تونس... الادماج الفلاحي سبيل للوقاية من العنف الاقتصادي للمرأة الريفية

ناقش يوم دراسي نظم في العاصمة التونسية ويتواصل على مدى يومين موضوع الإدماج الاقتصادي للمرأة في المجال الفلاحي ودوره في انتشالها من الهشاشة والفقر والعنف الذي تعاني منه النساء، خاصة في المناطق الريفية.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ أكدت المشاركات أن تمكين المرأة اقتصادياً في القطاع الفلاحي يعد أداة فعالة لمكافحة الفقر والعنف وتعزيز استقلاليتها، مشددات على أهمية تسهيل النفاذ إلى التمويل وتوفير بيئة قانونية واجتماعية داعمة لمشاريع النساء الريفيات.

تعتمد المرأة الريفية في الغالب على العمل الفلاحي ومجهودها اليومي الكبير لتأمين لقمة العيش، على الرغم من أنها تواجه العديد من التحديات، وفي السنوات الأخيرة ظهرت فئة جديدة من النساء الريفيات المتعلمات والحاصلات على الشهادات العلمية وتمتلكن القدرة على الاستثمار في الأرض وتشغيل اليد العاملة النسائية، إلا أن نجاح هذه المبادرات يتطلب توفير التسهيلات الضرورية، وعلى رأسها الدعم المالي والتمويل المناسب.

وناقش اليوم الدراسي الذي انطلق أمس الأربعاء 17 أيلول/سبتمبر، ويتواصل على مدى يومين في تونس العاصمة موضوع الإدماج الاقتصادي للمرأة في القطاع الفلاحي، مسلطاً الضوء على دوره الحيوي في مكافحة الهشاشة والفقر والعنف الذي تعاني منه النساء، لاسيما في المناطق الريفية.

ويهدف اليوم الدراسي إلى إبراز أهمية تمكين المرأة اقتصادياً من خلال دعم مشاركتها في الأنشطة الفلاحية، باعتبارها رافعة للتنمية المستدامة ووسيلة لتعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق الاستقلالية المالية.

وداد حيزي تنحدر من منطقة بوحية التابعة لمعتمدية فريانة بولاية القصرين، أطلقت مشروعاً فلاحياً طموحاً يتمثل بغراسة 8 آلاف شجرة زيتون و3 آلاف شجرة تفاح، تكرّس اليوم جهودها للزراعة الأرضية البيولوجية، معتمدة على المواد العضوية ومبتعدة تماماً عن استخدام المواد الكيميائية، بهدف إنتاج منتوج طبيعي وبيولوجي بنسبة 100%، تقول إنها اختارت زراعة الزيتون نظراً لقيمته العالية، إلا أن فترة انتاجه التي تمتد لخمس سنوات دفعها إلى التوجه نحو الزراعات الأرضية لتوفير دخل بديل خلال تلك المدة، ومع ذلك لم يكن التمويل المتاح كافياً، إذ تمتلك 10 هكتارات من الأرض، لكن الاستثمار شمل فقط نصف المساحة، أي 5 هكتارات.

وأكدت أنها تطمح بتوسيع مشروعها مستقبلاً ليشمل تربية الأبقار والأغنام، لافتةً الانتباه إلى ارتباطها العميق بالقطاع الفلاحي "أنتمي إلى عائلة فلاحية وأعشق الفلاحة منذ صغري، بعد حصولي على شهادة البكالوريا التحقت بدراسة الهندسة الفلاحية، لكني أُجبرت على مغادرة الجامعة بعد الزواج، فاخترت التكوين الفلاحي الذي ساعدني كثيراً في تطوير عملي وتحقيق خطوات مهمة في مشروعي".

وأشارت إلى أنه بعد شراء الأرض وحفر البئر التجأت إلى برنامج "رائدات" وحصلت على التمويل غير أن الصعوبات لا تزال قائمة وأهمها التمويل الذي يبقى غير كاف في ظل ارتفاع تكاليف ومصاريف الفلاحة، مضيفةً أنه من التحديات التي واجهتها موقع الأرض الفلاحية المتواجد بجانب جبل الشعانبي والذي كان في فترة ما مسرحاً للقتال وحقول الألغام ورغم ذلك لم يثنها الخطر عن مواصلة عملها وتحقيق النجاح والمساهمة في تشغيل عدد من نساء الريف وتوفير مورد رزق لهن.

 

 

"الأرض المورد الاقتصادي الأساسي للفلاح"

أميرة قيقة، منسقة البرامج بالمنظمة الدولية لقانون التنمية في مكتب تونس، أكدت أن المنظمة تعمل الآن على تنفيذ مشروع للتهيئة العقارية للأراضي الفلاحية، مشيرةً إلى أن المشروع يرتكز على محورين رئيسيين الأول يتعلق بإعادة تنظيم وتسجيل الأراضي الفلاحية، والثاني يهدف إلى تسهيل النفاذ إلى التمويل الفلاحي.

وأوضحت أن الأرض تمثل المورد الاقتصادي الأساسي للفلاح لذا يسعى المشروع إلى دعم الفلاحين من خلال تبسيط إجراءات تسجيل الأراضي بما يتيح لهم استغلالها بشكل قانوني وفعال ويمنحهم إمكانية التقدم للحصول على التمويلات المتاحة لتطوير نشاطهم الفلاحي، مشددةَ على أن للمرأة الدور الكبير في هذا المشروع سوءاً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إذ يرتكز بالأساس على إدماج المرأة في هذه المستويات.

وفي سياق متصل أشارت إلى أن المنظمة بالشراكة مع وزارة المرأة والمرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة تسعى إلى التركيز أكثر على العنف الاقتصادي، موضحةً أن المرأة تواجه صعوبات متعددة في النفاذ إلى الموارد الاقتصادية ومن هنا جاء الحرص على تجميع مختلف الأطراف المعنية ودراسة العوائق والإشكاليات المطروحة وذلك من خلال شهادات النساء في القطاع الفلاحي سواء كنّ صاحبات مبادرات أو عاملات فلاحيات.

 

 

من جانبها قالت رئيسة وحدة الرصد والخط الأخضر بالمرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة رابحة بن حسين إن المرصد نظم تظاهرة مهمة حول إدماج المرأة في المجال الفلاحي بالتعاون مع منظمة "أدلو"، لافتةً إلى أن هذه التظاهرة تندرج في إطار الاهتمام الكبير بالمرأة في القطاع الفلاحي  باعتباره أولوية بالنسبة للدولة التونسية اليوم كما تهدف إلى دراسة والبحث عن سبل دعم المرأة العاملة في المجال الفلاحي من مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والصحية والقانونية والتشريعية ويتنزل ذلك في إطار حماية المرأة من كل أسباب الهشاشة وخاصة المرأة العاملة في الفلاحة.

كما بيّنت أنه تم خلال هذه التظاهرة تقديم تجارب ناجحة لبعض النساء صاحبات المشاريع الفلاحية الرائدة واللاتي تمكنّ من تحقيق نجاح بفضل المرافقة والدعم الذي تلقينه من مختلف الوزارات المتدخلة  خاصة وزارة المرأة ووزارة الفلاحة ووزارة الشؤون العقارية، معتبرةً أن هذه النماذج تمثل قدوة يحتذى بها وتشجع نساء أخريات على الاستفادة من الدعم الذي توفره المؤسسات الحكومية بما يساهم في حمايتهن من الهشاشة ودفعهن إلى الاستقلالية بمشاريعهن الخاصة.

وفيما يتعلق بمسألة العنف الاقتصادي أشارت رابحة بن حسين إلى أن المرصد أصبح يركز بشكل أكبر على هذا النوع من العنف خاصة وأن القانون عدد 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة أدرج لأول مرة العنف الاقتصادي إلى جانب باقي أشكال العنف، مؤكدةً أن المقاربة المعتمدة اليوم تقوم على الوقاية من العنف الاقتصادي عبر الوقاية من الهشاشة وظروف العمل غير اللائقة وضمان عمل يحفظ كرامة المرأة في المجال الفلاحي.

وشددت في ختام حديثها على أن مكافحة العنف لا تقتصر على التدخل بعد وقوعه بل تتطلب رؤية استباقية لحماية المرأة من كل أشكال الهشاشة التي قد ترتقي إلى مستوى العنف المجرّم قانوناً، مؤكدة أن حماية المرأة من واجب جميع الأطراف المتدخلة.

 

 

"الادماج الاقتصادي للنساء في الفلاحة"

بدورها قالت أسماء الجابري وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ لدى افتتاحها لليوم الدراسي الجديد إن "الادماج الاقتصادي للنّساء والفتيات في المجال الفلاحي أولويّة وطنيّة ويظهر أهميّة في السّياسات العموميّة باعتبار أن المشاركة الاقتصاديّة للمرأة هي رافعة اقتصادية وتنمويّة وضمانة للاستقلاليّة الماليّة ووسيلة لترسيخ العدالة الاجتماعيّة ودعامة لمشاركة النّساء والفتيات في الوسط الريفي في مختلف مسارات التنمية والاستثمار"، مضيفةً أن الوزارة حرصت على تنويع برامج الدّعم الاقتصادي لفائدة النّساء والفتيات من خلال إسناد القروض أو إحداث موارد رزق تستجيب إلى قدراتهنّ وخصوصياتهنّ وتم تخصيص جزء من الدّعم إلى العاملات في المجال الفلاحي وخاصّة العاملات منهنّ بصفة موسميّة وطارئة لتيسير نفاذهن إلى وسائل الإنتاج تمكّنهنّ من إحداث موارد رزق والانتقال من القطاع غير المنظّم إلى القطاع المنظّم. ولفتت إلى ان عدد المنتفعات بالبرنامج بلغ منذ عام 2023 حوالي 200 منتفعة باعتمادات تجاوزت 2 مليون دينار.

هذا ويواصل البرنامج الوطني لريادة الأعمال النسائيّة والاستثمار "رائدات" دعمه للمبادرة النسائية في المجال الفلاحي عن طريق تمويل مشاريع تتماشى مع مؤهّلاتهن العلميّة وأوضاعهن الاجتماعيّة، وبلغ عدد المنتفعات بالمشاريع الفلاحيّة حوالي 400 منتفعة باعتمادات فاقت 5 مليون دينار.