تحرير مدينة منبج بوابة لاستعادة المرأة دورها في المجتمع

استعادت المرأة دورها في كافة مجالات الحياة بعد أن حرمت منها آلاف السنين وكان تحرير منبج بوابة لذلك.

سيلفا الإبراهيم

منبج ـ شكل تحرير مدينة منبج من مرتزقة داعش الذي يصادف اليوم الثلاثاء 15 آب/أغسطس ذكراها السابعة، نقلة نوعية في واقع النساء لتستعدن دورهن الحقيقي في المجتمع وتتعرفن على ذواتهن، وتتطلعن لترسيخ حياة ندية حرة.

على مدى سبعة أعوام تمكنت النساء في مدينة منبج بشمال وشرق سوريا، اللواتي كان لهن النصيب الأكبر من انتهاكات مرتزقة داعش، من النهوض بواقعهن والمشاركة في كافة المجالات وانتشال أنفسهن من مستنقع العبودية، فمع انطلاق حملة تحرير مدينة منبج تأسس المجلس المدني في المدينة، وبعد تحريرها تأسست الإدارة المدنية الديمقراطية في 12آذار/مارس 2017، والذي انبثق منها المجلس التشريعي والتنفيذي، وضم كافة المكونات.

وحول هذا الموضوع قالت الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة المدنية الديمقراطية في مدينة منبج وريفها نزيفا خلو، أن المرأة عانت في ظل الأنظمة السلطوية وسيطرة مرتزقة داعش على مدينة منبج العديد من الصعوبات ومورس بحقها انتهاكات عديدة، وتم تهميش دورها في العديد من المجالات، لكن بعد تحرير المدينة وتأسيس الإدارة المدنية الديمقراطية التي فتحت أبوابها أمام النساء للانخراط في كافة المجالات تغير وضعهن كثيراً وبات لهن كيان وتواجد في كافة أنظمة الحياة، كما تم اعتماد نظام الرئاسة المشتركة لتبلغ نسبة مشاركتهن في الإدارة 50%.

وأوضحت أن مرتزقة داعش حكم مدينة منبج ثلاث سنوات وخلال هذه المدة حرمت المرأة من أبسط حقوقها، لكن بعد التحرير ثارت النساء ضد هذه الانتهاكات والممارسات، كما تأثرن بمقاتلات وحدات حماية المرأة اللواتي شاركن في حملة تحرير منبج وأدركت حينها المرأة أنها قادرة على أن تمثل نفسها في أي مجال كان.

وعن التحديات التي واجهوها لانخراط النساء في مجالات العمل قالت "واجهنا الكثير من التحديات لتنخرط المرأة في مجال العمل نتيجة الذهنية الموروثة في المنطقة التي تحكمها عادات وتقاليد بالية تمنع المرأة الخروج من المنزل، ولكن كان لمؤسسات المرأة الدور الأكبر في مشاركة النساء من خلال التوعية والاجتماعات والزيارات لمنازل الأهالي، وبذلك استطعن إثبات دورهن وفاعليتهن على أرض الواقع، وتتجاوزن كافة التحديات المجتمعية والظروف المحاطة بهن".

ينبثق من المجلس التنفيذي 13 لجنة ومن بينها لجنة المرأة، بينت نزيفا خلو دور هذه اللجنة "حملت لجنة المرأة على عاتقها تنظيم المرأة داخل اللجان والمؤسسات عبر التنسيق مع مكاتب المرأة المتواجدة في كل لجنة من لجان المجلس التنفيذي، وهيأت الظروف المناسبة لعمل المرأة في كافة المؤسسات".

 

 

المرأة ودورها في السياسة بعد التحرير

وعن التهميش الذي عاشته المرأة عبر التاريخ واضطهاد دورها قالت رئيسة مجلس حزب سوريا المستقبل في مدينة منبج عذاب عبود "المرأة ومنذ آلاف السنين تعاني من الظلم والاضطهاد والعنف بكافة أشكاله سواء من العادات والتقاليد البالية أو الدين الذي تم استغلاله من قبل الأنظمة الدولتية التي تكرس الاستبداد على واقع المجتمع والمرأة، بالإضافة إلى الذهنية الذكورية التي تطبق جميع أشكال السلطة وتبعد المرأة عن حقيقتها وإرادتها".

وأوضحت عذاب عبود مفهوم السياسة "تم تحريف السياسة عن منحاها الأساسي، فحقيقةً السياسة هي لخدمة المجتمع وفن إدارة المجتمعات وفن البحث عن أفضل الحلول لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وكافة مجالات الحياة، ولكن نتيجة استغلال السلطة لهذا المفهوم تم تحريف السياسة عن معناها الحقيقي لتكون هي مكر وخداع واستغلال الشعوب".

وحول ارتباط مفهوم السياسة بشخصية المرأة قالت إن "المرأة منذ آلاف السنين هي السياسية الأولى التي تطبق أهداف ومبادئ السياسة على أرض الواقع من خلال مشاركتها في إدارة العائلة والمجتمع، كما أن الحروب والأزمات كانت قليلة جداً لأن السياسة كانت تأخذ منحاها الحقيقي ولكن بعد ظهور السلطة والأنظمة الدولتية وتفشي الرأسمالية، باتت السياسة تتعب كاهل المجتمع بدلاً من إدارته وتطويره وبات دور المرأة محدود جداً في المجال السياسي".

وأضافت أن المرأة ناضلت على مر العصور لحماية نفسها وإثبات ذاتها كمشاركتها في الثورة الروسية ضد القياصرة ومقاومة النساء في معامل النسيج في نيويورك وأيضاً مقاومة الأخوات ميرابال ومقاومة النساء الكرديات في حركة التحرر الكردستانية، وصولاً إلى مقاومتهن في شمال شرق سوريا فبعد ثورة 19 تموز بدأت المرأة تتنفس هواء الحرية وتستعيد دورها الذي حرمت منه قبل آلاف السنين استناداً على ثورات ومقاومات، واستطاعت أن تلعب دورها في القضاء على داعش، وأن تشارك في السياسة والمفاوضات لحل الأزمة السورية وإنهاء الاحتلال التركي.

وعن انخراط المرأة في المجال السياسي بمدينة منبج بعد التحرير قالت "عانى الشعب السوري من نظام سياسي استبداداي أحادي يعتمد على اللون والقومية الواحدة وهذه الذهنية تكرست في المجتمع لمدة تتجاوز النصف قرن، وتسببت في تفكيك النسيج الاجتماعي وغياب الإرادة فالمواطن أصبح فاقداً للحرية والإرادة، ولكن بفضل الوعي الديمقراطي في شمال وشرق سوريا استطاعت القوى الديمقراطية أن تعيد الحياة السياسية إلى منحاها الأساسي وبناء مجتمع أخلاقي ديمقراطي".

"من رحم المعاناة يولد الأمل والحياة" هذا ما قالته عذاب عبود عن دور المرأة في المجتمع بعد تحرير مدينة منبج، مشيرةً إلى أن المرأة وصلت خلال فترة وجيزة إلى مستوى عالي وشاركت في كافة مجالات الحياة متحدية الذهنية الذكورية والعادات والتقاليد البالية، ناهيك عن حرقهن للغطاء الأسود الذي كان يحجب فكرهن قبل جسدهن.

وفي ختام حديثها أكدت عذاب عبود أنهم في حزب سوريا المستقبل يعملون دائماً من أجل حقوق المرأة في كافة مناطق سوريا، ونشر مشروع الأمة الديمقراطية.

 

 

 

الأكاديميات منبر لتنوير فكر المجتمع

بعد تحرير منبج وإعادة الحياة للمدينة عمل المجلس المدني على تغيير الأفكار التي خلفها داعش في ذهنية المجتمع، إلى جانب تغيير مفهوم المجتمع للعادات والتقاليد البالية التي كانت المرأة ضحيتها، وكانت الأكاديميات إحدى أساليب تنوير وتطوير فكر المجتمع الذي أظلم عبر التاريخ.

وفي هذا السياق قالت الإدارية في أكاديمية الشهيد اسماعيل الموسى في منبج نقشية خليل "تأسست العديد من الأكاديميات بعد تحرير مدينة منبج منها أكاديمية الشهيد اسماعيل عام 2016 التي بلغ عدد المتدربات فيها 613 متدربة، وأكاديمية الشهيدة زيلان حلب في عام 2017 والتي استقبلت أكثر من 900 متدربة، التي عملوا من خلالها على تغيير الأفكار السوداوية التي خلفها داعش وبناء شخصية الفرد ليكون عضو فعال في المجتمع وتعريف الأهالي على فكر الأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب القائم على التشاركية والحياة الندية والتنظيم الصحيح للمجتمع للنهوض به، ومساندة المرأة في نضالها لمعرفة ذاتها وجوهرها وتاريخها.

 

 

 

دار المرأة ومهامها في بناء مجتمع أخلاقي ديمقراطي

بعد عام من تحرير مدينة منبج تأسس دار المرأة في25 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وحول ذلك قالت عضوة دار المرأة نجمة الإبراهيم "قضية المرأة ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى 5 آلاف عام، عانت خلالها من كافة أشكال العنف والتهميش، لم تنصفها لا المحاكم ولا أساليب الصلح العشائري التي كانت دائماً لصالح الرجل، لذلك كنا بحاجة لافتتاح دار يختص بشؤون المرأة إلى تغيير ذهنية المجتمع وحصول المرأة على حقوقها".

وعن تقبل المجتمع لهذه الدار بينت أنه "في البداية كان هناك رفض كبير، لكن بعد معرفة النهج الذي يسير عليها الدار، بات هناك إقبال كبير، وأصبح مقصد لجميع فئات المجتمع وليس المرأة فقط، ففي الكثير من الأحيان يستقبل الدار مشاكل الرجل، والقضايا المجتمعية، لإيجاد الحلول لها".

تعاني المرأة في مدينة مبنج وغيرها الكثير من الصعوبات منها زواج القاصرات والطلاق إلى جانب حالات الانتحار التي ازدادت خلال الفترة الأخيرة، حيث تعمل دار المرأة على حل هذه المشاكل، مبينة أنهم ساهموا في حل الكثير من هذه المشاكل فمنذ تأسيس الدار تم استقبال 5887 شكوى وحل 2205 قضية، وتحويل 2355 إلى ديوان العدالة، ولا تزال 1299 قضية قيد النظر.

وأكدت نجمة الإبراهيم على ضرورة توعية المجتمع للحد من هذه الظواهر التي تنعكس سلباً على المجتمع.

 

 

وعلى الصعيد الاقتصادي والاستقلال الذي حققته المرأة أكدت الناطقة باسم اقتصاد المرأة عائشة داود على ضرورة تأسيس اقتصاد خاص بالمرأة "مع بداية تأسيس اقتصاد المرأة في عام 2017 كان المجتمع لا يزال يعاني من الخوف الذي خلفه داعش وكانت المرأة تخشى الانخراط في مجال العمل، لكن رويداً رويداً بدأت بكسر حاجز الخوف والعمل للاعتماد على نفسها والاستقلال بذاتها".

وعن المشاريع التي افتتحتها اقتصاد المرأة لتوفير فرص عمل للنساء أوضحت "افتتح اقتصاد المرأة الكثير من المشاريع كمشروع محل الألبسة وصالون لتجميل ومحل للفطائر ومعمل المنظفات ومدجنة ومزرعة، وجميع المشاريع التي يديرها اقتصاد المرأة تعتمد نظام الجمعيات للمشاركة بالأسهم من قبل النساء"، مشيرةً إلى الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد "ارتفاع سعر دولار مقابل الليرة تركية أثر على الاقتصاد بشكل كبير، لهذا نرى بأننا لم نصل لما نطمح له لأن المرأة لا تزال تعاني من الأزمة الاقتصادية ونسعى جاهدين لدعم اقتصاد المرأة لأن الكثير من النساء تقصدنا لنوفر لهم فرص عمل ونأمل من الجهات المعنية دعم اقتصادنا لأنه اقتصاد مجتمع معني بدعم المرأة".