي حققته عام 2015، عندما تحولت هذه المرأة الملهمة إلى أيقونة نسائية ليس فقط في صحراء الطوارق، بل في الصحافة الأوروبية التي احتفت بها بعد تألقها المذهل على خشبة مسرح في العاصمة الفرنسية باريس.

وعرفت لالة بادي بتمسكها بهويتها، إذ تظهر في مشاهد مفعمة بالأصالة الأنثوية، جالسة بأناقة التواضع على الأرض وسط حلقة من نساء الطوارق، حول آلة "التيندي" الإيقاعية، محاطة بجمال المشهد وبـ "المهاري" كرمز للضيافة والطقوس النسائية العريقة التي تحكي عن روح المرأة الطوارقية، الحافظة للأغاني والذاكرة، وراعية التقاليد التي لا تنكسر أمام عبث الزمن.

 

الاحتفاء بالشعر النسوي

وتتميز أغاني لالة بادي بنغمة أنثوية قوية ومتألقة، تتجلى بوضوح في افتتاحية ألبومها الأول بأغنية "أميدينين إبنو أشير"، حيث تتصدر الأصوات النسوية المشهد الموسيقي، حاملة معها طقوس الفرح والبهجة المستوحاة من احتفالات التندي، تلك التقاليد التي لطالما كانت المرأة قلبها النابض وروحها المتدفقة.

وتتعانق في الأغنيات التصفيقات الإيقاعية بالأيدي مع الآلات التقليدية وتتشابك مع لمسة الغيتار الكهربائي، مما يخلق مزيجاً ساحراً يعكس روح الطوارق ويُذكر بموسيقى "تيناريوين"، وفي قلب هذه الأجواء، ينساب صوت بادي لالة، العميق والحزين، حاملاً الشعر النسوي في أبهى صوره.

ولأن لالة بادي تستلهم موسيقاها من جذور أنثوية ضاربة في عمق الصحراء، تأخذنا بأسلوب "التندي غيتار" العصري في رحلة تمتد من تمنراست إلى مالي، حيث قضت حياتها وسط نساء الطوارق، ومنها إلى النيجر وبوركينا فاسو، لتصوغ لقاءً موسيقياً عابراً للحدود.

انفتحت على المشهد الموسيقي المعاصر، حيث جمعت حولها طاقات نسوية أخرى لتعيد إحياء روح التندي الأصيلة والشعر النسوي المتوارث، كما يظهر بوضوح في مقطوعات مثل "سبحان أمناي" و"إيتد أولحن إيشيويدن"، حيث تتناغم الأصوات النسائية مع الإيقاعات في تلاحم يفيض أنوثة وشاعرية.

ويبلغ هذا التلاحم ذروته في أغنية "إيدي ياني دوهما"، حيث تذوب الحدود بين الماضي والحاضر، وتندمج أنماط التندي الاحتفالية مع عزف الغيتار وأسلوب الإيشومار، بينما يبقى صوت لالة بادي، بصدقه وعمقه، هو الرابط الأنثوي الذي ينسج روح الأغاني ويوحد عناصرها.