القائد العام لوحدات حماية المرأة: ناضلنا في مواجهة الذهنية الغير مقتنعة بقوة المرأة، ولم نقبل الرضوخ للواقع المفروض بل عملنا بشكل جاد لتغييره (1)
لم تسعى المرأة يوماً لأن تكون جزءاً من الصراعات العسكرية وتخوض الحروب، إلا أنها أُجبرت على تشكيل قوات خاصة بها كرد فعل طبيعي هادف للدفاع عن المرأة
نوروز خوجه
قامشلوـ ، في حين أنها كانت المستهدف الأول لبطش الأنظمة السلطوية والمفاهيم المجتمعية الرجعية، ولهذا انتفضت لتثبت قدرتها على الدفاع عن نفسها ووجودها.
وحدات حماية المرأة في شمال وشرق سوريا تأسست في الرابع من نيسان/أبريل عام 2013، ومع ازدياد انضمام الشابات من مختلف المكونات تردد صداها بين نساء العالم أجمع، وتحولت إلى ملجأ لكل امرأة ترفض أن تكون ضحية واقعها المجتمعي أو تكون نسخة للأنظمة السلطوية، أو آلة لتنفيذ الذهنية الذكورية المهيمنة، ومن هنا تبرز الأهمية الكبرى لوجود هذه الوحدات التي تتفرد فيها المرأة بالعمل العسكري والقيادة البارزة والكيان والإرادة الحرة، وللتعرف أكثر على هذا الموضوع أجرت وكالتنا وكالة أنباء المرأة حواراً خاص مع القائد العام لوحدات حماية المرأة نوروز أحمد وفيما يلي نص الجزء الأول من الحوار:
في البداية هلا حدثتمونا عن ضرورة تشكيل قوة عسكرية نسائية في مناطق شمال وشرق سوريا، والسبب الذي جعل الآلاف من النساء ينضممنَّ إلى صفوف هذه القوة؟
تعرضت الهوية الكُردية لمحاولات الطمس والتهميش من كافة النواحي، وهذا ما أثر بشكل سلبي على المجتمع الكُردي ككل والمرأة على وجه الخصوص، إذ أنها كانت مقيدة بالبقاء ضمن جدران منزلها، وعند خروجها من بين تلك الجدران لم يكن لها وجودٌ يُذكر، وهذا ما دفعها للبحث الحثيث عن حريتها، فالمرأة ضمن المجتمعات عامةً تتعرض للعديد من السياسات الساعية لقمعها، والمجتمع الكُردي جزء من هذه المجتمعات.
كنا نرى أن المرأة مهما بلغت من العلم والتقدم والقوة، إلا أنها تبقى تحت رحمة وتحكم السلطة الذكورية المهيمنة، وهذا ما لم يفتح لها المجال أمام آفاق أخرى، فلم يكن لها أهدافٌ وتطلعات خاصة بها، وكانت حياتها مرهونة بما تبتغيه تطلعات واحتياجات الآخرين، وعلى الرغم من هذا فإن التاريخ يشهد على وجود العديد من النساء اللواتي ناضلنَّ وقاومنَّ وكنَّ جنباً إلى جنب وعلى قدم المساواة مع الرجل.
كل ما ذكرناه لم يعطي للمرأة أي خيار سوى أن تحارب ضمن المجتمع أو تدفن وهي حية تحت سطوته، فولدت العديد من النساء الثوريات البارزات اللواتي رسمنَّ طريق الحرية، ولم يقبلنَّ بالواقع الذي فُرضَّ عليهنَّ، وعملنَّ على وقف الظلم المُمارس بحقهنَّ، إلا أنهنَّ لم يعرفنَّ كيفية القيام بذلك.
ومع بداية انتفاضة الشعب في شمال وشرق سوريا في وجه سياسات الاستبداد والقمع والإنكار التي كانت المرأة أكثر المتضررين منها، وفي خضم هذه الأحداث المتصاعدة، تمكنت من إبراز نفسها، على الرغم من أن بداية الانتفاضة كانت للمطالبة بالحقوق المشروعة للمكونات داخل المنطقة وحقوق المرأة، ولم تكن تتعلق بالكفاح المسلح، إلا أن الصدارة في هذه الانتفاضة كانت من نصيب النساء، لأن المرأة نظرت إلى هذه النهضة على أنها حاجة ماسة وضرورة حتمية لنيل حريتها.
لم يكن هدف المرأة تحويل نضالها لكفاحٍ مُسلحٍ، ولكن الممارسات التي عَملت على طمس وجودها من خلال القتل، والاغتصاب، والتهميش، لم تترك لها الخيار، فكان حملها للسلاح رد فعل طبيعي لما تتعرض له، وكلما اشتدت الضغوطات والهجمات عليها، ازدادت نزعتها الدفاعية عن نفسها، لأن هنالك محاولات عديدة لقتلها، فإن لم يقتلوا جسدها، فإنهم سيعملون على دفن هويتها وكيانها. في خضم نظرة المجتمع الدونية للمرأة، ونظرة المرأة الغير واثقة من نفسها، ظهر بصيص من الأمل فشقت المرأة طريقها إليه وسارت خلاله نحو الحرية.
وعند تأسيس القوات العسكرية النسائية لم يكن هنالك عدد كبير من النساء المشاركات في حمل السلاح، لكن مع تمكين الثقة وازدياد الإرادة توافدنَّ إليها، وعلى الرغم من وجود بعض التخوفات نظراً لعدم تمكين المرأة في المجال العسكري، كان خيارها النضال والموت وهي تدافع عن نفسها.
مع كل التطورات الحاصلة في العالم إلا أن اعتبار العمل العسكري لا يناسب النساء ما زال سمة سائدة في جميع أنحاء العالم، حتى في أكثر المجمعات تطوراً، كيف استطاعت المرأة المقاتلة في شمال وشرق سوريا كسر هذه الصورة النمطية خاصة في منطقة الشرق الأوسط ذات البيئة العشائرية ؟
العالم يرى الحرب والقوات العسكرية مجال خاص بالرجال فقط، حتى ولو ظهرت العديد من النماذج التي لا تؤيد هذا الرأي، إلا أن هذا لا يغير الصورة النمطية السائدة، على اعتبار أن الأعمال العسكرية تتسم بطابع من العنف وتتطلب قوة جسدية كبيرة لا تمتلكها المرأة، لأن المرأة تُعرف بطبيعتها العاطفية وحسها المرهف مقارنة بالرجل ولا تتحمل الصعوبات والحروب، إذ أن الحروب عبارة عن آلة فتاكة تقتل المشاعر والأحاسيس، وبالطبع هذه النظرة منتشرة في جميع المجتمعات، ولا سيما ضمن مجتمعاتنا الشرق أوسطية نظراً لتحكم العادات والتقاليد وانتشارها بشكل كبير، إضافة إلى التعاليم الدينية.
يرى المجتمع أن المرأة غير قادرة على الخروج وحدها من منزلها، وعلى الرغم من وجود عدد من النساء اللواتي يعملنَّ خارج إطار المنزل إلا أن أعمالهنَّ محدودة ومؤطرة، وهذا المنطق متجذر في ذهنية المجتمع، وحتى أن الأمهات ربين بناتهنَّ على أساس أن المرأة غير قادرة على خوض غمار شتى المجالات، فالمرأة عند خروجها وتمردها على العادات والتقاليد، ينظر المجتمع إليها على أنها خارجة عن القيم الأخلاقية، ولهذا فُرضت عليها قيود مُحكمة الإغلاق؛ لمنعها من تجاوز ما يعتبره المجتمع محظوراً، ولهذا كانت نظرة المرأة لنفسها غير مُكتملة ولا تمثل حقيقتها، لأن المجتمع عَمق فيها هذه المشاعر والأفكار المغلوطة، فلم تمتلك الخيار والرأي المتفرد والشخصي، وهذا ما فاقم من صعوبة دخولها المجال العسكري، على الرغم من رغبتها بالولوج إليه وعدم تقبلها لواقعها، وهذا ما جعلها تعيش العديد من التناقضات، إلا أن إرادتها كانت أكبر من كل التناقضات والعوائق، وهنالك أمثلة نسوية رائدة تحولت إلى قدوة لجميع النساء، لكن ما عاشته هؤلاء النساء عبر التاريخ لم يكن مماثلاً لواقعنا.
غرست الأنظمة المتواجدة في ذهن المرأة أفكاراً جعلتها تتراجع وتتخوف من خوض غمار المجال العسكري، ووضعتها في الصفوف الخلفية من النهوض فيه، وداعش واحد من الأمثلة على النظرة الدونية للمرأة، والتي تتمحور حول أن المرأة هي وسيلة لتلبية الغرائز الذكورية.
هنالك نساء في الجيوش العالمية، لكنهنَّ يعملنَّ ضمن أعمال تكنيكية، صحيح أنها مُهمة إلا أنهنَّ لم يصلنَّ إلى المرحلة التي وصلت إليها وحدات حماية المرأة، لأنهنَّ لا يتخذنَّ القرار أو يقدنَّ العمل العسكري، ولا يعملنَّ بهويتهنَّ كنساء، ومواجهة هذه المعوقات الخارجية والداخلية التي تتمثل بقدرة النساء على استيعاب أنهنَّ قادرات على خوض غمار المجال العسكري بأنفسهنَّ بكل جسارة وثقة لم يكن ذلك سهلاً، لكن خطوة بخطوة استطعنا كسر هذه الصورة السائدة لنضال المرأة وتغيير شخصيتها، وبناء كينونتها ومن ثم النضال لتغيير الذهنية المجتمعية، والذي ساعد على تقبل المجتمع لعمل المرأة ضمن المجال العسكري، وأحدث تغييراً جذرياً فيه لذلك نسمي الثورة المجتمعية بثورة المرأة.
في الواقع إن انضمام المرأة للقوات العسكرية أحدث تغييراً كلياً من خلال كسر القوانين والقوالب المتجذرة في المجتمع وهذا حدث بشكل تدريجي، فالمرأة أخذت مكانها في الجبهات والخنادق بكل قوة وعزيمة، وقادت الثورات وأخذت مكانها في مراكز صنع القرار، وأضفى انضمامها لصفوف الوحدات العسكرية طابعاً مغايراً لبقية الجيوش.
قيل في البداية أن تأسيس وحدات نسائية للقتال لم يكن أكثر من طريقة للفت الانتباه، ولكن مع اشتداد المعارك وبروز الدور الكبير للمقاتلات اثناءها وخاصة في معركة كوباني تغيرت هذه النظرة كيف تقيمون ذلك؟
كما ذكرنا آنفاً أن انضمام المرأة بشكل بارز وفعَّال في الثورة وبكل إصرار وثقة ودون أي تردد غير من ذهنية المجتمع والرجل، وهذا الدور برز في مقاومة كوباني بشكل واضح للعيان، لأن حرب كوباني كانت من أشرس المعارك التي خاضتها المرأة ضد أعتى قوة ظلاميةً وإرهابية في العالم، والتي لم تستطع أي قوة أخرى التصدي لها، فداعش هاجم مدينة كوباني بشكل همجي ضارباً بعرض الحائط المبادئ الأخلاقية والإنسانية، ومارس أفظع الانتهاكات بحق النساء لعدم تحمله سماع صوت المرأة الحرة والمناضلة في سبيل نيل حقوقها، ونظر إليها بشكل بغيض ودوني، سعياً لتفكيك المجتمع والقضاء عليه من خلال استهداف المرأة وهذا ما ظهر جلياً في شنكال أيضاً.
وبإمكانيات محدودة وبأعداد قليلة قاومنا ضد قوة مدعومة لوجستياً من دول رأسمالية في حرب لم تكن متكافئة، ومشاركة وحدات حماية المرأة فيها أعطى صدىً واسع النطاق في المنطقة والعالم أجمع، فالمرأة في جميع مجالات النضال هي الريادية والطليعية وهي التي ضحت بروحها في سبيل الحرية، وسطرت الملاحم البطولية، وجميع الصعوبات التي عاشتها لم تزدها إلا تصميماً على مواصلة الكفاح، وهذا ما زاد من ثقة الجميع بقوة وحدات حماية المرأة، إذ يمكننا القول بأن تواجد المرأة بروحها الفدائية ومعنوياتها العالية وإبداعها في جميع الأماكن والحروب يعطي الإرادة والجسارة والإقدام على الصعاب دون أي تخوف وبكل شجاعة، ولا مكان للاستسلام حيثما تتواجد المرأة بل تكون المقاومة في أوجها، وخير دليل على ذلك الشهيدات أمثال ريفان كوباني وأرين ميركان اللتان أكدتا بروحهما الفدائية أن المرأة تأبى الخنوع والرضوخ وتتخذ من المقاومة طريقاً للحرية.
قبل حرب كوباني كانت وحدات حماية المرأة في مرحلة التأسيس والتدريب، هذه الحرب كان لها التأثير الأكبر في سير تطور الوحدات، فالمرحلة التي تلتها كانت لتنظيم نفسها بشكل أقوى من النواحي الفكرية والعسكرية والتنظيمية، والذي جعل المجتمع يلتف حولها بشكل متين، لرؤيته أن المرأة بنضالها في جميع الساحات هي الريادية والطليعية لقيادة المجتمع والثورة، وفُتح الطريق للانضمام بشكل أوسع وأقوى للوحدات، مع العلم أن التأثير لم يكن على شعوب مناطق شمال وشرق سوريا فحسب إنما على منطقة الشرق الأوسط كذلك، فوحدات حماية المرأة بإرادتها وقوتها كسرت الصورة النمطية لدى المجتمعات، وهزمت المخططات وأطاحت بأطماع الأنظمة السلطوية التي كانت تقف وراء هجمات مرتزقة داعش، وألتفت القوى الخارجية الرافضة للإرهاب حول الوحدات وقدمت المساندة لها لمواجهة هذه التنظيمات.
.... يتبع