"سوزدار جميل" ريادة نسائية في صناعة الأطراف وتقويم العظام في روج آفا

صرّحت سوزدار جميل، مديرة أول مركز للأطراف الصناعية وتقويم العظام في إقليم شمال وشرق سوريا، بأن المركز يُعدّ مرفقاً طبياً متخصصاً في إعادة التأهيل وتوفير الأطراف الصناعية وتقويم العظام.

سوركل شيخو

 قامشلو ـ أسفرت ثورة روج آفا عن تغيّرات جوهرية في البنية الاجتماعية والاقتصادية، أبرزها قيام امرأة متخصصة في تقويم العظام والأطراف الصناعية، بتأسيس مركز طبي هو الأول من نوعه في إقليم شمال وشرق سوريا، واضعة بصمتها المهنية والإنسانية في قلب مجتمعها الذي يتطلع إلى التعافي والنهوض.

يُعدّ مركز "سوز" الذي افتتح في 28 حزيران/يونيو من هذا العام بمدينة قامشلو في مقاطعة الجزيرة بإقليم شمال وشرق سوريا، مرفقاً طبياً متخصصاً في إعادة التأهيل، وتقديم خدمات الأطراف الصناعية وتقويم العظام، ويعمل وفق أحدث التقنيات والمعايير الدولية، يهدف إلى مساعدة الذين فقدوا القدرة على الحركة، لتمكينهم من استعادة نشاطهم البدني والعيش بشكل مستقل ومريح.

وعن سبب تسمية المركز بهذا الاسم، أوضحت مديرته سوزدار جميل سبب اختياره "في أحد الأيام، أنا وزميلَيّ، قطعنا وعداً معاً بأن نأسس مشروعاً كهذا، أردنا أن يكون لنا مركزنا الخاص، نعمل فيه يداً بيد، لقد أمضينا 7 سنوات نعمل معاً في مجال الأطراف الصناعية وتقويم العظام".

وحول البدايات، قالت إن الهجمات المتكررة على مناطقهم كانت سبباً في تأخير إطلاق المركز "كلما اتخذنا قراراً بالافتتاح، كانت هناك هجمة جديدة من الاحتلال التركي ومرتزقته، ولأن الهجمات مستمرة بلا نهاية توصّلنا إلى نتيجة مفادها أن الحياة يجب أن تستمر رغم كل الظروف، لذا قررنا أن نبدأ وافتتحنا المركز".

سوزدار جميلة تحمل شهادة أكاديمية وخبرة في مجال الأطراف الصناعية وتقويم العظام، تحدثت عن مسيرتها العلمية "في عام 2014 درست هذا التخصص لمدة سنتين في جامعات دمشق، وبعد ثلاث سنوات عملت في الإعلام، لكن لم تتح لي الفرصة للعمل في مركز تخصصي، بعد عام من العمل الإعلامي، ظهرت فرصة لأستخدم دراستي في خدمة المجتمع، ومنذ عام 2018 وحتى الآن، أعمل في تصميم الأطراف الصناعية وتقويم العظام".

 

من ألم الحرب إلى شفاء الآخرين

اختارت سوزدار جميل تخصص الأطراف الصناعية وتقويم العظام بدافع إنساني عميق ترسّخ في وجدانها خلال سنوات الحرب، فقد شهدت عن كثب معاناة أصدقائها وإخوتها ممن أُصيبوا بجروح بالغة، ما دفعها إلى طرح سؤال ظلّ يؤرّقها "كيف يمكنني أن أقدّم يد العون لمن فقدوا أطرافهم؟"

كانت تلك التجربة القاسية نقطة تحوّل في حياتها، إذ رأت أن بإمكانها تحويل الألم إلى أمل، والجرح إلى فرصة للنجاة.

تحكي عن أحد أصدقائها الذي فقد يديه وساقه في الحرب، ولم تستطع حينها توفير طرف صناعي له، إلا أن تلك اللحظة ألهمتها بالاستمرار رغم التحديات، وكانت تُردّد "استمري، لا تتوقفي أبداً".

كما تأثرت بصديقتها التي فقدت ساقها، لكنها استطاعت أن تصنع أطرافاً صناعية لآخرين باستخدام ساقها السليمة، وهو مثال حي على الإرادة التي لا تُهزم، ويشكّل دافعاً لا يتراجع.

 

"الأطفال نور الطريق ومصدر الإلهام"

لم يقتصر عمل سوزدار جميل على خدمة المصابين بالحرب، بل امتد ليشمل الأطفال الذين يحتاجون للرعاية الخاصة "ارتباطي بالأطفال لا ينقطع، ففي كل مرة أصنع طرفاً صناعياً لطفل، أشاهد السعادة تتلألأ في عينيه، فتتملكني مشاعر عميقة، وأبكي، ولا أستطيع أن أتوقف".

كانت لحظات الفرح الطفولية سبباً في قدرتها على تجاوز الإرهاق النفسي، ودافعاً لمواصلة العمل بتفانٍ، ومن هنا، صار مركز "سوز" نافذة أمل ليس فقط لضحايا الحرب، بل أيضاً لذوي الاحتياجات الخاصة، ومصابي الحوادث، ومرضى الشلل.

 

سوزدار جميل ريادة نسائية في طب الأطراف الصناعية

تمكنت سوزدار جميل من تحقيق إنجاز نوعي، كونها أول امرأة من إقليم شمال وشرق سوريا تؤسس مركزاً خاصاً لتقديم هذه الخدمات في منطقة الجزيرة.

وعن ذلك، قالت "كان الناس يتساءلون ما هو هذا التخصص؟ لم يكن أحد من منطقتنا قد درسه أو سمع به، لكن بعد اندلاع الحرب عام 2011، ومع تزايد عدد الإصابات الناتجة عن القصف، باتت الحاجة إليه ملحة".

ومع تأسيس مركزها، عبّرت عن سعادتها باستقبال عدد من المرضى خلال الأيام الأولى وصنع أطراف صناعية لهم، لتمنحهم بداية جديدة لحياتهم.

وحول التحديات، واجهت سوزدار جميل صعوبات كبيرة في توفير المعدات الطبية اللازمة "كل الأجهزة التي نستخدمها غير متوفرة في روج آفا، نضطر لشرائها من إقليم كردستان وتركيا، لذلك ننتظر لأشهر حتى تدخل إلى المنطقة بطرق غير مباشرة".

ورغم تلك العقبات، استطاعت تحويل حلمها إلى واقع، بتقديم خدمات طبية محلية كانت في السابق تتطلب السفر إلى دمشق أو حلب أو حتى تركيا.

 

الهدف الأسمى خدمة مجتمعية لا ربحية

وأكدت سوزدار جميل أن مشروعها لا يهدف إلى الربح، بل إلى سد الحاجة الطبية في المنطقة "في السابق، كان كل من يحتاج إلى طرف صناعي أو علاج متخصص يضطر للسفر، مما يعني تكاليف ومخاطر كبيرة، خصوصاً في ظل الحرب المستمرة، أما الآن لدينا الكفاءات والشباب المؤهلين، وعلينا أن نقدم العلاج هنا، داخل روج آفا".

وأعربت عن استعدادها لدعم طلاب هذا التخصص "نخطط لتوسيع مركزنا وجلب أجهزة ومعدات حديثة، كما أننا جاهزون لمشاركة خبرتنا مع الطلاب في ذات المجال، ليكون هناك مكان يشعر فيه المريض بالأمل ويبدأ من جديد".

 

"ثورة روج آفا نقطة تحول في حياة المرأة"

وأنهت سوزدار جميل حديثها بالإشارة إلى أثر ثورة روج افا في حياتها المهنية والشخصية "غيرت الثورة الكثير في حياتنا، فقد علّمتنا كيف نوازن بين الحياة الأسرية والعمل، أنا أواجه تحديات يومية مع الأطفال والمرضى، لكنني لا أتراجع، وهناك حاجة كبيرة في منطقتنا لهذا التخصص، لذا أوجّه رسالتي للطلاب اجتهدوا في هذا التخصص، فبخبرتكم سنمنح المرضى حياة أفضل، رغم كل الصعوبات".