قصة ابنة حلبجة المفقودة: اعتبرت متوفية في القيود الرسمية وخصص لها قبر باسمها وهي الآن تبحث عن الأطفال المفقودين

رائحة التفاح قتلت جميع أفراد عائلتها، فتم تبنيها من قبل عائلة من إيران، وبعد 14 عاماً، عرفت كامل الحقيقة، وهي الآن تبحث عن درب حياتها. إنها ماردين محمد فتاح ابنة مدينة حلبجة

مهربان سلام كاكائي
حلبجة- .
بالقرب من القبر الذي يحمل اسمها تتحدث ماردين عن قصة حياتها، حيث تم تسجيل وفاتها في السجلات الرسمية، وتقول في ذلك "بعد عودتي إلى وطني، أكملت دراستي وأسست جمعية لأجل البحث عن الأطفال المفقودين مثلي. وأنا الآن رئيسة تلك الجمعية، وأساعد العوائل في البحث عن باقي الأطفال المفقودين".
المدينة التي التف الموت حول وجهها متنكراً برائحة التفاح، المدينة التي قتلت فيها الحياة، حلبجة... في تلك المدينة لا زالت صرخات الموت تعلو. كما يعلو نواح النساء اللواتي حكم عليهنَّ بالحياة باللون الأسود والحزن. مضت 33 عاماً إلا أن حلبجة لا تبرأ، ولا تندمل الجراح المفتوحة على جسدها. أبناء حلبجة الضحايا يرقدون وسط المدينة. الآلاف من القبور الفردية، بالإضافة إلى العديد من القبور الجماعية التي لم تفتح بعد... في كل يوم تواصل النساء وبشكل خاص الأمهات، كفاحهنَّ من أجل إضافة مقبرة جديدة، وهنَّ يطلبنَّ أن يكون لأبنائهنَّ قبراً على الأقل.
 
اعتبرت متوفية في السجلات الرسمية 
هل سمعتهم بأسماء أبناء وبنات حلبجة المفقودين؟ ماردين محمد فتاح واحدة منهم. ولأنهم فقدوا أثرها بعد البحث عنها لسنوات، فقد تم تخصيص قبر باسمها، ماردين التي على قيد الحياة، دفنت في ذلك القبر، وسجلت وفاتها في السجلات الرسمية. ماردين جلبجيي، تستمد اسمها من اسم أحد مدن وطنها. بتاريخ 16 آذار/مارس عام 1988، وبينما كان النظام البعثي يقصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية، اختبأت عائلة ماردين في أحد الأقبية، على أمل أن ينجوا من المجزرة. ربما نجا بعض من أفراد عائلة ماردين، لكنهم انتشروا في أصقاع العالم، ويقضون حياتهم تحت وطأة آلام وجراح المجزرة. وماردين هي أحد أفراد العائلة المفقودين. تم انقاذ حياتها من قبل إحدى الفرق العسكرية التي قدمت من إيران إلى حلبجة لإنقاذ الضحايا الذي تعرضوا للقصف بالأسلحة الكيمياوية، ونقلوها معهم إلى إيران. 
 
كانت تعتقد أن الناس الذين عاشت معهم 14 عاماً هم عائلتها
تلقت ماردين فتاح العلاج لمدة ثلاثة أشهر في إحدى المشافي. ومن ثم تبنتها إحدى الأسر الإيرانية. وعلى مدى 14 عاماً كانت تعتقد أن تلك الأسرة هي أسرتها الحقيقية. ولكن سمعت ذات يوم إحدى صديقاتها تقول لها أثناء وجودهم في الشارع "أنت من حلبجة، وهذه العائلة ليست عائلتك الحقيقية". ورغم أن هذه الكلمات بعثت الشك في قلب ماردين إلا أنها لم ترغب أن تصدق الحقيقة، واعتبرتها مجرد مزحة طفولية، ولم توليها أي اهتمام. وبعدها بسنوات سمعت القصة أثناء حديث جانبي بين المرأة التي كانت تعتقد أنها أمها، وإحدى قريباتها، لقد عرفت الحقيقة من لسان المرأة التي كانت بمثابة الأم بالنسبة لها، وقامت برعايتها على مدى سنوات. ومنذ تلك اللحظة، بات سؤال من أنا؟ يشغل بال ماردين.
 
بدأت مسيرة ماردين فتاح... 
تروي ماردين فتاح قصة مسيرة حياتها من إيران إلى حلبجة، وقصة مسيرة بحثها عن نفسها، وتبدأ قصتها بالقول "اسمي ماردين محمد فتاح. أنا واحدة من أطفال حلبجة المفقودين. بتاريخ 16 آذار/مارس 1988، وعندما تم قصف حلبجة بالأسلحة الكيماوية، كنت مع عائلتي نختبئ في أحد الأقبية. وعندما قدمت الفرق الطبية من إيران من أجل نقل الجرحى ممن نجو من القصف الكيمياوي، وجدوني على قيد الحياة ونقلوني إلى إيران. وبعد أن قضيت ثلاثة أشهر في المشفى، وتلقيت العلاج، تم منحي لعائلة إيرانية، وعشت مع تلك العائلة على مدار 14 سنة. في أحد الأيام وبينما كنت ألعب في الشارع، قالت إحدى صديقاتي "هذه ليست عائلتك. أنت من حلبجة". ولاحقاً جاءت إحدى صديقات والدتي الإيرانية، وسمعت منهم بنفسي إنني طفلة من حلبجة. وفيما بعد أخبروني كل الحقيقة. الرجل الذي كنت أعتقد على مدى سنوات إنه والدي، وأصيب بالمرض، قد أوصاني أن أذهب وأبحث عن عائلتي وأجدهم".
 
لأجل إيجاد عائلتها نشرت إعلاناً عن مفقودين
رغم أن ماردين فتاح كانت تدرك أن رحلة البحث عن عائلتها ستكون رحلة شاقة وصعبة، إلا أنها بدأت بكل شجاعة مسيرة البحث عن نفسها. في عام 1998، عادت من إيران إلى العراق، ونشرت إعلاناً عن مفقودين في انتظار أن يظهر أحد من عائلتها فيما إذا كان أحد منهم على قيد الحياة. وحول تلك الرحلة الطويلة، تستعيد ماردين القليل مما تتذكره، وتقول "من المؤكد أن رحلة البحث عن عائلتي الحقيقية لم تكن سهلة. في النهاية دخلت العراق، وجئت إلى حلبجة. في تلك الفترة لم تكن هناك وسائل إعلام متاحة كما الآن، ولم تكن هناك وسائل كثيرة للإعلان. وبحسب الإمكانيات المتاحة في تلك الفترة نشرت إعلاناً عن بنات حلبجة المفقودات. وبالنتيجة عثرت على ما تبقى من أفراد عائلتي ولا زلت أعيش في مدينة حلبجة".
 
على الضريح الذي يحمل اسمها تروي قصتها
على الضريح الذي خصص لها في مدينة حلبجة، ودون اسمها عليه، تروي ماردين فتاح قصتها، جلست على الضريح وبدأت بالحديث "الشخص الراقد في هذا القبر هو أنا، ولكن في الحقيقة أنا على قيد الحياة". وحول حقيقة أن هناك قبر يحمل اسمها تقول "هذا القبر الذي أجلس الآن على حافته، هو قبري. الحكومة العراقية أصدرت قانوناً قررت بموجبه إعلان وفاة كل شخص فقد أثناء مجزرة حلبجة ولم تظهر معلومات عنه، وتم تخصيص مقبرة لهم داخل مقبرة حلبجة. وأنا واحدة من أهالي حلبجة المتوفين في السجلات الرسمية وعلى قيد الحياة في الواقع".
 
أسست جمعية من أجل البحث عن الأطفال المفقودين
بعد أن عثرت ماردين محمد فتاح على عائلتها وأهلها الحقيقيين، واصلت حياتها من جديد. ورغم سعادتها بالعثور على اسمها وهويتها الحقيقية، إلا أنها تعاني أيضاً من واقع أنها بهويتين مختلفتين وتعيش بين وطنين مختلفين. وهي حالياً نذرت حياتها لباقي الأطفال المفقودين، وأسست جمعية خاصة للعثور عليهم. ماردين حالياً هي رئيسة الجمعية، تقول في ذلك "بعد عودتي إلى وطني، أكملت دراستي وأسست جمعية لأجل البحث عن الأطفال المفقودين مثلي. وأنا الآن رئيسة تلك الجمعية، وأساعد العوائل في البحث عن باقي الأطفال المفقودين. لم نسمي الجمعية باسم جمعية العثور على أطفال حلبجة، لأن هناك العديد من الأطفال ممن فقد أثرهم لأسباب مختلفة. جميع الأهالي الذي يعملون معي، سواء من إقليم كردستان أو من باقي مناطق العراق، هم من الأشخاص الذين فقدوا أقرباء لهم".