قصة امرأة تخوض نضالاً يومياً لتأمين أبسط حقوق البقاء

في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، تصبح قصص النساء اللواتي تقاتلن بكل قوتهن لإنقاذ الفتيات والجيل القادم، دون وعي سياسي أو وسائل، أكثر أهمية من أي وقت مضى، النساء اللواتي لم تُسمع أصواتهن قط ولكن تأثيرهن على المجتمع عميق ودائم.

بهاران لهيب

جوزجان ـ يحمل الخامس والعشرون من تشرين الثاني/نوفمبر دلالات عميقة للمرأة، ففي هذا اليوم رفعت المناضلات والمثقفات أصواتهن في العالم مطالِبات بحقوق النساء وكاشفات الجرائم ضدهن، مؤكدات أن الصمت عار، وفي المقابل تخوض نساء أخريات نضالًا يومياً بلا وعي سياسي، فقط لتأمين أبسط حقوق البقاء.

في أفغانستان تعيش شريحة واسعة من النساء اللواتي يخضن معركة يومية من أجل البقاء، والسعي لإثبات دورهن في المجتمع وحماية حياتهن، تواجهن التحديات لا مع الحكام فحسب، بل حتى مع أفراد المجتمع من حولهن، ومع ذلك يبقى صوتهن غائباً تماماً، فلا يُسمع ولو لمرة واحدة، ولا يُطرح دورهن للنقاش في أي منابر أو ساحات عامة.

ووفقاً لإحصاءات رسمية نُشرت قبل سنوات، لا تتجاوز نسبة النساء الأفغانيات المتعلمات في القراءة والكتابة واحداً بالمائة، بينما لا تجيد الغالبية العظمى منهن سوى القراءة والكتابة. ومع ذلك، تخطو النساء المتعلمات كل خطوة بوعي أكبر، ويلعبن دوراً مهماً في المجتمع الأفغاني.

لقد استطاعت كثير من الفتيات الصغيرات الحصول على فرصة التعليم بفضل جهود أمهاتهن غير المتعلمات، اللواتي وقفن بحزم في وجه الزواج القسري، وسعين جاهدات ليصبحن منقذات للجيل القادم، أن هذا النضال الذي تخوضه الامهات والنساء يحمل قيمة إنسانية عظيمة، إذ لم يقتصر على حماية بناتهن من الزواج المبكر، بل امتد ليمنع تعدد الزوجات بين أبنائهن وبناتهن، وليتصدى للعنف الأسري، مثبتات أن الإرادة النسائية قادرة على تغيير الواقع وصون الكرامة.

عندما تُسأل هؤلاء النساء، تجِبنَ بروحٍ عالية "لقد مررتُ بأوقاتٍ عصيبةٍ بنفسي، لا أريد لبناتي أن يختبرن كل ما حدث لي، ولن أسمح لأبنائي بذلك أيضاً، لأنني مررتُ بتجارب مؤلمة أو لاحظتُها لدى نساء جيلي".

ومن هذا المنطلق، تحدثنا إلى حوا كول أميري من ولاية جوزجان، وعندما سُئلت عن يوم 25 نوفمبر، اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، رفعت حجابها بابتسامة مشرقة، ويديها المتشققتان تشهدان على صعوبة الحياة، وقالت "لا أعرف معنى هذا اليوم لكنني أعلم شيئاً واحداً وهو لا ينبغي إجبار الفتيات والشابات على الزواج، وإذا تزوجن فلا يجوز أن يُعاملن كعبيد لأزواجهن أو لأي رجل في الأسرة، المرأة لها الحق في الحياة تماماً كما الرجل ولا فرق بينهما".

عندما سُئلت عن دورها في القرية، وعن رؤيتها لغياب الفوارق بين الرجل والمرأة، أجابت بلهجتها المحلية وترددت قليلًا، وكأنها تتساءل في داخلها عما إذا كانت قد اختارت الطريق الصحيح ثم قالت "أنا امرأة في الخامسة والستين من عمري، حين زوّجت أبنائي حرصت أن تواصل زوجاتهم تعليمهن بعد الزواج، لم أجبر بناتي على الزواج المبكر مهما كان الثمن، ولم أفرض مهوراً باهظة أردت أن يصبح ذلك تقليداً في قريتنا، واليوم مقارنة بمناطق أخرى، نجد عدد النساء المتعلمات في قريتنا أكبر، كنت أبدأ الحديث بهدوء مع أي أب أو أخ يمنع بناته من الذهاب إلى المدرسة؛ وإذا لم يستجيبوا كنت أصرّ وأدفع الفتيات إلى التعليم بالقوة إن لزم الأمر، لكن طالبان حرمت الجيل الجديد من فرصة أن يكون متعلماً".

وأوضحت أنه "في البداية، حين تدخلتُ في هذه القضايا، اتهمني الجميع بالجنون والتطفل، لكن بفضل ذلك الجنون وتلك التدخلات تلاشى العنف واختفت جرائم قتل النساء وسائر الانتهاكات من قريتنا، وإن وجدت بعض الحالات النادرة فقد بادر مرتكبوها إلى الاعتذار مراراً ولم يعاودوا تكرارها".

من الجدير بالذكر، أن كل قرية أفغانية بحاجة إلى حوا كول أميري لإنقاذ النساء من العنف والقتل والمجازر، وإلا فلن تنعم المرأة الأفغانية بيوم الحرية والسلام.