مائدة حوارية من أجل قانون أكثر عدالة للأسرة

الحديث عن قوانين الأحوال الشخصية في مصر بات الأكثر زخماً خلال الفترة الأخيرة، حيث صدرت مجموعة من التسريبات الخاصة بنتاج عمل السلطة القضائية من خلال اللجنة المشكلة لوضع قانوناً جديداً للأحوال الشخصية.

أسماء فتحي

القاهرة ـ عقدت مؤسسة قضايا المرأة المصرية مائدة حوارية حول قوانين الأحوال الشخصية وذلك في إطار مشروع قانون أكثر عدالة للأسرة، وللحديث عن الوضع القانوني الحالي والمرتقب خلال الفترة المقبلة.

تعمل مؤسسة قضايا المرأة المصرية منذ عام ٢٠٠٣ على الخروج بمقترح قانون أحوال شخصية أكثر عدالة لجميع أفراد الأسرة، معتبرة أن قانون الأحوال الشخصية هو الأشد صلة بالحياة اليومية للمواطنين والمواطنات والأكثر اقتراباً وتأثيراً في الوحدة الأساسية للمجتمع متمثلة في الأسرة لكونه يحكم شؤون الأسرة والعلاقة بين أطرافها، محدداً حقوق وواجبات أفرادها، كما يضبط أمور الزواج والطلاق ورعاية الأطفال والأمور المالية سواء أثناء العلاقة الزوجية أو الناتجة عن الطلاق، كما إنه من ناحية أخرى يكشف عن وضع المرأة في التراتبية الاجتماعية والتي باتت شديدة الحساسية ومؤشر على مبادئ حقوق الإنسان المتعلقة بها.

 

التغييرات المجتمعية جعلت التوافق على قانون جديد أكثر عدالة حتمي

قالت وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية إلهام عيداروس إن قانون الأحوال الشخصية الحالي مر عليه نحو قرن من الزمان وهناك تغييرات بالجملة في الأوضاع الاجتماعية ومختلف مناحي الحياة تجعل مواده بعيدة عن الواقع وتحتم تغييرها بما يتواكب مع متغيرات العصر وتلبي احتياجاته كما هو الحال في مشروع القانون التي عملت عليه مؤسسة قضايا المرأة المصرية وغيرها من المؤسسات المعنية.

وعن القانون التي تعمل الحكومة على إعداده لفتت إلى أن لجنة وزارة العدل اقتصرت على القضاة، موضحة أن الأسبوعين الماضيين تضمنا عدد من التصريحات المتتابعة للمسؤولين حول مشروع القانون الجديد وأنهم بالفعل انتهوا من إعداد 188 مادة وكذلك التطرق لبعض المضامين والبنود وهو ما أثار الكثير من النقاشات على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وداخل أروقة المعنيين بالأمر والمهتمين.

وأكدت على وجود حديث عن مجموعة من التغييرات المرتقبة ومنها على سبيل المثال الثروة المشتركة وكذلك توثيق الطلاق وصندوق رعاية الأسرة ووثيقة التأمين وإعطاء صلاحيات جديدة للقضاة بالتدخل، فضلاً عن جمع المنازعات في ملف واحد وهو الأمر الذي يستلزم تغييراً في الشق الاجرائي الخاص بمحاكم الأسرة وليس الموضوعي فحسب على حد تقديرها.

 

 

فهم فلسفة المشرع ضرورة تنسحب على مواد القانون

ومن جانبها أكدت رئيس مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية عزة سليمان، أن هناك تساؤل يطرح نفسه في الوقت الحالي حول أسباب التعامل مع القانون وكأنه قضية أمن قومي، موضحةً أن المؤسسة رغم أنها معروفة لكنها لم تستطع الحصول على معلومات حول القانون لأن هناك تكتم شديد على الأمر وهو ما يعيق بالفعل عمل المجتمع المدني.

وأكدت على أن القانون الذي تم الحديث عن إعداده مؤخراً من قبل لجنة وزارة العدل بلا ملامح وما يتم اعلانه حتى الآن حوله غير مطمئن ومن بينها حقوق النساء المالية فلم يتم الحديث عن النساء اللواتي لا تستطعن الزواج بشكل رسمي بعد تطليقهم لأن ذلك يسقط الحضانة عنهم وهنا يجب البحث عن معايير بموجب حدوثها أو ثبوتها يحق للأب نزع الحضانة كبديل عن المنع المطلق على هذا النحو، وكذلك الاستضافة ومراقبتها ومدى تهيئة محاكم الأسرة ومكاتب التسوية لتنفيذ ما ورد من مواد مع مراعاة الأبعاد النفسية للأطفال.

وأوضحت أن هناك بالفعل مكاسب ستنتج عن تنفيذ بعض المواد ولكن تنفيذها يحتاج توفير منظومة كاملة ملائمة لها، مؤكدة على ضرورة الوقوف على فلسفة التشريع ذاتها لما لها من أهمية مستقبلية "فهل المشرع يرى أن النساء والرجال في مركز قانوني واحد، أم أنهن بحاجة لحماية".

ولفتت إلى وجود إشكاليات كبيرة حول فلسفة المشرع منذ عام 1920 لذلك فالحاجة لمعرفة رؤية المشرع ونظرته للمرأة ضرورة تسبق النصوص، وهناك تلميح ظهر أيضاً حول اشتراط إبداء رأي من قبل اللجنة بمدى مناسبة الزوجين لبعضهم أم لا وهو أمر يحتاج لوقفة لأن ذلك سيخلق إشكالية ويحيل المجتمع لفكرة الدولة الشمولية فالحاجة ملحة لمنظومة متكاملة لقانون موضوعي وإجرائي تساعد كل مواطن في الحصول على حقوقه دون انتقاص.

 

 

القانون كالدستور مرآة تعكس مدى توجه المجتمع نحو الحداثة

واعتبرت الكاتبة والباحثة في علم الاجتماع الدكتورة فيروز كراوية، أن القانون كالدستور مرآه لفهم موقع المجتمع من معركة السير نحو التحديث، لافتة إلى أن الحديث عن مصطلح الولاية العادلة غير منطقي لأن وجود الولي يشترط بالتبعية توافر المولى عليه وهذا يعد نزع لمسؤولية المرأة عن نفسها وهو الأمر الذي يجعلها ترد بوسائل كيدية في كثير من الأحيان.

وأوضحت أن الابتزاز بالأطفال وتصعيد بعض النساء للأمر من خلال الممتلكات مجرد محاولة للتعاطي مع أزمتها الحقيقية التي بدأت معها في أول الطريق حين انتزعت مسؤولية المرأة عند الزواج وكذلك الضمانة الخاصة بالبت المباشر في عمليات النفقة وغيرها من الأمور التي أوكلت لها عبء البحث والإثبات لنيل حقوقها.

 

التوعية خطوة أولى... الضرورة تقتضي التكاتف

أوضحت النائبة البرلمانية نشوى الديب، أنهم لم يدعوا حتى الآن لأي نقاشات متعلقة بمشروع القانون التي تعمل عليه الحكومة متوقعة أنه عقب دخوله للمجلس سيناقش جنباً إلى جنب مع مشروع القانون الذي قدمته مؤسسة قضايا المرأة من خلالها وفق المتعارف عليه، لافتة إلى أن المحتوى المعلن عنه حتى الآن لا يختلف كثيراً وأن الأهم في مضمون ما سيقر وليس في الجهة التي أعدته.

وأضافت إن التوعية ضرورية من أجل التأثير على متخذي القرار، موضحة أن الوضع الراهن يتطلب العمل على إيصال المعلومات للمواطنين فخلق حالة من المعرفة بالمحتوى هو الأهم الآن حتى يؤخذ الأمر في الاعتبار من قبل القائمين على القانون.

 

 

محاكم الأسرة تعج بالأزمات وانتهاك حقوق النساء

أكدت مديرة برنامج التنمية المجتمعية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية ماجدة سليمان، أن قانون الأسرة يدخل كل منزل ومعنى بجميع أفراده، معتبرة أن القانون الحالي يحتاج لتحديث بما يتواكب مع الوقت الراهن خاصة أن هناك عدد من الأزمات التي تفاقمت في المجتمع خلال الفترة الأخيرة.

وأوضحت أنه للقوى الناعمة تأثير كبير وخاصة الدراما المصرية التي بدأت تطرح مشاكل من الواقع ورغم أنها في نطاق ضيق إلا أنها بالفعل مؤثرة، مبينة أن مؤسسة قضايا المرأة المصرية تتلقى الكثير من القضايا المرتبطة بالنفقة أو الطلاق الشفهي وكذلك العنف وترك النساء بلا تطليق وأحياناً يصل الأمر لخطف الأطفال وحينما تحصل على الحكم لا تستطيع تنفيذه فالنساء تعانين من أجل إثبات حقوقهن أو الحصول عليها.

وأشارت إلى أن محاكم الأسرة مليئة بالأزمات مما يجعل من اعتماد واقرار قانون عادل للأسرة المصرية ضرورة حتمية لمراعاة كامل أفراد الأسرة وبالأخص الأطفال لأنهم يتحملون تبعات تلك الكوارث التي تنشأ في حال رغبة أحد الأطراف في الطلاق وترك الآخر.

وعن الأزمة اقتصادية الحالية قالت أن الزواج في حد ذاته عبء كبير لذلك فالحديث عن الدفع في صندوق الأسرة جعل الكثيرون يسعون للزواج سريعاً قبل تطبيق القانون وهو أمر يجب مراجعته لأنه سيؤثر فعلياً على مسار الحياة فيما بعد، بل قد يفتح باباً للزواج العرفي أو الغير موثق مستقبلاً.