"المرأة الجديدة" تسلط الضوء على دور الريفيات وحقهن في المساواة وعدم التمييز

احتفلت مؤسسة "المرأة الجديدة" باليوم العالمي للمرأة الريفية والتي دعت الأمم المتحدة للاحتفاء به منذ عام 2007 على أن يخصص له يوم 15 تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، ليتذكر العالم دورهن في التنمية وحقهن في المساواة وعدم التمييز.

أسماء فتحي

القاهرة ـ لا يخفى على أحد ما تعانيه المرأة في ريف مصر والعالم أجمع من تمييز وعنف قائم على أساس النوع الاجتماعي، فضلاً عن التهميش، ويمكننا أن نتحدث في هذا الصدد عن اللا منطق في تلك المعاملات، فبالرغم من أن تلك المرأة تخرج للعمل في الأرض بجانب الرجل وتشاركه كامل الأعباء، إلا أنها تصنف أقل منه.

أزمة المرأة الريفية غير مقتصرة على تلك التي تعمل في أرضها بجوار زوجها أو من تخرج للعمل الزراعي وتتعرض لمختلف أنواع الاعتداءات كما نرى من تحرش وإهانة بل واغتصاب أحياناً ينتهي بقتل الضحية، أو تلك المرأة القابعة في منزلها لإدارة شؤونه وتسيير أوضاعه بأقل العائدات المالية، ولكنها أكثر تعقيداً من ذلك لكونها ترتبط بثقافة هذا المجتمع المنغلق عن المرأة ووعيه بإنسانيتها ووقوفها على قدم المساواة مع الرجل.

وعادة ما تعامل المرأة الريفية بدونية شديدة ويتم إهانتها وكأن ذلك حق أساسي للقائم عليها زوجاً كان أو أباً الأهم أنه الرجل المهيمن، ومن هذا المنطلق يحق له تزويجها مبكراً، وكذلك ختانها في الصغر، بل والتحكم في مختلف أنواع قراراتها ويتبع ذلك اختيار الشريك والتعليم وحتى الملابس التي ترتديها، واللا منطقي في الأمر التناقض الذي يحدث على أرض الواقع فالمرأة في المجتمع الريفي هي قوام الأسرة وسبب بقائها سواء كانت تدير المنزل، أو تخرج للعمل فتدر دخلاً، أو تعمل بجانب الزوج أو حتى تلك التي تهتم بالمشاريع متناهية الصغر، ولن نجد من ينكر ذلك رغم أنها في قبضة تمييز وعنف وسلب للحقوق متعدد الأبعاد.

 

طرح أزمات الريفيات على مائدة نقاش المعنيين

احتفلت مؤسسة المرأة الجديدة بيوم المرأة الريفية من خلال طرح أزماتها على مائدة نقاش استعرضت خلالها دورها القوي في التنمية واستمرارية الأسرة ونجاحها بكلمة ألقتها مديرة البرامج بالمؤسسة لمياء لطفي، تطرقت خلالها إلى أزمة التمييز الواقع عليها وما تتعرض له من عنف أساسه نوعها الاجتماعي وعدد ليس بالقليل من التجارب والأزمات التي شارك في طرحها الحضور، كما تم تقديم عرض تفصيلي عن التعاونيات في مصر ودورها في الاقتصاد وتجربة جمعية شباب مصر للتنمية في محافظة الفيوم.

وتناول اللقاء مختلف حقوق المرأة الريفية من واقع تعهدات مصر والتزاماتها الدولية، بالإضافة لحقوق العاملات منهن في الزراعة وتم الحديث عن دور التعاونيات في فتح مجال أفضل للنساء وما أسفر عن ذلك من زيادة في حجم الإنتاجية والأرباح وإعطاء النساء أدوات تمكينهن الاقتصادي وتطوير مهاراتهن بفعل التجربة والممارسة.

وتم استعراض عدد من التجارب النسائية الواعدة في "التعاونيات" وكذلك المشاريع المثمرة وتفاصيل العمل في نحو 16 تعاونية والخطوات التي تمت على الأرض وأسفرت عن تحقيق نجاح ملحوظ للنساء، بالإضافة إلى الاخفاقات ومعوقات ذلك العمل، وتم تقديم عدد من الأدوات العملية لتمكين النساء على نحو أفضل في مشاريعهن التعاونية.

 

تبادل الخبرات والوقوف بشكل أعمق على الأزمات والحلول

قالت مديرة البرامج بمؤسسة المرأة الجديدة لمياء لطفي، أنهم يعملون على مشروع خاص بالمزارعات وحقوقهن كجزء من مشروع أكبر عن "المرأة والعمل" يرتبط بتحسين بيئة العمل للنساء.

وأضافت لمياء لطفي، أن الاحتفال انقسم لشقين الأول يتحدث عن النساء في الريف وما يتعرضون له من أزمات سواء على مستوى غياب الخدمات ومنها الحقوق الصحية، فضلاً عما تتعرضن له من عنف متعدد الأشكال بنسبة تزيد عن غيرها بمدن العاصمة ومنها ختان الإناث وتزويج القاصرات، والقسم الثاني تناول التعاونيات وتجربة نحو 16 تعاونية للنساء في الريف وتجارب محافظة الفيوم في تأسيسها كأحد أدوات الحصول على الحقوق القانونية والاجتماعية والتمكين الاقتصادي.

وأكدت لمياء لطفي، أن الريفية تعاني من التمييز والتهميش والفقر والأمية وغياب الخصوصية، فضلاً عن الأعمال المنزلية الشاقة وكذلك العنف، مؤكدة أن النساء لا تستطعن الوصول إلى موارد جيدة للارتقاء ببعضهن كما أن عدد من تحرمن من حقهن في الميراث أكبر مقارنة بالعاصمة وضواحيها، مشيرةً إلى أن المرأة هناك لا يمكنها اتخاذ القرار بشأن أموالها أو ما تدره من دخل.

أما عن الحضور المتنوع للمعنيين بالأمر في الاحتفال ومشاركاتهم الفعالة فقد أكدت لمياء لطفي، أنهم حرصوا على حضور ممثلات عن النساء الريفيات لتتحدثن عن أنفسهن لأنهن الأجدر على ذلك وبعضهن كن تعملن بالزراعة وقررن تأسيس جمعيات لخوض العمل المنظم، وأخريات سبق وتم التعامل المشترك معهن في مشاريع تستهدف المزارعات.

 

 

المزارعات وتحديداً الغير منتظمة واقعهن أليم

وأكدت رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون انتصار السعيد، أن النساء في الريف تقمن بدور هام في توفير الغذاء لأسرهم وكذلك العوائد المالية الناتجة عن عملهن سواء في المشروعات متناهية الصغر أو الزراعة، معتبرة أن تأثيرهن في الاقتصاد الوطني لا يمكن التشكيك فيه لذلك فتخصيص يوماً عالمياً للاحتفاء بهن حق أساسي ناتج عما تقدمنه من إسهام حقيقي وللتذكير بضرورة العمل على دعم قضاياهن وبحث أزماتهن، فالكثيرات منهن تسلب حقوقهن وتنتقص أجورهن ولا تشملهن الرعاية الطبية المناسبة لما تواجهنه من مخاطر سواء نتيجة طبيعة عملهن أو ما يتعلق بنتاج التعامل مع المبيدات الحشرية وغيرها.

ولفتت انتصار السعيد، إلى أن العاملات بالزراعة وخاصة الغير منتظمات خارج مظلة التأمين الاجتماعي والصحي وبالتالي حقوقهم مهدرة، مطالبة بضرورة شمول قانون العمل لحقوق عاملات الزراعة والعمالة غير المنظمة وتضمينهم في منظومة التأمين الاجتماعي والصحي لتوفير مناخ أكثر أماناً وحماية لهن.

وعن دور مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون في العمل على ملف النساء الريفيات، أوضحت انتصار السعيد، أنهم يهتمون بذلك الملف وتفاعلوا مع الاحتفال العالمي عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة وبالمشاركة في الفاعليات المقامة خلاله، كما أنهم أخرجوا عدد من الأوراق البحثية خلال فترة انتشار فيروس كورونا حول حقوق العمالة الغير منتظمة والعاملات الزراعيات وغيرها من الأوراق التي ترتبط بالموقف من قانون العمل وملاحظاتهم عليه خاصة فيما يتعلق بحقوق العاملات الزراعيات المغفلة به.

 

 

نموذج شبيه بالتعاونيات في قنا

واعتبرت صفية محمود، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الأسرة والبيئة والأمين العام لمؤسسة مصر الحياة وأمينة المرأة لنقابات اتحاد عمال قنا، أن المرأة الريفية وخصوصاً في صعيد مصر مهمشة وتعاني من التمييز وتهدر أغلب حقوقها، مضيفة أنهم يعملون على التمكين الاقتصادي للنساء بكل ما يملكون من أدوات وبالتعاون مع الكثير من الجهات المهتمة والفاعلة.

وأوضحت أن المرأة الريفية وخاصة التي تعمل بالزراعة لا تحصل على حقوقها ولا تدخل تحت مظلة الحماية الاجتماعية، وورشة "المرأة الجديدة" تسلط الضوء على تفعيل الآليات الدولية لحماية المرأة الريفية وهو محور أساسي يعد إضافة حقيقية.

وأكدت على ضرورة الحديث المطول حول التعاونيات والتنسيق فيما بينهم "قمنا بتطبيق نموذج مشابه في محافظة قنا ضم تكتلات اقتصادية لمهنة واحدة كصناعة العسل أو الخزف وغيرها لأن الاقتصاد المنظم الذي يضم أكثر من فرد أو مؤسسة يزيد من حجم العائد العام ونسب النجاح ويقلل من حجم المخاطر".

وأشارت إلى أن وضع المرأة الريفية تغير كثيراً في الفترة الأخيرة لأن كثير من المؤسسات والمنح تعمل على هذا الملف وخاصة في صعيد مصر وهو ما أعطى فرصة لفتح المجال لتمكين اقتصادي أكثر فاعلية بشراكة أساسية للنساء، وهو الأمر الذي أثر بشكل مباشر عليهم خلال الفترة الأخيرة.

 

 

اعتداءات على النساء تصل لحد الذبح

أكدت رئيسة نقابة صغار الفلاحين بالمنيا هناء عبد الحكيم محمد، وهي أول نقيبة على مستوى الصعيد تدافع عن القطاع الفلاح، أنهم يعانون حتى الآن من العادات والتقاليد وأشكال العنف التي تثقل كاهل النساء مهما كن قويات أو حتى واعيات بحقوقهن، معتبرة أن هناك نسبة بسيطة من التغيير تمت بالفعل خلال الفترة الأخيرة ولكنها على حد تقديرها لا تتجاوز الـ 5%.

وعن تجربتها قالت هناء عبد الحكيم "واجهت الكثير من المعوقات من أهل القرية نتيجة رفضهم أن تدافع عن حقوقهم امرأة وهو أمر يتأثر بالعادات والتقاليد والثقافة عامة، وواجهت الكثير من الإساءات اللفظية وعبارات التحرش وغيرها من الأمور ولكني استمديت القوة من النساء حولي"، مضيفة أن المرأة باتت واعية بحقوقها ولكن العادات والتقاليد والثقافة الراسخة في وجدان الرجال جعلت هناك تصادم وحجر على قرارات المرأة الريفية بشكل عام.

وأوضحت أن قريتها شهدت الكثير من وقائع العنف ومنها ما يحدث لعاملات التراحيل الذين يأخذن أطفالهن معهم أثناء العمل ويتركونهم في "عشة" مما يعرضهم لكثير من المخاطر منها غرق أحد الأطفال مؤخراً، مشيرة إلى أنهن في حاجة لحضانة لحماية أطفالهم، كاشفة أن بعض الفتيات تتعرضن للاغتصاب والقتل "هناك فتاة في القرية بالفعل تم الاعتداء عليها من أحد شباب التراحيل والنتيجة قيام أخيها بذبحها ولأنها أقل من السن القانوني حكموا على الأخ بـ 15 عام سجن".

وعن الدور الذي قامت به كنقيبة لصغار المزارعين أوضحت "أنه بجانب عملها على توعية وتثقيف الفتيات قامت بإنشاء حضانة بقريتها لاستقبال أطفال عاملات الزراعة من سن 3 سنوات وحتى 5 سنوات وهو ما عمل على المساعدة في تعميمه بجميع القرى التي تعمل بها النساء قادمات من الخارج رفقة أطفالهم".

والجدير بالذكر أنه وفق آخر الإحصائيات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة فإن النساء تشكلن أكثر من 40 % من القوى الزراعية العاملة في البلدان النامية، وتمثلن نحو 15% من ملاك الأراضي في جميع أنحاء العالم.