مشاركات في الملتقى الحواري تؤكدن: خطاب الكراهية يقوّض أسس السلم الأهلي
أكدت مشاركات في ملتقى حواري حول خطاب الكراهية الذي ساد في أرجاء سوريا مؤخراً بعد سيطرة جهاديي هيئة تحرير الشام على السلطة؛ على ضرورة العمل على مكافحة خطاب الكراهية على أرض الواقع، وألا يقتصر على الإدانات الشفوية.

الحسكة ـ سعى الملتقى الحواري الجامع لجميع النساء من مختلف المكونات إلى إبراز مدى تكاتفهن وقوتهن للوصول إلى السلام والعيش المشترك، كسوريين بعيداً عن العنصرية والكراهية ورفضها.
نظم اتحاد المرأة الإيزيدية ومجلس المرأة في حزب سوريا المستقبل، اليوم الاثنين 23 حزيران/يونيو، ملتقى حواري تحت شعار "خطاب الكراهية وتأثيره على المجتمع"، بمشاركة تنظيمات نسائية وممثلات عن الأحزاب السياسية والإدارة الذاتية.
ستدير نائبة الناطقة باسم مجلس المرأة العام لحزب سوريا المستقبل زوزان شمو، المحور الأول ألا وهو خطاب الكراهية وتأثيره على المجتمع، بينما ستدير عضوة اتحاد المرأة الإيزيدية في روج آفا سعاد حسو، المحور الثاني حيث ستسلط الضوء خلاله على دور المرأة في الإدارة الذاتية ومقاومتها ضد خطاب كراهية.
وأكدت زوزان شمو خلال إدارة المحور الأول على أن خطاب الكراهية يشكل اليوم أحد أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات المتعددة القومية والدينية، لاسيما في ظل ما يشهده العالم من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية تعمق الانقسامات وتغذي النزعات الطائفية، لافتةً إلى أن سوريا كدولة غنية بتنوعها العرقي والثقافي والديني، ليست بمعزل عن هذا التحدي بل تقف في قلب معركة حقيقية تهدف إلى الدفاع عن التعايش والعدالة والكرامة الإنسانية.
وأوضحت أن المجتمع السوري عرف عبر القرون شكلاً من أشكال التعايش المتجذر بين مختلف مكوناته من عرب وكرد وسريان وآشوريين وأرمن وتركمان، ومن المسلمين بمذاهبهن والمسيحيين بطوائفهن والإيزيديين وغيرهم من الجماعات الدينية الثقافية، مشيرةً إلى أن هذا التعدد يشكل عنصر غني حيث كان الناس يتشاركون الفضاء العام والعلاقات الاجتماعية والمناسبات الدينية والعمل المشترك دون أن تفرض الهويات الخاصة أي تهديد على الوحدة المجتمعية "هذا النسيج المترابط لم يكن بمنأى عن محاولات التفتيت والإقصاء خاصة في فترات الحكم المركزي السلطوي".
ولفتت إلى أنه قد مورست خلال عقود من حكم البعث سياسات ممنهجة من التمييز والإقصاء تجاه مكونات بعينها، تمثلت في نزع الاعتراف بالهوية الثقافية واللغوية لبعض الشعوب، كسياسات التعريب الممنهجة وتلك المعروفة بالحزام العربي في المناطق الكردية، أو حرمان السريانيين والآشوريين من تعليم لغاتهم الأم، وفرض هوية قومية أحادية تحت شعار "الأمة العربية الواحدة"، مشيرةً إلى أن التهميش قد طال النساء والطبقات العامة والمناطق الطرفية ما خلق خللاً عميقاً في بنية الدولة والمجتمع، وإنكار التنوع وفرض هوية قومية على حساب بقية المكونات.
خطاب الكراهية في سوريا... بين الهيمنة والمقاومة النسوية
وأشارت زوزان شمو إلى أنه في السياق السوري، لم يكن خطاب الكراهية مجرّد حالة عابرة، بل تحوّل إلى أداة ممنهجة لترسيخ الهيمنة، استخدمت عبر الإعلام، والخطاب السياسي، والمؤسسات التعليمية والدينية، وحتى في بعض البنى الثقافية التي أسّست لصور نمطية تُجرّم "الآخر" وتقصيه.
وأضافت "مع انطلاقة الحراك الثوري في عام 2011، ثم بروز تجربة الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا، انفتحت آفاق جديدة في مقاومة هذا الواقع. فقد طُرحت أسس مشروع سياسي واجتماعي قائم على التعدد، والديمقراطية القاعدية، والاعتراف المتبادل. هذا المشروع، المرتكز على فكر "الأمة الديمقراطية"، لم يحتكر مفهوم الوطن في قومية واحدة، بل رأى في التنوع مصدر قوة واستقرار".
ولفتت إلى أن هذه الرؤية تمخضت عن مؤسسات مدنية وخدمية شاملة لكافة المكونات، بمشاركة فاعلة للنساء والشباب، مع إدراج اللغات الأم في التعليم، ورد الاعتبار للثقافات المهمشة، واعتماد "أخوّة الشعوب" قاعدة للعيش المشترك. ورغم التحديات، أثبتت هذه التجربة قدرتها على بناء مجتمع مقاوم لخطاب الكراهية، ومتجذر في قيم العدالة والمواطنة.
وشددت على أن خطاب الكراهية لا يقتصر على الشتائم أو إظهار العداء، بل يتجلّى في أشكال التحريض، ونزع الإنسانية، ووصم المختلف بالخيانة أو الانفصال، مما يفتح الباب أمام التهميش والعنف والتهجير، وقد يصل إلى الإبادة الجماعية. وإذا لم تتم مواجهته بجبهة جماعية، فسينهار النسيج الاجتماعي من الداخل، وهنا تبرز المرأة ليس فقط كضحية أولى لهذا التهميش، بل كفاعلة ومبادِرة. ففي شمال وشرق سوريا كانت في طليعة المقاومة ضد العنف والتطرف، حيث أسست تنظيمات نسوية، وقادت مؤسسات عامة، وشاركت في اتخاذ القرار السياسي. وقد برهنت هذه التجربة أن السلام العادل لا يمكن أن يتحقق دون نساء فاعلات في الميدان السياسي والاجتماعي.
وأوضحت أنه من هذا المنطلق، فإن مسؤولية مواجهة خطاب الكراهية تبدأ من الأسرة، وتُبنى في المدارس، وتُعزّز في الإعلام، وتُكرّس عبر التشريعات. ولا يمكن الفصل بين النضال السياسي والثقافي والاجتماعي في هذه المعركة. كما يشكل دعم الحركات النسوية، وتعزيز تمثيل النساء في مواقع القرار، ركيزة جوهرية في بناء مجتمع عادل ومسالم "نحن، كمواطنات وناشطات وفاعلين مجتمعيين، مطالبون أكثر من أي وقت مضى بمواجهة العنصرية والتمييز والتعصب، وبالوقوف في وجه كل من يسعى لزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد. فلنعمل معاً لأجل سوريا ديمقراطية تعددية، تحفظ الحقوق، وتؤمن بالعدالة الاجتماعية والمساواة الجندرية، وتقطع الطريق أمام الهيمنة، سواء كانت قومية، دينية أو ذكورية".
من رماد الإبادة إلى شعلة الحرية
وسلط المحور الثاني الذي أدارته عضوة اتحاد المرأة الإيزيدية في روج آفا سعاد حسو، الضوء على أنه منذ فجر الإنسانية، لم تكن المرأة هامشاً في الحكاية، بل كان قلبها نابضاً، فهي من نظّمت الحياة، وابتكرت الحلول، وزرعت الأرض، ودجّنت الحيوان، وابتدعت اللغة والثقافة. كانت رمزاً للسلام، قادرة على فضّ النزاعات بصمتها ووشاحها. في كل مجتمعٍ نهض، كانت امرأة تقف خلفه.
ولفتت إلى أنه مع توالي العصور، لم يكن التاريخ دوماً منصفاً، فخلال فترات الاستعمار والهيمنة، ومنها المرحلة العثمانية، رُوِّج لخطاب إقصائي شيطَنَ المكونات الدينية والعرقية، ممهّداً لجرائم إبادة وتفكيك وجود شعوب بكاملها، خطاب يرفض الاعتراف بالاختلاف، ويُبرّر القتل، والخطف، والسبي، تجسّدت ذروته المأساوية مع ظهور تنظيم داعش، الذي مارَس الإبادة تحت أعين عالم يتغنّى بالقرن الحادي والعشرين.
وأشارت إلى أن تلك المرأة التي حملت الألم، لم تبقَ ضحية. في عام 2012، مع انطلاق ثورة روج آفا، نهضت النساء وأعدن تعريف دورهن في التاريخ، من رحم المعاناة، أُطلقت وحدات حماية المرأة، حيث التحقت نساء من كل الشعوب، لا كحاملات سلاح فقط، بل كمدافعات عن الحياة، عن الكرامة، عن التنوع "لم يكن هذا الكفاح عسكريا فقط، بل فكرياً وتنظيمياً واجتماعياً".
وأكدت أن النساء أسسن المجالس، أطلقن نظام الرئاسة المشتركة، وأنشأن الأكاديميات الفكرية لتعدن كتابة التاريخ من منظور نسوي عبر جنولوجي "علم المرأة"، حملن شعار "Jin, Jiyan, Azadî"، ليصبح نداءً جامعاً لكرديات، وعربيات، وسريانيات، وأيزيديات، وأرمنيات، وتركمانيات، هكذا، تحوّل النضال النسوي من فعل دفاع إلى مشروع بناء شامل "اليوم، ونحن نواجه تجدداً لخطابات الكراهية والاستقطاب، تقف المرأة الإيزيدية، التي عرفت الذبح والنفي، لتقول: نحن هنا نكافح خطاب الإقصاء لا بالانتقام، بل ببناء السلام".
وقالت في ختام المحور "من اتحاد المرأة الإيزيدية في روج آفا، نؤمن أن محاربة خطاب الكراهية لا تعني فقط فضحه، بل محاسبة من روّج له، وتحصين الأجيال بثقافة الحوار، وتأكيد أن الديمقراطية لا تُبنى إلا بالعدالة الجندرية، وأن السلام لا يُكتب إلا باحترام الكرامة الإنسانية للجميع".
ودعت مخرجات الملتقى الحواري إلى دعم الخطاب النسائي في وسائل الإعلام للسلام والديمقراطية وتسليط الضوء على مخاطر خطاب الكراهية بين المكونات.
إلى جانب تنظيم ورش عمل لتأهيل نساء قياديات في بناء السلام، وتضمين التعددية في المناهج التعليمية بالإضافة إلى إطلاق مبادرات حوارية بين المكونات وتنظيم جلسات تجمع كل المكونات بهدف بناء الثقة.
كذلك توعية الفئة الشابة للقيام بحملات تهدف إلى تعزيز قيم السلام والتسامح، ورصد وتوثيق مظاهر خطاب الكراهية لاتخاذ مواقف واضحة، وإطلاق مبادرات توعوية وتربوية تهدف إلى نشر ثقافة السلام.
وشددت المخرجات على ضرورة التأكيد على حيادية المؤسسات الدينية في المنطقة لتبني خطاب موحد لا يفرق، لنشر وسائل موحدة ضد الكراهية والعنصرية.