السلطة والعادات البالية عقبتان أمام تمثيل النساء في مجلس النواب

يهمش دور المرأة من قبل أصحاب السلطة، حيث تُدفع بعيداً عن مراكز اتخاذ القرار والسياسات العامة، ففي البرلمان العراقي، رغم تخصيص نسبة 29% من المقاعد للنساء، إلا أنهن لم يتمكنّ من إيصال أصواتهن، ويُعزى ذلك لعدة عوامل أبرزها هيمنة العقلية الذكورية

آفان كريم

مركز الأخبار ـ كل أربع سنوات، يباشر مجلس النواب العراقي عملية انتخاب النواب من خلال المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، وذلك ضمن سياق التنوع والحوار المجتمعي للوصول إلى البرلمان. وفي هذا العام، تقرر إجراء هذه العملية في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر القادم.

تشارك النساء بنسبة ضئيلة في انتخابات مجلس النواب، رغم أنهن يُعدن من أهم ركائز المجتمع، إذ إن دورهن وتأثيرهن في بناء الفرد وأُسس المجتمع واضح وجلي، فمكانة المرأة داخل الأسرة تُعتبر أساسية، ولا يمكن للرجل بمفرده أن يملأ هذا الدور، وينطبق الأمر ذاته على المجتمع.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أهمية مكانة المرأة في المجتمع، فإن الحكومة والسلطة الحاكمة في العراق منحت المرأة دوراً محدوداً للغاية، إذ لا تتجاوز نسبة المقاعد البرلمانية المخصصة لها في بعض الأحيان ربع المقاعد العامة فقط.

وبحسب المادة (49) الفقرة (4) من الدستور العراقي، والخاصة بقانون انتخابات مجلس النواب لعام 2020، لا يجوز أن تقل نسبة تمثيل النساء في المحافظات عن 25%، وهذا يُعد مؤشراً على أن دور وتأثير المرأة داخل البرلمان وفي جميع سلطات مجلس النواب ومراكز اتخاذ القرار ما زال محدوداً وضعيفاً، ولا يُنظر إليه بأهمية من قبل السلطة الحاكمة.

 

فوز النساء بـ 97 مقعداً

عدد المقاعد المخصصة للنساء في مجلس النواب العراقي لعام 2021، وبحسب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 الخاص بـ "المرأة والسلام والأمن"، والذي ألزم الحكومة العراقية باعتماد هذا القرار، أُجبرت الأحزاب والجهات السياسية على الالتزام ببنود القرار، ومن أبرزها مشاركة النساء وزيادة نسبتهن في العملية السياسية، ومفاوضات السلام، واتخاذ القرار.

وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية تبنّت هذا القرار، إلا أن نسبة المقاعد النسائية لم تتجاوز حتى الآن 25%، باستثناء انتخابات عام 2021، حيث تمكنت النساء من الفوز بـ 97 مقعداً من أصل 329 مقعداً في البرلمان، وهي أعلى نسبة تمثيل للنساء خلال خمس دورات انتخابية، إذ بلغت 29% من مجموع المقاعد، وقد تحقق ذلك بفضل النظام الانتخابي المتعدد الذي ساهم في تنفيذ قانون رقم 9 لسنة 2020، والذي كان في صالح المرأة.

 

قانون الكوتا لزيادة عدد مقاعد النساء

القانون الخاص بالكوتا النسائية، والذي يمنع تقليص نسبة المقاعد المخصصة للنساء إلى ما دون 25%، كان له أثر إيجابي في زيادة عدد المقاعد النسائية في مجلس النواب العراقي، إلا أن هذه المقاعد غالباً ما تُمنح فقط بهدف تنفيذ القانون، دون أن يكون وراءها أي نية حقيقية لدعم النساء أو تمكينهن داخل البرلمان ومراكز اتخاذ القرار، وهذا ما يحمّل المجتمع مسؤولية منطقية حول سبب انخفاض نسبة تصويت الناس للنساء، حيث يُمنح الصوت غالباً للرجال.

 

عدد المقاعد لم يتحول إلى صوت حقيقي للنساء

عدد المقاعد النسائية في البرلمان لم يتمكن من أن يكون صوتاً حقيقياً للمرأة، فرغم مشاركة النساء بنسبة 25% في مجلس النواب العراقي، إلا أنهن حتى الآن لم يستطعن الوصول إلى حقوقهن في قانون الانتخابات، الذي كان من المفترض أن يمنحهن نصف المقاعد البرلمانية.

ومع ذلك، فإن النائبات اللواتي يدخلن البرلمان العراقي لا يتحولن إلى صوت حقيقي للمرأة، وذلك لأسباب عدة، أهمها أن النساء يُرشحن من قبل الأحزاب والتحالفات، وهذه الأحزاب والتحالفات مبنية على أسس عشائرية، دينية، ومذهبية، وتخضع لسلطة ذكورية، وبالتالي، لا تستطيع النائبات الخروج عن قوانين تلك الأحزاب، ويُطلب منهن الالتزام بتوجيهاتها، مما يجعل زيادة عدد المقاعد النسائية غير كافية لتحقيق تأثير فعلي في انتزاع حقوق المرأة داخل البرلمان.

وأبرز مثال حي على ذلك هو قانون مكافحة العنف ضد المرأة، الذي قُدم إلى البرلمان من قبل الحكومة العراقية منذ 14 عاماً، ويُعد من أهم القوانين بالنسبة للنساء، إلا أنه لم يُقر حتى الآن، بل لم يُدرج حتى في جدول أعمال البرلمان لمناقشته، وهذا يدل على أن النائبات داخل البرلمان لا يصرّين بما يكفي على حقوقهن كنساء، ويعود سبب هذا التراخي إلى التزامهن بالأحزاب والتحالفات التي رشحتهن، أو إلى التزامهن بالقوانين العشائرية والدينية والمذهبية، التي تعيق تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في المجتمع.

يوجد داخل البرلمان العراقي لجنة تُعرف باسم "لجنة المرأة"، مهمتها التنسيق والدفاع واقتراح القوانين الخاصة بتمكين المرأة والأسرة وضمان حقوقهما، إلا أن هذه اللجنة، حتى الآن، لم تتمكن من إحداث تأثير فعلي في مجال حقوق المرأة أو تحقيق أي تقدم ملموس، لعدة أسباب وعلى رأسها العقلية الذكورية.

منذ عام 2014 وحتى الآن، لا تزال مئات الإيزيديات في عداد المفقودين، بينما تعرض المئات الأخريات للاستعباد والانتهاكات على يد داعش، ومع ذلك، لم تتمكن النائبات في البرلمان العراقي من تقديم أي مشروع قانون يخص البحث عن المفقودات أو ضمان حقوقهن، بل لم تستطعن حتى تشكيل صوت موحد داخل البرلمان لمناقشة هذه القضية المصيرية.

 

العادات البالية والسلطة أبرز أسباب تهميش دور النساء

وفقاً لمصدر مطّلع في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، وقبل الموعد النهائي لتقديم الأرقام الخاصة بالأحزاب والتحالفات والمرشحين لانتخابات البرلمان العراقي، المقرر إجراؤها في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام، تم استبعاد الناشطتين النسويتين قمر سامرائي وزينب جواد، واللتان رشحتا نفسيهما للبرلمان، من قبل السلطات.

وجاء هذا الاستبعاد بسبب تصريحاتهما عبر القنوات والمواقع الإلكترونية التي عبّرت عن معارضتهما لتعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، والذي تم طرحه للتصويت في البرلمان العراقي خلال العام الماضي، وقد كانت هاتان المرشحتان من أبرز المعارضات لذلك التعديل.

هذا الاستبعاد يكشف أن الحكومة والسلطة لا تسمحان بوصول ممثلات حقيقيات للنساء إلى البرلمان، ولا بتمكينهن من أداء دور فعّال في ترسيخ حقوق المرأة.

وبنفس الطريقة، عندما نلاحظ نسبة تصويت النساء أثناء إعلان نتائج الانتخابات من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ندرك أن المجتمع يمنح ثقته للمرشح الرجل أكثر مما يمنحها للمرأة، وهذا بحد ذاته يُعد شكلاً آخر من أشكال الظلم الاجتماعي القائم على الذكورية، والذي أدى إلى هذه النتيجة الراهنة.

 

أهمية توحيد صوت النساء في البرلمان ضد العقلية الذكورية

رغم أن نسبة المقاعد المخصصة للنساء في مجلس النواب العراقي لا تعبّر عن المطالب والحقوق الكاملة للمرأة، إلا أنه إذا شعرت النائبات بمسؤولياتهن الحقيقية واستطعن أن يكنّ صوتاً صادقاً للنساء، فبإمكانهن تغيير الكثير من القوانين التي تُعد مجحفة بحق المرأة داخل المنظومة القانونية والحكومية، ويتحقق ذلك من خلال توحيد صوت النائبات وتعزيز علاقاتهن وتكثيف جهودهن في الدفاع عن حقوق المرأة، لكن للأسف، هذا لم يحدث حتى الآن.

لذلك، فإن طريقة العمل وأسلوبه أكثر أهمية من عدد المقاعد في ظل الوضع الراهن للبلد والحكومة، فعندما لا تستطيع النائبات، رغم عددهن، أن يتحدن ويشكلن صوتاً موحداً ومؤثراً، فإن وجودهن يصبح غير فعّال، ولهذا، من الضروري الآن العمل على ترشيح نساء واعيات وملتزمات بحقوق المرأة إلى البرلمان، وأن يمنح الناس أصواتهم لمن يحملن الأمل في مستقبل أفضل للمرأة وللشعب بأسره.