عامان من الصراع في السودان خلفا أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ

أدى الصراع في السودان المستمر منذ عامين بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى مقتل عشرات الآلاف وتسببت بأزمة إنسانية تُعد من الأسوأ في التاريخ الحديث، تاركاً المدنيين عالقين في كابوس لا يزول من الموت والدمار.

مركز الأخبار ـ دخل صراع السودان عامه الثالث دون حلول تلوح في الأفق القريب، هذا الصراع ألحق دماراً غير مسبوق على المستويات كافة، إضافة إلى إزهاق أرواح 60 ألفاً وإصابة وإعاقة مئات الآلاف، وتشريد نحو ثلث سكان البلاد، وتدمير البنى الاقتصادية والتحتية، وبات نحو نصف السكان تحت خط الفقر، بينما يهدد الجوع نحو 20 مليون شخص، وفقاً للأمم المتحدة، ونزوح ولجوء نحو 14 مليون مواطن داخلياً وإلى دول الجوار.

الصراع بين الجش السوداني وقوات الدعم السريع الذي بدأ كمواجهة بين الطرفين للصراع على السلطة عانى من ويلاته الشعب بأكمله من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وعصف بآماله وطموحاته، ولم يترك خلفه سوى الدمار والنزوح والجوع والمرض.

ويزداد الصراع فتكاً مع الهجمات المتعمدة على البنية التحتية المدنية، مثل المستشفيات ومحطات المياه والكهرباء. وإذا نجا المدنيون من القتال، فإنهم يواجهون خطر الموت بسبب غياب المستشفيات العاملة أو عدم الحصول على مياه شرب آمنة.

 

أطفال السودان في دائرة الخطر

خلال الصراع المستمر في السودان منذ عامين ارتفع عدد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال بنسبة 1000 في المئة، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، مناشدة العالم عدم التخلّي عن ملايين الأطفال المنكوبين.

وقالت المديرة التنفيذية للوكالة الأممية كاثرين راسل في بيان إن "عامين من الحرب والنزوح حطّما حياة ملايين الأطفال في سائر أنحاء السودان".

وسلّطت اليونيسف في بيانها الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال، بما في ذلك تعرّض أطفال للقتل والتشويه والاختطاف والتجنيد القسري والعنف الجنسي، مشيرة إلى أن هذه الانتهاكات "ازدادت بنسبة ألف في المئة خلال عامين" وانتشرت في جميع أنحاء البلاد.

وحذرت المنظمة من أن "الموت تهديد مستمر" يخيّم على حياة أطفال السودان. ففي محيط مدينة الفاشر وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون القصف المستمر ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

 

الاغتصاب سلاح ممنهج

وحذّرت هيئة تابعة للأمم المتحدة اليوم الثلاثاء 15نيسان/أبريل من أنّ الاغتصاب يستخدم بشكل ممنهج كسلاح في حرب السودان التي دخلت عامها الثالث.

وقالت آنا موتافاتي المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب أفريقيا "شهدنا زيادة بنسبة 288 في المئة في الطلب على الدعم المنقذ للحياة لضحايا الاغتصاب والعنف الجنسي. بدأنا نشهد استخداماً ممنهجاً للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

 

اعتداء شامل على حقوق الإنسان

كما حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش الأطراف على الوقف الفوري للقتال واتخاذ خطوات نحو عملية سياسية شاملة "لوضع السودان على طريق السلام والاستقرار". كما جدد دعوته للمجتمع الدولي إلى توحيد جهوده "لإنهاء هذا النزاع المروع".

كما وصف مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ما يحدث في السودان بأنه "اعتداء شامل على حقوق الإنسان وسط تقاعس عالمي، مما يُخلّف عواقب وخيمة على المدنيين". وأكد أن الصراع يتسم بتجاهل تام لقوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث هاجم الطرفان بانتظام المناطق المأهولة وارتكبا انتهاكات جسيمة.

 

أكبر أزمة نزوح في العالم

يشهد السودان أكبر أزمة نزوح في العالم بحسب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حيث قال إن "ثلث سكان السودان نازحون. وامتدت عواقب هذا الصراع المروع والعبثي إلى ما وراء حدود السودان". في المجمل، نزح أكثر من 12 مليون شخص داخلياً بينما عبر نحو 3.8 مليون لاجئ الحدود، وتتوقع الأمم المتحدة ارتفاع هذا العدد بنحو مليون شخص في عام 2025.

المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أكد أن ملايين السودانيين بحاجة ماسة للمساعدة، وأن المدنيين وعمال الإغاثة يُقتلون دون معاقبة الجناة، وأن العنف الجنسي يتفشى، داعياً إلى وقف الهجمات على المدنيين ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات، وضمان وصول آمن للمساعدات، وحماية ودعم المنظمات المحلية.

 

الموت يهدد الآلاف

كما وصف منسق الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي لأزمة السودان، الوضع المأساوي في السودان بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم، بكل المقاييس، إذ يواجه نحو 25 مليون شخص، أي نصف السكان جوعا شديداً، ويعاني ما يقارب من خمسة ملايين طفل وأُم من سوء التغذية الحاد.

وحذر من أن "عشرات الآلاف من الأشخاص في السودان سيموتون خلال العام الثالث من الحرب، ما لم يتمكن برنامج الأغذية العالمي وغيره من الوكالات من الوصول إلى المحتاجين والحصول على الموارد اللازمة لهم". وناشد المجتمع الدولي ضمان الوصول الإنساني والتمويل اللازمين لتجنب كارثة إنسانية أكبر.

 

"يفطر القلب"

القائمة بأعمال ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان أرجنتينا ماتافيل بيتشين، وصفت الوضع بأنه "يفطر القلب"، مشيرة إلى أن من بين 12 مليون نازح، هناك حوالي 2.7 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب، بمن فيهن 300 ألف امرأة حامل يواجهن خطر الانتهاكات الوحشية والولادة في ظروف غير إنسانية.

وقالت "بعض النساء ينتهي بهن المطاف بالولادة على قارعة الطريق عندما يفررن من بيوتهن بعد سماع القصف والقنابل... وعندما تتم الولادة دون وجود عناية ماهرة، قد يُصاب الطفل حديث الولادة بمرض الكزاز".

وحذرت من التأثير الممتد للأجيال القادمة، حيث يؤدي سوء التغذية بين النساء الحوامل إلى ولادة أطفال ضعفاء، تقل فرص بقائهم على قيد الحياة وقدرتهم على التعلم، مشيرة إلى انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث يواجه ما يقدر بنحو 6.7 مليون شخص خطر هذا العنف، وتكون النساء والفتيات النازحات هن الأكثر عرضة للخطر.

 

آلاف المفقودين

خبير الأمم المتحدة المعني بالسودان أكد أن المخاوف تتفاقم بشأن مصير آلاف الأشخاص الذين اختفوا في خضم النزاع، أوضح أن الإحصائيات الدقيقة لا تزال غير متوفرة، لكن التقديرات تشير إلى أرقام مروعة، بينما تقدر المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات العدد بنحو خمسين ألف مفقود، وثقت منظمات حقوقية سودانية محلية ما لا يقل عن 3,177 حالة، من بينهم أكثر من خمسمائة امرأة وثلاثمائة طفل.

وأكد أن الاختفاء القسري وفقدان الأشخاص مشكلة متجذرة في السودان، مشيراً إلى أن الحرب "غير المفهومة وغير الضرورية" خلفت انتهاكات أخرى مروعة، شملت تدمير مناطق سكنية، وانتهاك الحقوق، وطرد المدنيين، والاغتصاب الجنسي، والتجنيد القسري.

 

أمر مقلق... الذخائر غير المنفجرة

وهناك خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة وهو الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. حيث حذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقال "إنه لأمر مقلق للغاية أن الذخائر غير المنفجرة... ستكون موجودة في المنازل وفي الساحات... لذا فإن الخوف هو أنه عندما يعود الناس، فإنهم سيبدأون بالفعل في تنظيف منازلهم... أعتقد أن الخطر كبير للغاية ومرتفع للغاية".

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر، مناشداً الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، كما دعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

 

"لا تنسوا السودان"

ووجهت منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان كليمنتاين نكويتا - سلامي، نداء عاجلاً إلى المجتمع الدولي "الناس في وضع يائس. نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان، وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

وقالت "ما زلنا بحاجة إلى جهد هائل. ما زلنا بحاجة إلى دعم من المجتمع الدولي من حيث الموارد، وما زلنا بحاجة إلى مزيد من التسهيلات من جميع الجماعات المسلحة المشاركة في هذا الصراع".

وبدورها، حذرت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ميريانا سبولياريتش، من أن المدنيين في السودان "عالقون في كابوس لا ينتهي من الموت والدمار".