"مجدرة حمرا" تسلط الضوء على قضايا النساء ومعاناتهن
بين الضحكة والدمعة، تغوص أنجو ريحان بعمق في قصص ثلاثة نساء، مطلقة، أرملة ومعنفة من خلال مسرحية "مجدرة حمرا".
كارولين بزي
بيروت ـ في عمل من نوع الكوميديا السوداء جسدت الممثلة اللبنانية أنجو ريحان قصص ثلاث نساء، خاضت في تفاصيلها بواقعية وجرأة وعمق، بهدف تسليط الضوء على قضايا النساء ومعاناتها على المسرح الذي يعكس ثقافة الشعوب.
سلطت المسرحية الضوء على قصة "مريم" التائهة في اختيار الحياة التي تريد بعد انفصالها عن زوجها، و "فطم" الأرملة الممنوعة من الزواج مجدداً والتي يجب أن ترضى بنصيبها حتى ولو كانت شابة، و"سعاد" التي رضخت لمصيرها مع رجل تزوج مرتين وارتبط بثالثة إلى جانب تعرضها لشتى أنواع العنف على يديه.
"نسلط الضوء على العنف ولا نطرح حلولاً"
مسرحية "مجدرة حمرا" من كتابة وإخراج يحيى جابر وتمثيل أنجو ريحان، وقالت الممثلة أنجو ريحان لوكالتنا "العنصر الأساسي في المسرحية هي "سعاد" والموضوع الأساسي هو العنف، ولكن تم تقديمها بنوع كوميديا سوداء التي نستطيع من خلالها أن نضحك الجمهور وأن نؤثر به، ونسمي الأشياء بأسمائها، وعندما يرى الجمهور الشخصيات يشعر بأنه يرى أشخاصاً يعرفهم".
وأضافت "نحن لسنا هنا لنطرح حلولاً ولكننا هنا لنسلط الضوء بطريقة سلسة وممتعة. تطلب النص ثمانية أشهر للكتابة، إلى أن وصلنا إلى المسار الدرامي الأساسي والذي بُنيت حوله كل الشخصيات".
وأضافت أنجو ريحان "يعتقد المشاهد في البداية أن القصة هي قصة "مريم"، ثم تدخل "فطم" في المشهد ليعتقد المشاهد أنها قصة "فطم"، ثم تظهر "سعاد" ببساطتها ونكاتها الخفيفة، ليتبين للجمهور أن القصة كلها تدور حول سعاد".
"تواطؤ المجتمع ساهم باستمرار العنف ضد النساء"
تغوص أنجو ريحان بأبعاد شخصية "سعاد" وتواطؤ المجتمع ومسؤوليته حول العنف الممارس ضد النساء. فتتحدث عن مشاركة المجتمع بضرب سعاد من خلال الجمهور، وتقول "ما وصلت إليه سعاد، هو بتواطؤنا نحن كجمهور. ففي المشهد الذي يتم صفع "سعاد" فيه طلبت من الجمهور أن يشارك بضرب سعاد، والهدف هو للقول بأننا نتحمل مسؤولية أن النساء لا زلن تتعرضن للعنف في بلادنا وبأنهن محرومات من إعطاء الجنسية لأولادهن".
في كل مرة كانت تتعرض سعاد للضرب كانت تبرر لزوجها أفعاله، وأوضحت أنجو ريحان "نحاول أن نسلط الضوء في المسرحية على مسؤولية المرأة عن الواقع، من خلال تبرير سعاد للعنف الممارس بحقها من قبل زوجها، وهو ما تقوم به العديد من النساء في مجتمعاتنا وفقاً لما تظهره الإحصاءات، كل القصص الموجودة على المسرح هي نتيجة لقاءات حية مع نساء، وسعاد هي إحدى النساء اللواتي نقلن قصصهن إلى المسرح. هناك دائماً تبرير لعنف الرجل وبأنه لم يتقصد ممارسة العنف، بالتأكيد هذه المسؤولية تتحملها المرأة وأيضاً مسؤوليتنا كمجتمع بأننا لا نغوص في هذا الأمر".
لم يكن حلم سعاد أن تجد فارس الأحلام وتتزوج أو ترتدي فستان الزفاف، بل كانت تحلم بأن تسافر إلى فرنسا لتكمل دراستها هناك، ولا تتوقف حتى تصل إلى القمة. بأسلوب كوميدي مؤلم تروي "سعاد" للجمهور ذلك الحلم الذي حرمها منه أفراد عائلتها، وقاموا بدفعها للزواج بـ "خضر" الذي وعد بأن تكمل زوجته دراستها، إلا أنها لم تعرف منه سوى الإساءة والضرب والإهانة.
ولفتت أنجو ريحان إلى أن "هذه الحالات لا زالت موجودة بكثرة في مجتمعاتنا، وأنه يجب على الفتاة أن تتزوج باكراً، وفكرة الخوف من العار، والعيب والتعتيم على الثقافة الجنسية مثلما فعلت والدة سعاد وهي نموذج حي في مجتمعاتنا، وبالتالي هذه القصص يجب أن نخبر عنها طالما نحن نصعد على المسرح".
وأوضحت "المسرح يعكس ثقافة الشعوب، والقضايا التي يجب أن يُسلط عليها الضوء". شهد العرض المسرحي تفاعلاً كبيراً من الجمهور الذي طالب "سعاد" بمعاقبة "خضر" الزوج المعنف، ووصفت أنجو ريحان "أن التفاعل مع العرض كان من الأجمل"، ومن الملفت بأن العديد من رواد المسرحية حضروا لمشاهدتها أكثر من مرة.
"الأرملة يجب أن ترضى بنصيبها"
لم تتعرض "فطم" للإساءة من زوجها، بل كانت الإساءة من أولادها، الذين رفضوا زواجها بعد وفاة والدهم بعشرة سنوات، تذكر أنجو ريحان ما ورد على لسان فطم في المسرحية بأنه "ليس الرجل وحده من يكسر زوجته بل أحياناً الأولاد"، مضيفة "لأن المرأة تتفانى بتربية أولادها، تنسى نفسها وحريتها وأحلامها وعندما تستيقظ وتفكر بنفسها يقف أولادها بأنانية بوجه سعادتها. إذ ان الفكرة السائدة حول المرأة هي أنها للزواج والانجاب والتنظيف والطبخ، وهذا ما تقبل به العديد من النساء وتكرّسه".
"حلمي أن أقدم قضايا النساء على المسرح"
وعن السبب الذي دفعها لتقديم "مجدرة حمرا"، قالت "أنا خريجة مسرح والمسرح هو شغفي وفكرة أن أصعد إلى المسرح وأتحدث عن قضية بهذه الأهمية هي إحدى أحلامي التي تتحقق".
عُرضت مسرحية "مجدرة حمراء" في العام 2020 وعادت إلى المسرح بداية الشهر الحالي "عدنا إلى تقديم عروض جديدة لأننا توقفنا عن العرض بسبب انتشار وباء كورونا وبعد مرور سنتين استمر الجمهور بالسؤال عن المسرحية لذلك قررنا أن نعود".
"فلنترك أثراً في الدفاع عن قضايا النساء"
شاركت أنجو ريحان في مسلسل "صالون زهرة" بجزأيه الأول والثاني، وجسدت فيه شخصية امرأة معنفة تسكت عن العنف الذي يمارسه زوجها من أجل أولادها، وعن أهمية عرض هذه القضية من خلال عمل كوميدي، تقول "نحن نحتاج لنص ذكي جداً لكي نستطيع أن نضحك الجمهور، لأن التأثير على الجمهور وجعله يبكي أسهل من إضحاكه، عند إضحاك الجمهور أي أننا نستفزه في مكان ما، ما يجعلنا نستطيع إيصال الأفكار التي نريد، وهذا الذكاء موجود في نص المسرحية. فيما يتعلق بـ"صالون زهرة"، حاولنا أن نطرح هذه القضايا مثل العنف ضد المرأة وحرمان الأم من أولادها وهي من القضايا التي أحملها وأناضل من أجلها".
وتسأل "ما هو دورنا في الحياة؟"، لتجيب "نحن هنا لأننا نريد أن نترك أثراً ولاسيما إذا كان بإمكاننا فعل ذلك. وبالتالي أي دور يناقش هذا الموضوع بالتأكيد سأذهب إليه".
وعن أهمية إيصال رسائل تتعلق بالمرأة وقضاياها من خلال الأعمال التلفزيونية التجارية، تقول "ما زال أمامنا طريق طويل لكي نستطيع أن نغوص بعمق في الأعمال التلفزيونية التجارية بالعمق الذي قدمناه على المسرح. الجمهور بشكل عام يريد أعمالاً خفيفة وكوميدية يمرر من خلالها الوقت، لذلك من النادر أن نرى في الأعمال التجارية رسائل مهمة وعميقة. لا يزال هناك خوف من أن إظهار المرأة متحررة أو أن نطرح قضايا عميقة تتعلق بالنساء".
لم تقلق أنجو ريحان من أن "مجدرة حمرا" يروي قصص ثلاث نساء شيعيات من جنوب لبنان، معتبرةً أن هذه الطائفة موجودة ولكن هذه الحالات ليست حكراً على هذه الطائفة وحدها.