تقرير لجنة المرأة في مؤتمر النساء القاعديات: غياب شبه كامل لحقوق النساء في تونس

أكد تقرير تناول وضع المرأة في تونس في كافة المجالات تم طرحه خلال مؤتمر العالمي الثالث للنساء القاعديات، على أن العاملات ترزحن تحت وطأة استغلال ازدواجي "جنسي واقتصادي".

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ قدمت لجنة المرأة لطيفة طعم الله تقريراً خلال المؤتمر العالمي الثالث للنساء القاعديات، كشفت خلاله عن مشاكل بالجملة تعاني منها المرأة التونسية.

في ختام اليوم الخامس من أعمال المؤتمر العالمي الثالث للنساء القاعديات الذي انطلق في تونس العاصمة في الرابع من أيلول/سبتمبر الجاري واختتم أمس الجمعة 9 أيلول/سبتمبر، تم تقديم تقرير يتناول المشاكل التي تعاني منها المرأة التونسية.

وأوضح التقرير الذي تم تقديمه خلال المؤتمر وحصلت وكالتنا على نسخة منه، أن "الإمبريالية المعولمة تقوم بترويج العديد من الأطروحات المزيفة حول تحرر النساء في ظل النظام الرأسمالي المعولم، وذلك بالاستناد على بعض المكتسبات التي انتزعتها حركة النضال النسائي في البلدان الرأسمالية، خاصة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لكن هذه الأطروحة تسقط بوضوح في أشباه المستعمرات حيث تتعرض إلى الاستغلال الفاحش والمكثف على يد الشركات متعددة الجنسيات وبشراكات مع الرأسمال الكمبرادوري لهذه البلدان، التي يتم نهب خيراتها ومواردها الطبيعية، مع تسجيل غياب شبه كامل للحقوق الاجتماعية والمدنية والسياسية والاقتصادية للمرأة، وتونس واحدة من هذه البلدان".

 

فجوة الأجور بين الجنسين

لفت التقرير إلى أنه "تتعدد الموضوعات والميادين المتعلقة بالمسألة الاقتصادية، وهو ما دفع إلى ضرورة تفكيكها من أجل لمس المشاغل والمشاكل الرئيسية التي تعاني منها المرأة".

فالتفاوت في الأجور بين النساء والرجال يمثل وفقاً للتقرير أحد أبرز تمظهرات الوضع الكارثي للمرأة حيث تشير الدارسات الرسمية إلى أن دخل العاملة في المؤسسات الصناعية متدنٍّ مقارنة مع الرجال، إذ يمثل 84.4% مقارنة بدخل الرجل، ليصل الفارق في الأجر بين الجنسين إلى نحو 14.6%، إذ يجب على المرأة التونسية العمل مدة عام و37 يوماً لتتساوى مع دخل الرجل السنوي. رغم أن النساء تملكن مؤهلاً علمياً أعلى، كما أوضح التقرير.

وفيما يتعلق بالاستغلال الجنسي في العمل، تتعرض النساء في تونس وفقاً لذات التقرير إلى استغلال جنسي داخل مواقع العمل ويتمظهر هذا الاستغلال الجنسي للنساء من خلال اختيارهن لعمل معين يكون فقط لجنسهن أي أن جنس المرأة وشكلها ومواصفاتها الجسدية أصبح يعتمد معياراً للعمل في وظائف متدنية الأجر مقارنة بعدد ساعات العمل والعمل المطلوب والمجهود المبذول، لترزح المرأة تحت وطأة استغلال ازدواجي "جنسي واقتصادي".

ونوه التقرير إلى أن "بعض أصحاب العمل يطلبون من العاملات التزين وحتى الالتزام بلباس معين يكشف عن أجسادهن، حتى أضحت المرأة مجرد سلعة أو طعم داخل نظام سمسرة بأجسادهن كشرط للعمل وضمان للعيش المحترم داخل المجتمع".

 

المرأة حجر الأساس في العديد من القطاعات الصناعية

واعتبر التقرير أن العمل الهش يمثل أحد أكبر المشاكل التي تعترض المرأة أثناء محاولة دخولها لعملية الإنتاج إذ تجد نفسها عموماً بين خيارين أحلاهما أمر، يتمثل الأول في القبول بشروط العمل المجحفة أو أن تكون رقماً في جيوش العاطلين عن العمل.

وتمثل المرأة في تونس حجر الأساس في العديد من القطاعات الصناعية كالنسيج وصناعة الأسلاك الكهربائية للسيارات وغيرها من قطاعات أخرى لكن رغم ذلك تعاني من ظروف عمل لا تتوفر فيها حتى الأساسيات إذ أن أغلب عقود عملهن يكون لفترات قصيرة لا تتجاوز في أحسن الأحوال 3 أشهر، وبالتالي يبقى شبح رفضهن من العمل يطاردهن دائماً فيقبلن بكافة أشكال الاضطهاد والاستغلال فقط لتتمكن من تجديد تلك العقود القصيرة والنجاة من معضلة البطالة، كما جاء في التقرير.

وأشار التقرير إلى أنه إضافة لما سبق فالعاملات في المهن الهشة "لا تتمتعن بتغطية اجتماعية في أغلب الأحيان وحتى إن وجدت فهي لا تغطي سوى جزء من معاملات التسجيل في المستشفيات العمومية"، لافتاً إلى أن العاملات في المصانع لا تتمتعن بمعدات وقائية تحميهن من حوادث العمل ومن الأمراض الجسدية الناتجة عن المواد المستعملة في عملية الإنتاج، بالإضافة إلى أن أرباب العمل يستغلون الموروث الثقافي الذي يعطي فيه للمرأة قيمة أدنى من الرجل وبالتالي يسهل عليهم السيطرة عليهن وإقناعهن بالعمل في تلك الظروف المزرية.

 

حرمان العاملات من أدنى حقوقهن الإنسانية

وفي الميدان الفلاحي رغم المشاركة الكفاحية التي تخوضها المرأة الريفية والتي تفوق في بعض الأحيان ما يبذله الرجال، فإنها ما زالت تعيش على هامش المجتمع الهش ما فتئ يكرس نظرة دونية للعاملات الفلاحيات تتجلى أساساً في التمييز ضدهن وحرمانهن من أدنى حقوقهن الإنسانية، وهو ما ساهم في تأبيد الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية لهذه الفئة التي تعيش هشاشة خصوصية والمتمثلة في "ظروف نقل مهينة، أجور زهيدة وعمل هش، التداعيات المهنية".

فبحسب التقرير "تتنقل 47% من عاملات الفلاحة إلى أماكن عملهن مشياً على الأقدام، فالأجرة التي يتقاضونها لا تكفي لسد كل مصاريفهن فتلجأن إلى توفير كلفة النقل حتى وإن كان مكان العمل بعيداً أو الظروف المناخية قاسية نتيجة التغيرات المناخية. في حين تنتقل أكثر من 37% من العاملات الفلاحيات بواسطة شاحنات صغيرة تسمى في تونس بشاحنات الموت نظراً لكثرة الحوادث التي تتعرضن لها والتي تفقد خلالها أكثر من 30 عاملة سنوياً حياتها، إضافةً إلى كون هذه الشاحنات في الأصل شاحنات معدة لنقل الحيوانات ولا تتوفر فيها حتى المقتضيات البسيطة للنظافة".

 

العمل في ظروف تنعدم فيها مقومات الحماية

وأوضح التقرير أن العاملات الفلاحيات لا تعملن بعقود عمل أو تغطية اجتماعية أو صحية كما أن عملهن عادةً ما يكون موسمياً وغير قار تعمل خلاله النساء لأكثر من 10 ساعات يومياً دون وجود راحة أسبوعية أو توفير أبسط وسائل الحماية لهن، كما أنهن تتقاضين أجراً أقل مقارنة مع الرجال لنفس العمل المنجز.

وأكد التقرير على أن النساء تعملن في العمل الفلاحي وسط ظروف تنعدم فيها جل مقومات الحماية وعادة ما تتعرضن للمؤثرات المناخية كالبرد والأمطار والحرارة خصوصاً خلال مواسم جني الخضروات في فصل الصيف، ويزداد تأثيرها إثر الأزمة المناخية التي يعيشها العالم وهو ما يسبب لهن مضاعفات صحية مختلفة كالتهاب المفاصل وهشاشة العظام والأمراض الجلدية والإجهاض في بعض الأحيان بسبب إجهاد النفس في الأعمال الشاقة.

ويشير التقرير إلى أنه "رغم كل الروح الكفاحية والتضحية والمثابرة التي تقدمها النساء في مختلف المجالات الاقتصادية صناعية كانت أو فلاحية يصر المجتمع من خلال بناة الأبوية على تبخيس دورها وعدم تثمينه".

 

تتعرض المرأة لكافة أشكال العنف والجناة يفلتون من العقاب

وفيما يتعلق بالوضع الاجتماعي، فقد ورد في التقرير أن النساء في تونس تعانين من عدة ظواهر اجتماعية تتمثل في "العنف المادي، العنف المعنوي، العنف اللفظي".

بحسب التقرير تشير الاحصائيات الرسمية إلى أن مراكز النداء المخصصة للتبليغ عن حالات العنف ضد المرأة تلقت أكثر من 15 ألف حالة إبلاغ خلال عام 2019، وقد ارتفع عدد حالات الإبلاغ بنسبة 77% في السنوات اللاحقة خاصة أثناء جائحة كورونا، موضحاً أن المثير للانتباه في هذه الإحصائية ليس فقط ضخامة الرقم إذ أنه عند تحليل الأرقام اتضح أن المنزل هو أكثر مكان تمت فيه حالات الاعتداء هذه والتي وصلت في بعض الأحيان إلى القتل ونذكر منهن رفقة الشارني وأروى الطرودي والقائمة تطول.

وأضاف التقرير "توجد تمظهرات عديدة للعنف المعنوي في تونس لكنها جميعاً تتسم بصعوبة إثباتها خاصة على المستوى القانوني مما يجعل مرتكبها يتهرب بسهولة من العقاب".

ويعد التحرش اللفظي أحد أكثر أنواع العنف المعنوي شيوعاً في تونس إذ لا تكاد تخلو أي مدينة أو قرية أو مؤسسة مهما كانت صبغتها منه ورغم ذلك لا يوجد احصائيات دقيقة عنه نظراً لصعوبة إثباته، إضافةً إلى ظاهرة التحرش التي تغزو الشوارع التونسية ظواهر أخرى كالسب والشتم والحركات المخلة بالاحترام وهو ما يجعل من الشوارع في أغلب الأحيان فضاء غير أمن للنساء، مؤكداً على ضرورة الرفع من مستوى الوعي لدى النساء.

 

النساء والسياسة... التناصف بعيداً عن أرض الواقع

وتطرق التقرير إلى انتفاضة تونس بين 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 و14 كانون الثاني/يناير عام 2011، مشيراً إلى أنها كانت أملاً أكبر للنساء في المشاركة لا فقط في المجتمع المدني وإنما كذلك في الحياة السياسية من خلال الانخراط سواء في الأحزاب السياسية أو في الانتخابات.

فالمشاركة السياسية للمرأة هي جزء أساسي من عملية الإصلاح السياسي كما أوضح التقرير "تم دعم هذا الأمل من خلال جملة من القوانين والمراسيم التي ضمنت عدة مفاهيم كالتناصف الأفقي والعمودي في القانون الانتخابي. لكنه على مستوى الواقع والممارسة لم يكن سوى ذر للرماد على العيون إذ أن أغلب الأحزاب لم تقم سوى باستثمار المرأة في دعايتهم الانتخابية كورقة سياسية لجذب تعاطف النساء دون أن يكون لهن فعلياً أي دور هام في العملية السياسية. إذ بقي شعار تشريك المرأة مجرد شعار أجوف خال من أي تطبيق على أرض الواقع إلا في بعض الأمثلة المحدودة جداً".

وبخصوص الجانب القانوني جاء في التقرير "تحظى المرأة في تونس مقارنة بباقي الدول العربية بامتيازات كثيرة من خلال منظومة تشريعية حاولت نظرياً تمكين النساء من العديد من الحقوق السياسية والفردية نذكر من ذلك القانون الانتخابي الذي شدد على ضرورة التناصف الأفقي والعمودي بين الجنسين".

واختتم التقرير بالتأكيد على أن "دستور 2022 أكد على حق المرأة في الترشح لمختلف المناصب السياسية لكنه على الصعيد العملي لم تكن هذه القوانين فعالة إذ بقي دور المرأة محدوداً بل وفي الكثير من الأحيان لم تتجاوز كونها جزء من مشهديه تريد السلطة والأحزاب الحاكمة الترويج لها، كذلك لا بد من الإشارة إلى أن بعض القوانين ما زالت تحقر المرأة وتضعها في منزلة دونية كالقوانين المتعلقة بالميراث والتي تمنح الرجل ضعف ما تمنحه للمرأة لذلك نناضل من أجل المساواة التامة والفعلية بين المرأة والرجل في جميع المجالات اقتصادياً كانت أو اجتماعية أو سياسية".