مقتل طالبة جامعية ودعوات لحماية الفتيات من العنف

قتلت نيرة أشرف البالغة من العمر 20 عاماً أمام جامعتها على مرأى ومسمع الكثيرين من قبل زميلها محمد عادل البالغ من العمر 21 عام، لمجرد أنها قررت عدم الارتباط به وفق التحريات الأولية في تلك القضية.

أسماء فتحي 

القاهرة ـ نيرة أشرف كغيرها من الفتيات كانت تعيش في مجتمع متبعثر به الكثير من الأزمات وكذلك الانجازات، تبني على أعتابه ذلك الطموح الذي تسعى لتحقيقه، قصتها لا تختلف كثيراً عمن في عمرها ولكن نهايتها المروعة جعلتها صرخة في وجه هذا المجتمع الآثم الذي رسخ في وجدان ذكوره انتزاع ما يرغبونه بغض النظر عن وجود إرادة مختلفة.

انتهت حياة نيرة أشرف أمس الاثنين 20 حزيران/يونيو، في واقعة تكشف حجم ما وصلت إليه أوضاع النساء من استباحة في مجتمع قد يقرر أحد ذكوره في لحظة إنهاء حياة وأحلام وطموحات فتاة لمجرد رفضها له، لتتكشف بوضوح معاناة النساء ممن تتعرضن للاستباحة التامة في الطرقات بلا أدنى تفكير، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فرغم قساوة هذا المشهد إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي فضحت قاع هذا المجتمع الذي راح يتحدث عن ملابس الفتاة وأحقية القاتل في فعلته.

جريمة قتل الطالبة الجامعية نيرة أشرف فضحت بوضوح أفكار ذلك المجتمع الذكوري تجاه المرأة وكيف له أن يجد مبررات لقتلها وأفكار تتعارض معه، فالبعض راح يلبسها ثياب لا تمت لها بصلة بغرض "السترة"، وآخرون من الر جال راحوا يتحدثون عن استباحة اغتصابها بل ويرون أنها تستحق ذلك لأنها لم تترك فرصة للقاتل "المسكين" كما وصفوه ليرتبط بها.

فقتل نيرة أشرف ليست جريمة عابرة أو ظرف استثنائي بل هي صورة كاشفة لأفكار رجال المجتمع فيما تعالت الصرخات من النساء والنسويات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تنم عن خوف أكثر منه تعاطف مع الضحية، فجميعهن آثروا أن يظهروا في صور نرفقها بالتقرير يرون أنهم "الضحية التالية".

 

لماذا وكيف قتلت نيرة أشرف وفق التحريات الأولى وشهود القضية

لم تكشف التحقيقات حتى الآن عن مزيد من التفاصيل التي تختلف عن الرواية الأولى لأحداث تلك الواقعة الأليمة تمثلت في قيام المتهم "محمد عادل" بقتل نيرة أشرف بطلب الزواج من ضحيته وتقدم لخطبتها ولكنها رفضته، وحاول الوصول لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى حظرت حسابه وأغلقت صفحتها الشخصية على أصدقائها المقربين.

وأكد والد الضحية أنهم سبق وحرروا ضد المتهم محضراً بعدم التعرض لها وقدموا بلاغاً في مباحث الانترنت لأنه يطارد ابنتهم، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل أنه أرسل لها العديد من التهديدات حتى يتمكن من لقائها في الفترة الأخيرة بلا جدوى حتى يوم ارتكابه الجريمة أمام باب الجامعة أثناء ذهابها للامتحانات.

ويوم ارتكاب الجريمة بحسب شهود الواقعة، استغل المتهم الفرصة كي يتمكن من ركوب نفس الحافلة مع الضحية وحاول الجلوس جوارها ولكنها رفضت وقرر دفع أجرتها فأبت عليه ذلك أيضاً واشطاط غيظا منها وهددها أمام الجميع بإشارة إلى الرقبة بالذبح، وحينما تحركت في اتجاه الجامعة لحق بها وسدد لها عدد من الطعنات ثم شرع في ذبحها أمام المارة.

 

النيابة تحقق في الواقعة واستمعت لاعترافات المتهم الأولى

عقب تعليمات من النائب العام حمادة الصاوي، بمباشرة التحقيقات في واقعة قتل الطالبة نيرة أشرف على وجه السرعة انتقلت النيابة لمناظرة جثمان المجني عليها وتبين إصابتها بالعنق والصدر ومناطق أخرى بالجسد، كما تم الاستماع لشهادة أفراد الأمن والذين أكدوا على فعلة المتهم والقبض عليه وتسليمه للشرطة وبحوزته أداة الجريمة.

أما عن المتهم بقتل زميلته نيرة أشرف فقد وصل للنيابة مساء أمس وسط حراسة مشددة مصاباً بإعياء شديد نتيجة ضرب شهود الواقعة له لإبعاده عن ضحيته، ومحاولته طعن نفسه بذات السكين التي قتل بها زميلته، مؤكداً أنه رغب في إنهاء حياته عقب جريمته فلم يعرف لها طعماً منذ عام ونصف حينما أغلقت عليه ضحيته سبل التواصل معها.

ووفق اعترافات المتهم فقد رغب في التخلص منها ومن حياته فحاز سكيناً من بيته وانتظرها في مدينة المحلة الكبرى حيث يسكنا وانتظر نزولها أمام الجامعة لينهال عليها ضرباً.

واستمعت النيابة لأقوال 40 شاهد على الواقعة من بينهم أمن الجامعة الذي تمكن من الإمساك بالمتهم وإبعاده عن الفتاة وتسليمه للشرطة وبحوزته أداة الجريمة.

 

أنا الضحية القادمة... صرخات نسائية بين الخوف والتعاطف

أثارت واقعة قتل نيرة أشرف، أمام الجامعة على مرأى ومسمع الكثيرين خوف وذعر الكثير من النساء على مستقبلهن وأرواحهن يعلن عما قد تتعرض له المرأة في حال رغبت بقرار مختلف عن الرجال حولهن، وبدأت الحملات المطالبة بحق الضحية رافعين شعار "أنا الضحية القادمة".

وقالت مؤسسة مبادرة سوبروومن آية منير عبر منشور لها على صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "الضحية القادمة للقتل ليس من الضروري أن يتم ذبحها في الشارع من قبل أحد يطاردها وليس لها صلة به، الضحية القادمة من ممكن أن تقتل في جريمة "شرف" لأن القانون يحمي المجرم، ومن الممكن أن تفقد حياتها بسبب الضرب في جريمة عنف أسري لأننا لا نملك تعريف واضح للعنف الأسري، ويتم التواطؤ مع الأهالي والتخلي عن الضحايا بذريعة أنهم بهذه الطريقة يربون الفتاة، كما يمكن أن تفقد المرأة حياتها على يد زوجها لأن هناك فتاوى تحلل ضرب الزوجة، ولكي لا أكون الضحية القادمة أنا امرأة مصرية أطالب بقانون موحد للعنف وقانون يحميني أنا لا يحمي الجاني".

واعتبرت مؤسسة مبادرة "سند للدعم القانوني للنساء"، نسمة الخطيب أن واقع المرأة المصرية بات مأساوي فقد تنتهك في أي لحظة بلا رادع حقيقي أو جرم اقترفته من الأساس ونشرت عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "منذ خمسة أيام لم استطع النوم بشكل جيد بسبب قضية سارة خالد، منذ خمسة أيام واسمع صوتها وهي تشكو من الذي يحصل لها، دخلت التحقيق لمدة خمس ساعات سمع خلالها تفاصيل تؤلم لفتاة كانت تعاني قبل موتها، خرجت من التحقيق ووجدت فيديو نيرة أشرف وهي تذبح على مرأى ومسمع الجميع وكأنه شيء عادي، دماء الفتيات تهدر، هنا على هذه البقعة ندفع الثمن من أجسادنا وعمرنا كنساء وفتيات".

وتصدر هاشتاج "عاوزين حق نيرة"، و"أنا الضحية القادمة"، و"قانون موحد للعنف"، اهتمام رواد موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وتم سرد الكثير من الشهادات بوقائع عنف ممارس على النساء خلاله، كما تم نشر تفاصيل الواقعة وكل ما يستجد بها من تحقيقات النيابة وأقوال الشهود واعترافات المتهم بقترة نيرة أشرف.

وقامت مؤسسة بنت النيل "تحت التأسيس"، ومبادرات "بره السور، وراديو بنات أوف لاين، وسبيك آب، ووصلة"، بإصدار بيان حمل توقيعاتهم بشأن جريمة القتل جاء به "شهدنا اليوم على مرأى ومسمع العالم واقعة ذبح فتاة المنصورة التي هزت كافة الأرجاء، إذ أنه لم تكن الواقعة الأولى من جرائم قتل النساء، فالصحافة يومياً تضج بجرائم قتل للنساء في غياب أداة رادعة حقيقية، وشهد العام 2021 عدداً كبيراً من الجرائم القتل بلغ عددها 128 جريمة قتل تم رصدها من خلال المنصات الإعلامية المختلفة".

معتبرين أن "جرائم قتل النساء في مصر هي من جرائم العنف المنظمة التي تمارس ضد النساء وداخل مجتمعنا بغرض اخضاعهن والتنكيل بهن وتهميش دورهن والقضاء على هويتهن، ويأتي ذلك في إطار غياب عدالة قانونية حقيقية تمكن النساء من الحماية بشكل كامل يمكنهن من ردع معنفيهن، ويتضافر مع ذلك شريحة واسعة من الإعلام، إذ تستخدم أدوات رخيصة للتلصص على حيوات النساء والجرائم التي ترتكب بحقهن على إنها جرائم مشاهدة وليست جرائم قوامها الأفعال المرتكبة".

وأصدروا عدد من التوصيات في بيانهم تمثلت في "التعامل مع القضية بشكل عادل وسريع وأن تأخذ سبيلها في الإجراءات القانونية العادلة التي تضمن عقوبة الجاني حتى يكون عبرة لغيره، إخضاع المؤسسات الصحفية التي انتهكت الحياة الخاصة للفتاة للمسائلة القانونية وبشكل معلن لإسهامها من خلال خطابها للحض على العنف، وتعميم مراعاة البعد الجندري والصحافة المبنية على النوع الاجتماعي داخل المؤسسات الصحفية ووضع آليات معاقبة واضحة، ومراجعة القوانين الحمائية للنساء والعمل على تعديلها لتمكين النساء والفتيات، ولحماية المسبقة للمبلغات من جرائم التتبع والملاحقة والتهديد، وتعزيز دور المجتمع المدني للعمل على رفع الوعي المجتمعي تجاه قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي".