ملتقى تونسي يناقش تأثير التغيرات المناخية على الفئات الهشة في المجتمع

تحت شعار "صحة واحدة" انطلق المنتدى العالمي للطب البيطري والذي يستمر لمدة ثلاثة أيام لمناقشة تأثير التغيرات المناخية على الصحة الحيوانية والبشرية، والتأكيد على تضرر الفئات الهشة وأولهم المرأة الريفية من تلك التغيرات.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ أكدت المشاركات في الملتقى، أن التغيرات المناخية التي يشهدها العالم تؤثر على صحة الإنسان وحياته من خلال التأثير على محيطه في العديد من المجلات، خاصة على الحيوانات التي يستهلك الإنسان منتوجاتها.

انطلق أمس 26 نيسان/أبريل المنتدى العالمي للطب البيطري والذي سيستمر حتى 28 من الشهر الجاري، تحت شعار "صحة واحدة" ويتناول الملتقى على امتداد ثلاثة أيام موضوع التغيرات المناخية وتأثيرها على الصحة الحيوانية والبشرية مع التأكيد على تضرر الفئات الهشة وأولهم المرأة الريفية.

وأجمع المختصون على أن التغيرات المناخية باتت تهدد صحة الإنسان وحياته من خلال تأثيرها على مجالات عديدة في محيط عيشه ومنها الحيوان، لذلك يؤكد الأطباء البياطرة على ضرورة مكافحة تداعيات التغيرات المناخية على صحة الحيوانات حفاظاً على صحة الإنسان الذي يستهلك منتوجاتها.

وفي هذا الإطار قالت الاستاذة بالمدرسة الوطنية للطب البيطري بسيدي ثابت ورئيسة اللجنة العلمية بالاتحاد العام للأطباء البيطريين التونسيين سناء الخالدي، أن التغيرات المناخية تترك أثر كبير على جودة حياة الإنسان ويمكن أن تهدد حياته، موضحةً أن له تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على المحيط الذي يؤثر على انتاجية ومردودية الحيوانات التي يستغلها الإنسان لتأمين بروتينات ذات أصل حيواني.

وأضافت أن التغيرات المناخية والاحتباس الحراري وندرة الأمطار وشح المياه تتسبب في نقص الأعلاف كمصدر غذاء للحيوانات وفي غيابها تنخفض إنتاجية الحيوانات، مشيرةً إلى أن الاحتباس الحراري وارتفاع درجة الحرارة لهما تأثير مباشر على خصوبة الحيوانات على غرار الأبقار والأغنام والماعز، فتتراجع عملية الإنجاب وإنتاجية الحليب واللحوم وتتأثر جودتها بسبب التشوش الحراري الذي يتسبب بدوره في تغيرات كيمياوية كما تتراجع إنتاجية بيض الدجاج.

وأشارت إلى أن دراسة علمية كشفت أن 82% من التونسيين يشعرون بتأثير مباشر للاحتباس الحراري على جودة حياتهم و54 يعتبرون أن الاحتباس الحراري آثر بصفة مباشرة عليهم كالبحارة الذين يجدون أصناف أسماك مختلفة عن العادة، ويمكن أن تكون قابلة للاستهلاك على غرار السلطعون الأزرق الذي غزا السواحل التونسية وتسبب في قطع الشباك وأثر على تواجد الأسماك في الأسواق.

ونفس السياق أوضحت سناء الخالدي، أن درجة حرارة البحر تؤثر بصفة مباشرة على تفريخ الأسماك وتواجدها وظهور نباتات داخلية لا يمكن للأسماك أن تتغذى منها.

وحول تأثر المرأة باعتبارها من الفئات الأكثر هشاشة قالت "نعلم أن 60% من اليد العاملة الفلاحية في العالم هن من النساء وفي تونس لا نبتعد كثيراً عن هذا التصنيف ونظراً لانتمائها للفئات الهشة والعمل في ظروف صعبة وبأجر أقل نجدها تبذل مجهوداً أكبر على حساب صحتها وعائلتها، فهي تجني الزيتون وتحصل على مقابل أقل بكثير من مجهودها مما يجعلها في وضعية هشاشة رغم أنها تحرص على تسديد اقساط القروض الصغرى التي تحصل عليها بطريقة منتظمة.

ولفتت إلى التفوق العددي لتواجد النساء في الطب البيطري في تونس "منذ عدة سنوات لاحظنا تأنيث الطب البيطري حيث تتراوح نسبة الطالبات الجدد في المدرسة الوطنية للطب البيطري بين 70 ـ 90 والذي سينعكس على تواجد الطبيبات البيطريات على الميدان، معتبرة أن دور الطبيب البيطري ليس مداواة الحيوانات المريضة فقط بل السهر على حسن انتاجية القطيع الوطني مهما كان الصنف الحيواني والمساهمة في مقاومة الجراثيم باستعمال المضادات الحيوية.

وأكدت أن الطبيبة البيطرية سيكون لها دوراً فعالاً في ذلك، كدور توعوي وتسييري والتنبيه بضرورة ترشيد استعمال الأدوية للحيوانات على غرار المضادات الحيوية التي تؤثر على مناعة الحيوان في مقاومة الأمراض وبالتالي التأثير على صحة الإنسان عبر استهلاك منتجاتها، مبينةً أنه في حال ارتفاع درجات الحرارة مع توفر الرطوبة يكثر البعوض ويتسبب في نقل الجراثيم من حيوانات المريضة إلى السليمة ويمكن أن تنتقل العدوى من الحيوان إلى الإنسان أيضاً.

وحول أنواع الأمراض الحيوانية التي تؤثر على الإنسان قالت سناء الخالدي، هناك أمراض قاتلة كداء الكلب وهناك أمراض تسبب خسارة كبيرة للمربي ويكون لها تداعيات كبيرة على اقتصاد البلاد، منها الحمى المالطية التي تنتقل بصفة عامة للفلاح أو الشخص الذي يتعامل مع البقرة المريضة أو الحليب الملوث.

وأشارت إلى وجود أمراض أخرى تنتقل بالحشرات، لأن التغيرات المناخية تدفع إلى الاحتباس الحراري الذي يساهم في ظهور طفيليات تنتقل من الإنسان الى الحيوان، وخلصت إلى أن مرض السل الذي ينتقل من الحيوان إلى الإنسان أيضاً هو مرض خطير وكلفة علاجه كبيرة ومدة الشفاء منه طويلة.

 

 

من جانبها أوضحت نائبة رئيس الاتحاد الوطني للأطباء البياطرة هدى العريف، أن الملتقى عالمي ويلتئم تحت عنوان "صحة واحدة" ويتناول التغيرات المناخية وتأثيرها على صحة الإنسان ودور الطبيب البيطري في ذلك، مشيرةً إلى أن دور الطبيب البيطري يتمثل في مراقبة جودة الأطعمة ومنتوجات المواد الحيوانية المتجهة للاستهلاك الإنساني كمنتوجات الحليب ومشتقاته والتي تأثرت كثيراً العام الماضي، لارتفاع درجات الحرارة التي شهدها الموسم الصيفي الماضي وكان له تأثير عميق على الانتاج الحيواني خاصةً أصناف الأبقار الحلوب التي تحتاج إلى الكثير من الأعلاف، بينما هذه الأخيرة تأثرت بقلة نزول الأمطار وارتفع ثمنها فلم يعد الفلاح خاصة الصغار قادرين على توفيرها.

وأكدت أن الكثير من النساء لهن قرى صغيرة وتربين الابقار وبعض الحيوانات الأخرى في ظروف صعبة ولم تعدن قادرات على توفير الاعلاف، موضحةً أنه عندما تصل درجة الحرارة 25 درجة يتأثر انتاج بعض أنواع الأبقار الحلوب بصفة ملحوظة، فماذا سيحصل عندما يتم تسجيل 50 درجة كما حدث في تونس خلال الصيف الماضي".

وأضافت أنه بين عامي 2013 ـ 2015 تم تسجيل أسماك جديدة هاجرت من المحيطات إلى البحر الأبيض المتوسط بسبب التغيرات المناخية ومنها سمك يقوم بقطع شباك الصيادين وتتسبب بأضرار بالكثير منهم، مؤكدةً على ضرورة العمل على التخفيض من تداعيات التغيرات المناخية التي تؤثر على صحة الحيوان ومن ثم صحة الإنسان.

 

 

بدورها أكدت مديرة الثروة الحيوانية بالاتحاد الافريقي هيام صالح أنه "بدعوة من الاتحاد العام للأطباء البيطريين شاركنا في هذا المؤتمر الذي يلتئم هذا العام تحت شعار "الصحة الواحدة"، لافتةً إلى أن للمرأة دور مهم في هذا المجال لأنها مسؤولة عن تربية عدد من الحيوانات في أفريقيا ونحن في الاتحاد الأفريقي نعمل عبر المنظمات والجهات الحكومية على تقديم خدمات بيطرية وتنمية الانتاج الحيواني، كما نعمل مع الشبكات المختلفة ومن ضمنها شبكة المرأة الافريقية والثروة الحيوانية والسمكية على تنفيذ العديد من البرامج التي تهدف إلى تعزيز قدرات النساء على الصمود في وجه التغيرات المناخية المختلفة عبر توفير الأعلاف الحيوانية وتوفير الرعاية الصحية والارشاد البيطري".

وأضافت "نعمل مع الفئات الشابة على تعزيز التنمية المستدامة في الثروة الحيوانية ونسهر على تنفيذ مشروع تنمية القدرة على الصمود في قطاع الأعلاف الحيوانية في أفريقيا، مشيرةً إلى أن هذا المشروع يستهدف مجموعات نسائية في كل دولة ويهدف إلى تمكين دورهن في القطاع الخاص في تنمية الاعلاف وتجارة الأعلاف وتوفيرها في مناطق الانتاج ويتم تنفيذه عبر شركاء مختلفين من القطاع الخاص والخدمات المالية والبنوك وشركات التامين.

وقالت هيام صالح، أن الهدف الأساسي أن تكون النساء بالدول المستهدفة قادرات على إنتاج مستدام للأعلاف وبالتالي ضمان دخل مناسب يساعد في إزاحة الفقر عنهن، لافتةً إلى أن مكتب الثروة الحيوانية يعمل على تنمية الثروة الحيوانية في ظل التغيرات المناخية والصراع على توفر الاعلاف وتأثير نقص المياه وانتشار الأمراض التي تنتقل من الحيوان إلى الأنسان.

وبينت أن مكتب الثروة الحيوانية يهدف من خلال هذه المشاريع إلى دعم الصحة الواحدة من خلال الوقاية من الأمراض الحيوانية حماية المجتمعات الريفية والمنتجين للثروة الحيوانية، ويهدف الى التنبؤ بحالات الجفاف وإيصال المعلومات إلى المربين، مضيفةً أنه يعملون على حماية الحيوانات من مواسم الجفاف الطويلة وتوفير الأعلاف وبناء النموذج الاقتصادي الذي يحمي المجموعات الريفية ومنها الخاصة بالمرأة التي تتصدر قائمة الذين يعانون من أي خسارة اقتصادية ناتجة عن التغيرات المناخية.

وأكدت أن مكتب الثروة الحيوانية يعمل من خلال مشروع تنمية الأعلاف ومشروع الصحة الواحدة ومشروع مكافحة طاعون المجترات الصغيرة على مكافحة الامراض وتعزيز الصحة الواحدة للمجتمعات الانسانية والبشرية.