معرض بيروت العربي للكتاب... منصة ثقافية تجمع بين الأدب والفكر والإبداع
تميز معرض بيروت العربي لكتاب بنسخته 66 بإقبال كبير خاصة من النساء اللواتي كان لهن دوراً بارزاً في حضور الفعاليات أو توقيع الإصدارات أو البحث عن كتب تتناول قضاياهن وتاريخهن الثقافي والذي عكس التزايد الملحوظ في الاهتمام بالقراءة والوعي الثقافي.

سوزان أبو سعيد
بيروت ـ يعد معرض بيروت العربي للكتاب من أهم الفعاليات الثقافية التي تجمع بين الأدب والفكر والإبداع في المنطقة، وضم العديد من الفعاليات والندوات الثقافية والحوارات الأدبية وقراءات شعرية، بحضور نخبة من الكتاب والمثقفين.
انطلق معرض بيروت العربي للكتاب 66 يوم 15 أيار/مايو، ويستمر حتى 25 منه، نظمه النادي الثقافي العربي بمشاركة 134 دار نشر لبنانية ونحو 8 دور عربية، ويشمل المعرض نشاطات متنوعة من أكثر من 66 ندوة ثقافية ولقاءات حوارية وقراءات شعرية بمشاركة أدباء ومثقفين من لبنان وخارجه، فضلاً عن معارض أطفال متنوعة تشمل الروبوتات والنشاطات التفاعلية، وهناك مساحة للسينما أيضاً في المعرض، وقد تميز بإقبال كبير لا سيما من النساء سواءً بالحضور أو بالتوقيعات لكتب في كافة المجالات.
وعلى الرغم من التغطية يوم الانتخابات البلدية في العاصمة اللبنانية بيروت، توجه الأهالي إلى معرض بيروت العربي للكتاب والذي يعتبر عميد معارض الكتب، حيث انطلقت النسخة الأولى من المعرض في عام 1956، وقد تأجل عرضه مرات عدة أولها من تاريخه الذي يقام سنوياً بسبب الأحداث، ثم عاد وتأجل مرات عدة بسبب تزامن التاريخ مع الأعياد ليتم تحديده في أيار وقبل العطل المدرسية.
"المرأة قادرة أن تصل إلى تحقيق ما تصبو إليه"
وقالت ريم خوري وهي طالبة تسويق في جامعة القديس يوسف "للمرة الثالثة أكون في جناح الجامعة، وأدعو كل امرأة لزيارة هذا المعرض، نظراً لما يتضمن من إصدارات نسائية، ما يؤكد أن المرأة قادرة أن تصل إلى تحقيق ما تصبو إليه، وكلما قرأت المزيد من الكتب كلما زادت ثقافتها وقوتها، وكان في مقدورها الوصول إلى مراكز أعلى في الحياة"، لافتةً إلى أنها لاحظت حضوراً واسعاً للمرأة في المعرض، والذي يزداد كل عام "لمسنا ذلك من خلال توافد النساء وسؤالهن عن كتب وإصدارات جديدة، وهذا يعني أن المرأة تتابع التطورات في كافة المجالات، حيث أن الكثيرات منهن سألن عن إمكانية نشر إصداراتهن ومؤلفاتهن، وهذا يظهر أن المرأة حاضرة في هذا المعرض، وتتطلع دائماً إلى ثقيف نفسها".
من جهتها، قالت دينا حامد وهي معالجة نفسية ورئيسة جمعية Teach للصحة النفسية "نحن في جمعية Teach للصحة النفسية" Therapeutic Educational Association for Cognitive Health، نعمل على موضوع الصحة النفسية في لبنان، ولدينا أقساماً عدة منها قسم مركز التشخيص النفسي والمعرفي والذهني والعلاجات المختلفة، وهناك مدرسة للأطفال الذين لديهم صعوبات تعليمية، وهناك مركز طبي للاختصاصات والعيادات الطبية، إضافة إلى مركز للتدريب المستمر الذي يعني بتدريب الكوادر العلاجية والإدارات والمعلمين، وأيضا لدينا قسم التمكين، تمكين المرأة، والأمهات اللواتي لديهن أطفال".
وأوضحت أنهم يشاركون كل عام في معرض الكتاب، وهذه مساحة مهمة لأن هناك أشخاصاً يبحثون عن كثير من التفاصيل "كما تشاهدون لدينا مواد علاجية نعمل على تأمينها للمعالجين نختارها طبقاً للاحتياجات، وبالإضافة إلى ذلك نقوم بأنشطة مختلفة، وهذه العام سنستضيف عدة ندوات تعنى بالصحة النفسية، وهناك تواقيع كتب في الصحة النفسية، ولدينا مسرحية للأطفال عن موضوع الخوف والقلق والمرونة النفسية، فضلاً عن أنشطة أخرى، وكما في كل عام نحن متواجدون لنشر الوعي حول موضوع الصحة النفسية وأيضا حول العلاجات".
ولفتت إلى أن هناك حيز كبير للمرأة في الجمعية وهناك احتضان لها "نلاحظ أنه عام بعد آخر، هناك انفتاح أكثر على موضوع العلاجات النفسية وعلى موضوع الخدمات الرديفة المرافقة من قبل النساء اللواتي تثبتن أنهن أكثر وعياً وإدراكاً لاحتياجاتهن، وأيضاً لنقاط القوة لديهن وتسعين لتقويتها، ونحن في العلاج السلوكي نقيم صف مهارات لتنمية مهارات عديدة، مثل مهارات تحمل الأزمة وكيفية التعامل مع المشاعر وغيرها، ونحاول السعي لتأمين هذه المهارات لأكبر عدد ممكن، خصوصاً كما حصل فترة الحرب والأزمة التي مرت ونحن ما نزال في خضمها، وكان هناك تدخل من الجمعية على الأرض، حاولنا تقديم المساعدة بقدر ما نستطيع للنساء خاصة، اللواتي كن في أماكن النزوح ومع الأطفال اللذين واجهوا الكثير من الضغوطات".
"إقبال كبير على المعرض"
ومن جهتها قالت لانا حلبي (وهي شريكة مؤسسة في مكتبة الحلبي) "لدينا العديد من النشاطات وكل شهر نختار كتاباً ونقرأه، وفي نهاية الشهر نقيم اللقاءات والنقاشات، حيث أننا نختار كتاباً كل أول شهر ونتحدث عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونضع رابطاً للقاء وبعد ثلاثة أو أربعة أسابيع، نلتقي في المكتبة ويكون هناك أيضاً لقاء أون لاين لغير القادرين على الحضور من خارج بيروت أو من خارج لبنان".
ولفتت إلى أنه "بعد مرور ثلاثة أيام على افتتاح المعرض لاحظنا أن هناك إقبال تفاؤل، حيث تنتظره دور النشر والمكتبات والقراء، كما لاحظنا أن نسبة النساء أكثر من الرجال بأكثر من 70% ممن زارنا أو يتابعنا أو يتواصل معنا عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ويطلبون منا الكتب كالروايات أو كتب تطوير الذات، والانجليزي والفرنسي والعربي، إضافة إلى كتب الأطفال، كما أننا نوزع الكتب على دور نشر عربية ولبنانية وأجنبية".
وأكدت أن "الهدف من الأنشطة التشجيع على ثقافة القراءة أولاً، والتشجيع على القراءة باللغة العربية ثانياً خصوصاً عندما ننظم نشاطات للأطفال لا سيما وأن الأهل يجدون صعوبة في جعل أطفالهم يحبون اللغة العربية، ونلاحظ أن المدارس لم تعتمدها كلغة أساسية، حتى في الحضانات يتحدثون بالفرنسية أو الانجليزية، ولا مشكلة إن كانت هناك لغة ثانية يكتسبها الأطفال، ولكن هناك ابتعاد عن اللغة العربية، ونحن في المكتبة نحارب هذا التحول اللغوي الذي يبعد الأهل أو العائلات عن اللغة العربية، وهذا ما نقوم به من خلال قراءة قصص الأطفال، من خلال الحكواتي التاريخ الشفوي، وفي نادي القراءة نختار من الأدب الكلاسيكي أو أدب مترجم".
وأوضحت أنه من الكتب الأكثر مبيعاً كان كتاب "ميثاق النساء" للكاتبة اللبنانية حنين الصايغ، والذي كان مرشحاً على جائزة بوكر ـ اللائحة القصيرة، وكتاب سوسن جميل من مصر "وارثة المفاتيح"، وأيضاً كتاب "أنا التي لم أعرف الرجال" للكاتبة البلجيكية جاكلين هاربمان وهو كتاب مترجم يضيء على معاناة نساء وأطفال.
"الإصدارات العربية الورقية لا تزال تحتفظ بمكانتها"
وقالت الدكتورة هويدا قمورية في مجال علم الاتصال والمعلومات "زرت كل أجنحة دور النشر وبحكم وظيفتي، وبصفتي مديرة مجموعات مكتبات الجامعة اللبنانية الاميركية، للاطلاع على الإصدارات الجديدة للكتاب العربي الورقي المنشور في لبنان، سآخذ كتالوغات لموظفي فريق العمل لانتقاء الكتب التي نحن بحاجة لها لتزويد وإغناء مجموعتنا باللغة العربية" مشيرةً إلى أن هناك اتجاه للكتاب الرقمي، ولكن لا يمكن إنكار أهمية الكتاب الورقي ولا سيما باللغة العربية، فهناك الكثير من الإصدارات ليس لها رديف بالكتاب الإلكتروني، لذا لا بد من اقتناء الكتاب الورقي".
وأشارت إلى أن هناك إقبال كبير في المعرض على الرغم من أنه يصادف يوم الانتخابات البلدية في بيروت وهو ما يدل على أن الأهالي متعلقون بالكتاب والقراءة، وهذا الأمر مهم ويبشر بأمور جيدة للمستقبل".
كتاب يتناول قضايا النساء
بدورها قالت الدكتورة ليليان قربان صاحبة كتاب (المرأة العربية في النهضة العربية المعاصرة: رائدات من لبنان والمشرق للمرأة العربية) يتناول الكتاب المرأة في القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين، محوره العام مؤتمر النساء العام في عام 1928 الذي كان يعبر عن الخريطة النسوية للحركة النسائية الأولى في عام 1928، وهناك فصل يتعلق بنشأة الصحافة النسوية، فكما نعرف النهضة النسوية هي مزيج من الصحافة وصالونات أدبية ومن مؤتمرات حضرت وشاركت بها النساء ضمن إطار الحركة النسوية، وهناك فصل مخصص للقضايا النسوية بالصحافة العربية التي بحثت في ذلك الوقت عند انعقاد هذا المؤتمر، وأهم ما رصدته هو تناول 270 صحيفة تناولت هذه القضايا ورصد للتحولات النسوية التي عاشتها المرأة في ذلك الوقت، وقبل أن أتكلم عن 70 رائدة في ذلك الوقت في الصحافة والأدب والعلوم، وبعد 150 عاماً من النضال، علينا أن نتذكر هؤلاء النساء اللاتي عملن بظروف صعبة للغاية، فقد واجهت المرأة صعوبات عدة لجهة التعليم أو العمل، وهذا الكتاب تحية وفاء لهم، والرسالة هو إهداء لكل امرأة عربية اعتمدت الفكر كطريق للحرية، فعلى المرأة أن تركز على عقلها أكثر".
وعن التحديات التي واجهتها أوضحت أنه "مثل كل عمل بحثي، فالصعوبات والتحديات تكمن بالحصول على المعلومات، ولذا استغرق حوالي 5 سنوات لأجمع المعلومات، وفي العنوان رائدات لأني قد أكون نسيت أو لم أستطع الحصول على معلومات حول نساء كثيرات".
وبدورها أوضحت الدكتورة باسمة عيسى وهي باحثة في مجال الإعلام والتواصل إنها قدمت في المعرض كتابين أولها كتاب الحياة الرقمية في مجلس النواب اللبناني من عام 2022-1992، وهو أرشفة للحياة الرقمية لمجلس النواب، والكتاب الثاني هو الحرب الإعلامية بين حزب الله وإسرائيل ويركز على خطابات حرب تموز خلال فترة الحرب، فعلياً هي كتب علمية وأبحاث لنيل درجة الماجستير والآخر لدرجة الدكتورة، وكلاهما قائمان على البحث العلمي وإحصاءات أكاديمية بعيدة كل البعد عن أي ميول سياسية أو أهواء شخصية".
علاقة النساء بالثقافة والنثر والرواية
ولفتت إلى أن النساء لديهن ميول للكتب التي لها علاقة بالثقافة من شعر ونثر وروايات وأشياء من هذا القبيل، "حتى إن قمنا بجولة في المعرض، فالكثير من النساء تتجمعن في تواقيع كتب تحت هذا الإطار، فالإطار الأكاديمي نسبي، وليس ضمن إطار المجالات التي تكتب بها النساء والرجال، وبالتالي فالإقبال ضعيف نسبياً لحجم هذا المعرض، والعدد قليل ومن الجنسين".
وعن منشورها المقبل قالت "الكتاب الثالث الذي أعمل عليه سيكون مرجعاً لطلابنا في الجامعة اللبنانية الدولية أعمل عليه منذ أكثر من عام تحت عنوان "الكتابة للإذاعة والتلفزيون" حيث سيعلم الطلاب كيفية الكتابة للإذاعة والتلفزيون، وسندخل بتفاصيل الاختلاف في الكتابة للوسيلتين، وسيكون كتاباً علمياً بحتاً".
وعن التحديات التي واجهتها أضافت أن "هناك الكثير من الصعوبات أهمها ضعف وقلة المصادر العلمية، فكما هو معلوم فالبحث الأكاديمي والعلمي يتطلب أن يكون مستنداً إلى كتب ومراجع ومصادر علمية حديثة، فمثلاً كتاب الحياة الرقمية، فلا يوجد في لبنان أي كتاب في هذا المجال، وبالتالي أخذ مني جهداً كبيراً، وفترة تزيد عن ثلاث سنوات وأنا أعمل عليه، من مقابلات ولقاءات ورجوع لجهات تؤسس للحياة الرقمية في مجلس النواب، استمتعت بخوض غمار هذه التجربة، فالكثير من الدراسات أصبحت تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي ومصادر ومراجع إلكترونية، ولكن في المجال الأكاديمي لا يمكن اعتمادها، بل يجب أن يكون كتابا مع فهرس وكل التفاصيل الأكاديمية".
"لا يمكن للكتاب الرقمي أن يحل مكان الكتاب الورقي"
وأجابت الإعلامية نوال لبشع عبود، وهي مدربة على الإلقاء والأداء واللغة العربية حول قضية أن الكتاب الرقمي حل مكان الكتاب الورقي "لا يمكن للكتاب الرقمي أن يحل مكان الكتاب الورقي، قد يخف من وهجه، ولكن الناس تعود للكتاب وتتصفح أوراقه، وهناك أمور نشعر بها، ولا يشعر بها إلا المدمن على القراءة من خلال الكتب، في البداية أعتقد الكثيرون أن انتشار التلفاز سيوقف الإذاعات، ولوجود المواقع الإلكترونية والإنترنت سيتأثر التلفزيون، ولكن بالمقابل نجد أن كل من هذه الوسائل الإعلامية لها مكانتها ودورها، ومن خلال جولتي على المعرض، أتوقع أن يزيد الإقبال مع اقفال أقلام الاقتراع اليوم، وهناك الكثيرون الذين يبحثون عن الكتب الجديدة في السوق، فلا شيء يمكن أن نستغني عنه على الرغم من وجود الذكاء الاصطناعي والمسهلات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي".
وقالت "أنا موجودة اليوم في المعرض مع ليليان قربان عقل والتي سلطت الضوء من خلال كتابها على المرأة في عصر النهضة والأدوار المهمة للنساء"، مؤكدةً أن هناك إجحاف كبير بحقهن "كنساء علينا تشجيع المرأة ودعمها على أن تبرز أكثر، وخصوصاً في لبنان".