أصوات نسائية تدعو لتشديد عقوبة جرائم الاعتداء الجنسي في المغرب

أثار الحكم المخفف الصادر بواقعة اغتصاب طفلة في المغرب، صدمة واستياءً كبيراً في الأوساط الحقوقية والمدنية التي طالبت بإعادة النظر فيه، مجددةً دعواتها لمراجعة عقوبات الاغتصاب والجرائم الجنسية بحق النساء والفتيات.

حنان حارت

المغرب ـ أعادت إدانة ثلاثة أشخاص بسنتين سجناً في قضية "اغتصاب جماعي" لطفلة قاصر، جدل "الأحكام المخففة" في ملفات الجرائم الجنسية بالمغرب، حيث نددت فعاليات حقوقية بالحكم الصادر، معتبرةً أنه يأتي بعد قرارات سابقة تمت فيها متابعة متهمين في قضايا مماثلة بأحكام "متساهلة" لا ترقى لخطورة الجرائم المقترفة.

نظمت جمعيات نسائية حقوقية ومدنية، منضوية تحت لواء تحالف "ربيع الكرامة" الحقوقي، أمس الأربعاء 5 نيسان/أبريل، وقفة احتجاجية للتنديد بالأحكام المخففة في ملفات جرائم العنف والاغتصاب والاعتداءات الجنسية على النساء والفتيات، أمام محكمة الاستئناف بالرباط في المغرب.

ورفعت المحتجات شعارات تنادي بإنصاف الطفلة وسن قوانين تحمي النساء والفتيات من الاغتصاب ورددن "لا لاغتصاب القاصرات"، "لا للإفلات من العقاب" و"لا للقوانين التمييزية ولا للتحرشات الجنسية" و"الحماية تكون بالقوانين الزجرية" و"المحاكمة ها هي والعدالة فين هي"؛ "وسننتصر وسنكسر قيود الرجعية".

واعتبرت عضو جمعية شمل الأسرة والمرأة خديجة زغيغي أن الحكم الصادر في واقعة اغتصاب الطفلة ذات 11 سنة حكماً جائراً، ويكرس الإفلات من العقاب عوض ضمان العدالة الجنائية للضحية.

وأوضحت أن الوقفة الاحتجاجية جاءت للتنديد بالحكم الذي صدر في واقعة الاغتصاب الجماعي للطفلة، مشيرةً إلى أن قرار المحكمة لا يتناسب مع حجم وبشاعة الجريمة، وأن ظروف التخفيف غير مقبولة، كما أن التعويض كان جد هزيل "عن أيه عدالة نتحدث، لا يمكن السكوت عن هكذا أحكام، نرفض الظلم، لا لاغتصاب القاصرات ولا للأحكام الجائرة".

 

 

من جانبها أكدت زهيرة بوحبران نقابية وناشطة حقوقية أن الحكم الصادر في هذه القضية صدم المجتمع المغربي بأكمله وليس فقط الحركة النسائية والحقوقية؛ لأن الأمر يتعلق بطفلة قاصر والتي اغتصبت بوحشية من قبل مجموعة من الأشخاص البالغين، ما أدى إلى حملها فأضحت أماً وهي طفلة لا تتجاوز الإحدى عشر عاماً.

وأوضحت أن هذه الجريمة واجهتها العدالة بحكم غريب أثار حفيظة جميع فئات المجتمع "هذا ليس حكماً، بل تشجيع لجرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي بالأطفال"، مشيرةً إلى أنهم سيستمرون بتنظيم الوقفات الاحتجاجات "لدينا ثقة في القضاء المغربي الذي نشهد بنزاهته، لكننا نتساءل لماذا تم الحكم بسنتين فقط بحق هؤلاء الجناة؟".

وأضافت "عندما تفجرت القضية العام الماضي كنا نعتقد أن المغتصبين هم أيضاً أطفال قاصرين، لكن بعد ذلك تبين أن من اقترفوا جريمة الاغتصاب هم رجال أرباب أسر ولديهم فتيات في عمر الطفلة المتعرضة للاغتصاب، أكيد أن الجناة لديهم تركيبة نفسية تدل على أنهم مرضى يجب إخضاعهم للعلاج والمتابعة القضائية".

وشددت على أن مثل هذه الوقائع لابد أن تصدر فيها أحكاماً صارمة، حتى تكون عبرة لكل من سولت له نفسه مستقبلاً اقتراف مثل هذه الجرائم بحق الفتيات، مؤكدةً على أن الحكم الصادر لا يرقى لخطورة جرائم الاعتداء الجنسي، مطالبة العدالة بمراجعة القوانين "الأصل في القوانين أنها وضعت لحماية الأطفال ومختلف فئات المجتمع، ولكن اليوم نحن أمام حماية المغتصبين بالبحث عن ظروف التخفيف في مثل هذه الجرائم، هذه الجرائم لا تغتفر، لأنها تقضي على مستقبل الأطفال".

وطالبت بفرض أقصى العقوبات في مثل هذه الوقائع "لن نسكت على جرائم اغتصاب الطفلات ولن نترك أبناءنا عرضة للذئاب البشرية".

 

 

وقالت نجاة الرازي عضو تحالف "ربيع الكرامة" وعضو مرصد المغربي للعنف ضد النساء عيون نسائية "هذا الحكم يجب أن ينبهنا لكل الأحكام التي فيها ظلم وتسامح مع المغتصبين ومرتكبي العنف ضد النساء".

وحول كيفية ردع كافة أشكال العنف الممارس ضد النساء والفتيات تقول "لا يمكن القضاء على العنف ضد النساء وردعه إلا إن كانت هناك عقوبات صارمة"، لافتةً إلى أن المحتجات تطالبن "بتغيير القوانين والمساطر بالشكل الذي يسهل على النساء وصولهن للعدالة، وتجدن الإنصاف والعدالة ورد الاعتبار والكرامة".

وشددت على ضرورة إصدار أحكام مشددة في مثل هذه الحالات لردع المغتصبين وحماية الضحايا، حتى لا يصبح الإفلات من العقاب أمراً مقبولاً في المجتمع.

وخلفت ضجة واسعة بالمغرب أواخر آذار/مارس الماضي، بعد أن أصدرت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالرباط، حكماً قضائياً يدين ثلاثة أشخاص (25 و32 و37 عاماً) بسنتين سجناً بعد اتهامهم بـ "التناوب جماعياً وبصفة متكررة على اغتصاب طفلة في الـ 11 من عمرها، ما نتج عنه حمل وولادة".

وقررت هيئة الحكم منح المتهمين ظروف التخفيف، نظراً لظروفهم الاجتماعية، ولعدم سوابقهم القضائية، وبالنظر لحداثة إجرام المتهمين، ولكون الجزاء المقرر قانوناً لما أدينوا به قاس بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة وبالنسبة لدرجة إجرامهم.

هذا وسبق أن أثيرت حادثة أخرى جدلاً مماثلاً خلال العام الماضي، بعد فرار متهم إلى خارج المغرب بعدما تم إخلاء سبيله المؤقت في قضية الاعتداء على طفلة قاصر.

كما قضت محكمة بمدينة أكادير عام 2021، بمتابعة رجل متهم باغتصاب طفلة في حالة سراح مؤقت، بعد تداول أنباء عن دفعه لكفالة مالية وتنازل أسرة الضحية.

ويعرف الفصل 486 من القانون الجنائي المغربي، الاغتصاب بـ "مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها" ويعاقب عليه، باعتباره جريمة، بالحبس خمس سنوات في الحد الأدنى، أما إذا كان سن المجني عليها يقل عمرها عن 15 عاماً، فإن العقوبة هي السجن من 10 إلى 20 عام.

 

 

وسبق أن دعت المؤسسة الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، إلى إعادة تعريف الاغتصاب ليشمل جميع أشكال الاعتداء الجنسي، بغض النظر عن جنس الضحية أو المغتصب أو العلاقة بينهما أو وضعهما، كما أوصت بتشديد العقوبات، خاصة عندما يتعلق الأمر بأطفال قاصرين أو غير قادرين على التعبير عن الرضا، حتى يتأتى وضع حد لالتباس والإفلات من العقاب الذين يقترنان عادة بهذه الحالات.