جيل Z من اللامبالاة إلى قيادة الحراك العالمي

يقود جيل Z موجة احتجاجات عالمية غير مسبوقة، مطالباً بالعدالة الاجتماعية وإصلاحات جذرية، مستخدماً الإعلام الرقمي كأداة تنظيمية فعالة، وتُعد هذه التحركات دعوة لإعادة صياغة العقد الاجتماعي، وسط رفض متزايد للفساد واللامساواة.

ساريا دنيز

مركز الأخبار ـ شهدت الحركات الشبابية المعروفة باسم جيل Z، تصاعداً لافتاً في أواخر عام 2025، حيث برزت موجات احتجاجية في مختلف أنحاء العالم، داحضةً الصورة النمطية التي تصف هذا الجيل بعدم الاكتراث بالشأن السياسي، ففي مدن مثل كاتماندو، جاكرتا، الرباط، وأنتاناناريفو، خرج آلاف الشباب إلى الشوارع متحدّين السياسات الحكومية والتفاوت الاجتماعي المتفاقم، ومواصلين احتجاجاتهم رغم القمع والتهديدات.

هذا الحراك العالمي يطرح تساؤلات جوهرية، منها ما الذي يدفع جيل Z إلى النزول إلى الشارع؟ وما الرسائل التي تحملها هذه الاحتجاجات؟ وما القواسم المشتركة بين هذه التحركات في مناطق متباعدة جغرافياً؟ يبدو أن جيل Z، الذي نشأ في ظل الأزمات الاقتصادية والبيئية والسياسية، بات يعيد تعريف المشاركة السياسية بأساليب جديدة، تتجاوز الأطر التقليدية وتعبّر عن وعي جماعي متزايد تجاه العدالة الاجتماعية والحقوق المدنية.

 

نيبال... شرارة الاحتجاجات التي أسقطت الحكومة

انطلقت موجة الاحتجاجات في نيبال مطلع أيلول/سبتمبر الماضي، وسرعان ما امتدت إلى مختلف أنحاء البلاد، لتُسفر في نهاية المطاف عن سقوط الحكومة، قاد هذه التحركات شباب ينتمون إلى جيل Z، الذين نظموا أنفسهم عبر وسائل الإعلام الرقمية، وخرجوا إلى الشوارع احتجاجاً على الأزمة الاقتصادية، تفشي البطالة، واستشراء الفساد.

ما يميز هذه الاحتجاجات هو غياب القيادة المركزية، إذ لم يكن هناك شخص واحد يقود الحراك، بل ظهرت مجموعات شبابية جماعية تعمل بشكل مستقل وتطلق دعوات التظاهر عبر الإنترنت، وقد عبّر المتظاهرون عن رغبتهم في إنهاء الفساد وتحقيق تغيير حقيقي في البلاد.

ومن أبرز الرموز التي استخدمها المحتجون وسمان رقميان هما #nepobabies أو #nepokids، في إشارة إلى ظاهرة المحسوبية (Nepotism)، حيث يُتهم السياسيون والنخب بتقديم مصالح عائلاتهم على حساب الشعب، وقد انتشرت هذه الوسوم بعد تداول مقاطع فيديو تُظهر حياة الترف التي يعيشها بعض المسؤولين وعائلاتهم، في وقت يعاني فيه المواطنون من ضيق العيش، ويؤكد الشباب أن هؤلاء الأشخاص يتمتعون بالامتيازات دون أي كفاءة أو استحقاق، ما يعكس عمق الفجوة الاجتماعية ويزيد من غضب الشارع.

 

توسع رقمي للحراك الشبابي

امتدت شرارة الانتفاضة من نيبال لتلهم الحركات الشبابية في مدغشقر ودول أخرى، حيث باتت الاحتجاجات المنظمة عبر المنصات الرقمية تهيمن على المشهد العام في المغرب ومدغشقر بشكل خاص، ففي المغرب، أعلنت وزارة الداخلية عن مقتل ثلاثة أشخاص خلال التظاهرات، مدعية أن الوفيات وقعت أثناء محاولة الاستيلاء على أسلحة الشرطة، بينما نفى شهود العيان صحة هذه الرواية.

وتُعد هذه الاحتجاجات من أكبر التحركات التي شهدتها المغرب منذ سنوات، إذ نظّم آلاف الشباب أنفسهم عبر منصة "ديسكورد"، رافعين مطالب واضحة تتمثل في حياة أكثر كرامة، توزيع عادل للثروات، ونظام صحي وتعليمي فعّال، وعكس هذا الحراك الرقمي وعياً متزايداً لدى جيل جديد يرفض الصمت ويطالب بإصلاحات جذرية تضمن العدالة الاجتماعية والعيش الكريم.

 

مدغشقر... احتجاجات شبابية تطالب بمستقبل قابل للعيش

في مدغشقر، أطلقت مجموعة "جيل Z مدغشقر" أولى الاحتجاجات في تاريخ البلاد التي تضع الشباب في صلب الحراك الشعبي، ووصفت نائبة رئيس منظمة الشفافية الدولية، كيتاكاندريانا رافيتوسون، هذه التحركات "لم تنشأ بهدف الاستيلاء على السلطة، بل جاءت تعبيراً عن مطلب جماعي من أجل مستقبل قابل للعيش".

وتشير بيانات اليونيسف إلى أن نحو ثلثي سكان مدغشقر تقل أعمارهم عن 30 عاماً، ما يفسر تصاعد الغضب الشبابي في ظل مشاريع حكومية باهظة وتهم فساد متزايدة، وفي بلد يعيش فيه معظم السكان بأقل من دولارين يومياً، تحوّل مشروع التلفريك المكلف في العاصمة أنتاناناريفو إلى رمز للاستياء الشعبي، حيث اعتُبر مثالاً صارخاً على سوء توزيع الموارد.

من جهة أخرى، أثارت قضية تعليم نجل الرئيس في سويسرا، بتكلفة سنوية تبلغ 150 ألف يورو، موجة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، لتصبح واحدة من أكثر القضايا تداولاً وانتقاداً، وتعكس الفجوة الصارخة بين حياة النخب ومعاناة المواطنين.

 

أدوات احتجاج مبتكرة

تتسارع وتيرة احتجاجات جيل Z مدفوعة بقوة الإعلام الرقمي، حيث باتت الوسوم، والصور المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ومقاطع الفيديو، والسخرية اللاذعة أدوات فعالة في يد الشباب لإيصال رسائلهم، وقد شكّلت أحداث نيبال نقطة انطلاق لحراك شبابي عالمي، ألهمت مظاهرات في دول أخرى.

ومن اللافت أن الشباب يستخدمون علم القراصنة المستوحى من سلسلة المانغا اليابانية "ون بيس" كرمز احتجاجي موحد، ففي إندونيسيا ونيبال، رُفع العلم بشكله التقليدي، بينما في مدغشقر، أُعيد تصميمه ليحمل طابعاً محلياً، حيث زُيّنت صورة الجمجمة بغطاء رأس تقليدي، في تعبير رمزي عن الهوية والرفض الشعبي للفساد واللامساواة.

 

مطالب متشابهة وغضب مشترك

يتقاطع الشباب في مختلف الدول حول مطالب تكاد تكون متطابقة، إذ يشكّل إنفاق المسؤولين الحكوميين وبعض الفئات المترفة، ونمط حياتهم الفاخر الذي يُعرض على وسائل الإعلام الرقمية، وقوداً لغضب جيل Z ويزيد من زخم الاحتجاجات، فلم تعد هذه التحركات مجرد مطالب اقتصادية، بل تحوّلت إلى صرخة من أجل البقاء، وسعي لتغيير النظام القائم من جذوره.

وتكشف هذه الاحتجاجات عن شرخ عميق في البنية الاجتماعية والسياسية، حيث يعبّر الشباب عن رفضهم للواقع القائم بأساليب جديدة، رغم غياب القيادة المركزية، وعلى الرغم من الطابع اللامركزي لهذه الحركات، يرى العديد من المراقبين أن هذه الموجة من الاحتجاجات تحمل في طياتها إمكانية حقيقية لإحداث تغيير جذري يعيد تشكيل مستقبل المجتمعات.

 

حراك عالمي يعيد تشكيل السياسة الدولية

تُعد الحركات الشبابية الصاعدة حول العالم نقطة تحول مفصلية، لا تقتصر آثارها على الداخل الوطني فحسب، بل تمتد لتُعيد تشكيل ملامح السياسة العالمية، ويعزز هذا التوجه إصرار الشباب على مواصلة الاحتجاجات دون تراجع، ما يعكس عمق القناعة لديهم بضرورة التغيير.

تكتسب هذه التحركات زخماً متزايداً، سواء في الفضاء الرقمي أو على أرض الواقع، حيث يواصل الشباب التعبير عن مطالبهم بطرق مبتكرة ومؤثرة، ويؤكد المحتجون أنه في حال عدم الاستجابة لمطالبهم وتحقيق نتائج ملموسة، فإن نطاق الاحتجاجات سيتسع أكثر ليشمل شرائح ومناطق جديدة، ويزداد تأثيره على المشهد السياسي والاجتماعي العالمي.

 

الشباب يطالبون بالاعتراف والعدالة

يعبر الشباب في مختلف أنحاء العالم عن انتقاداتهم العميقة لطريقة عمل الحكومات، مطالبين بالعدالة والإصلاح كأولوية قصوى، فهم لا يكتفون بالتنديد بالواقع، بل يسعون إلى تقديم بدائل حقيقية، مؤكدين حضورهم برسالة واضحة "نحن هنا"، ومن خلال إعلان هويتهم السياسية، يطالبون بإعادة النظر في مكانتهم داخل النظام السياسي والاعتراف بدورهم الفاعل.

ولا تُعد مطالبهم مجرد احتجاجات عابرة، بل تُنظر إليها على أنها دعوة جادة لصياغة عقد اجتماعي جديد، يعكس تطلعات الجيل الجديد نحو مستقبل أكثر عدالة وإنصافاً، ويرى كثيرون أن هذه اللحظة تمثل فرصة تاريخية يجب اغتنامها لإحداث تغيير جذري في بنية المجتمعات.