"الإعلاميات يتحدثن"... مطالبات بدعم الصحفيات نفسياً وقانونياً ولوجستياً

طالبت صحافيات فلسطينيات، بتكثيف خدمات الدعم النفسي المقدمة لهن عبر برامج متخصصة، وتعزيز قدراتهن المهنية وتدابير السلامة لهن في التغطية الميدانية

نغم كراجة 
غزة ـ .
نظمت مؤسسة فلسطينيات، أمس السبت 27 تشرين الثاني/نوفمبر، مؤتمرها السادس "الإعلاميات يتحدثن" بعنوان "الإعلاميات الفلسطينيات في المواجهة" عبر "الفيديو كونفرس" بين كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، بحضور عشرات الإعلاميات الفلسطينيات، للتحدث عن أوضاع الاعلاميات وما يواجهن في الميدان الصحفي من اعتداءات وعقبات وتحديات يومية، تتعلق بانتهاكات حقوق الانسان وبطبيعة العمل الصحفي، وحرية الرأي والتعبير وممارسات الإعلاميين في الميدان.
دعت الصحفيات المشاركات إلى إحداث مجموعة من الإصلاحات والتدخلات على المستوى القانوني، بإيجاد لوائح وقوانين تضمن حقوقهن، وتلاحق المنتهكين، ونادين بضرورة توفير أدوات السلامة المهنية، التي يمنع الإسرائيلي دخولها إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى تمكينهن اقتصادياً، خاصةً بالنسبة للعاملات بشكل حر freelancers، من خلال تمويل مشاريع تخدمهن، وتطوير قدراتهن في مجال نقل الرواية عبر تدريبات مكثفة.
وطرحت الباحثات المشاركات خلال المؤتمر أوراقهن التي تضمنت الحديث عن مواجهة الإعلاميات المستمرة للاحتلال الذي تكثفت في عام 2021، والاعتداءات الداخلية في تغطية الاحتجاجات.
 
الحاجة لخطة طوارئ
أعدت الباحثة ومنسقة مركز "حياة" لحماية وتمكين النساء والعائلات تهاني قاسم، ورقة بحثية بعنوان "صحفيات قطاع غزة تحت العدوان"، شخصت فيها واقع عمل الإعلاميات وما يواجهنه من عنف في قطاع غزة خلال تغطية الاعتداءات الإسرائيلية، وحددت من خلالها احتياجاتهن في ظل الأزمات والطوارئ كما قالت "تسعى الورقة إلى الخروج بنتائج يمكن البناء عليها في وضع خطط طوارئ تساهم في مساعدة الصحفيات لأداء مهامهن في ظل التصعيد، فالصحفيات في قطاع غزة تتعرضن لأنواع عنف مختلفة، منها الخوف الشديد جراء المشاهد التي يوثقنها خلال التغطية، والذي تعاظم خاصةً بعد استهداف الأبراج، وفقدان عائلات بأكملها لحياتها، ناهيك عما يرافقه من أعراض جسدية وسلوكية".
وأضافت "تطرقت في الورقة البحثية أيضاً إلى العنف الاقتصادي الذي أصاب صحفيات الـ "Free lancer" اللواتي فقدن مصادر الدخل نتيجة تدمير الاحتلال للمؤسسات الإعلامية أو نتيجة الاستهداف المباشر لمنازلهن، وللمنازل القريبة منهن، إذ لم يتمكن من استكمال التغطية بسبب انقطاع التيار الكهربائي والإنترنت، بالإضافة إلى إخلاء عدد منهن لمنازلهن ومكوثهن عند أقاربهن وهو ما قيدهن عن مواصلة العمل، كما تأثرت الصحفيات أيضاً بالعنف الاجتماعي المتمثل بالمعيقات التي تفرضها الأسرة على الصحفيات خلال التغطية الإخبارية "كونهن إناثا"، لاسيما الـ "Freelancer" منهن، لعدم تمتعهن بأية حقوق عمالية من تعويضات في حال الإصابة أو الوفاة، لعدم وجود عقود مبرمة بينهن وبين الجهات الإعلامية التي تعلمن لديها، هذا بالإضافة إلى تركيز بعض وسائل الإعلام في عملية التغطية على الرجال واستبعاد النساء واقتصار التغطية عليهن من داخل البيت".
أما التوصيات بشأن إيجاد بيئة داعمة للصحفيات خلال الطوارئ والأزمات أوضحت تهاني قاسم أن أهم احتياجات الصحفيات التي رصدتها الورقة البحثية تقديم خدمات الدعم النفسي وتوفير أدوات الحماية والسلامة لكافة الصحفيات، "لابد من إعداد خطة طوارئ بالتنسيق مع الأجسام الصحفية تقوم على تخصيص سكن مؤهل بكافة الاحتياجات اللوجستية تلجأ له الصحفيات خلال العدوان؛ لضمان توفير الحماية لهن، بالإضافة إلى توفير معدات السلامة والحماية، وتقديم خدمات الدعم النفسي والاقتصادي للصحفيات خاصةً المتضررات منهن"، مطالبةً المجتمع الدولي بضرورة "العمل على إدخال هذه الأدوات اللازمة إلى قطاع غزة، وتوفير غرفة عمليات مركزية تستخدم أوقات الطوارئ كبديل عن لجوء الصحفيين/ات لمستشفى الشفاء".
 
الصحافيات في المواجهة 
فيما أعدت الصحفية ليندا الشويكي ورقة بحثية بعنوان "الصحافيات في المواجهة ـ هبة أيار/ مايو 2021 في عموم فلسطين"، ناقشت فيها الصورة النمطية لتغطية المرأة للأحداث في فلسطين، والمخاطر والصعوبات الميدانية التي تعرضت لها الصحفيات، وأوضحت "تطرقت الورقة أيضاً إلى مخاطر التغطية الميدانية التي تتعرض لها الصحفيات سواء كن مستقلات أو يعملن في مؤسسات إعلامية محلية أو دولية، بالإضافة إلى الصعوبات والتحديات المهنية والعملية".
وبينت في ورقتها اعتماد عدد من الصحفيات في عموم فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي في التغطية، وهو أمر لم يكن شائع سابقاً، وأضافت "عرضت الورقة ما واجهته صحفيات القدس من سياسة التمييز لصالح الصحافة الإسرائيلية، لقد منعن من الدخول إلى مكان الحدث دون البطاقات الإسرائيلية التي لا تمنح لغالبيتهن".
وأوضحت "39.4% من العينة التي استهدفتها استبانة أعدت لدعم الورقة بحثياً تعرضن للاعتداء من قبل الاحتلال الإسرائيلي أثناء التغطية وهي نسبة عالية إذا ما قورنت بحجم العينة التي شاركت في تعبئة الاستبانة الموزعة على الصحفيات في الضفة والقدس والداخل المحتل اللواتي بلغ عددهن 33 صحفية، كما أن 21 صحفية تعرضن للضغوط والقلق النفسية كما واجهت 12 صحفية تحديات رقمية متعلقة بمواقع التواصل الاجتماعي وهو نوع جديد من التحديات ظهر في الهبة الأخيرة".
وأضافت "تبعاً لنتائج الاستبانة فإن 10 صحفيات شعرن بالخوف على حياتهن في ظل عدم وجود مؤسسات تدعمهن وتحميهن، و7 صحفيات عانين من التمييز ومحاولة تبسيط دورهن الصحفي، وصحفيتين لم تستطيعا تخطي الحواجز الجندرية، بالإضافة إلى عدم معرفة استخدام أدوات وأساليب الحماية، وعدم وجود دعم مالي لذلك".
وأشارت في ورقتها البحثية إلى أن 54.5% من الصحفيات تعانين من ضعف المورد المالي مقارنةً مع الجهد المبذول و51.5% من ندرة فرص العمل، و42.4% من ضعف التدريب على أساليب وآليات الحماية، وعدم توفر معدات الأمان أثناء التغطية، موضحةً أن 24.2% منهن يعملن بنظام القطعة.
بينما استعرضت الصحفية شذى حماد ورقة بحثية بعنوان "الصحفيات في المواجهة الداخلية"، ما تعرضت له الصحفيات الفلسطينيات في 26 و27 حزيران/يونيو الماضي من قمع عنيف ومتصاعد من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، في محاولة لحجب التغطية الصحفية لقمع التظاهرات التي شهدتها مدينة رام الله عقب اغتيال المعارض السياسي "نزار بنان"، وقد عمدت وضع الصحفيات في دائرة الاستهداف لخلق حالة من الردع.
وقالت "تدرس الورقة حالة الرفض والإدانة الحقوقية المحلية والدولية حيال الاعتداء على الصحفيات وتصاعد العنف الممارس من قبل السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية وإلى أين وصل هذا الرفض الحقوقي وما نتج عنه، كما تقيس الورقة أثر الاعتداءات التي مورست ضد الصحفيات على طالبات الإعلام اللواتي شارفن على التخرج والانخراط في العمل الصحفي خلال العامين المقبلين".
ودعت إلى ضرورة وجود إصلاحات وتدخلات قانونية تضمن حق العمل الصحفي وتحميه، وإحداث إصلاحات في جسم نقابة الصحافيين ودفعها لاستعادة دورها النقابي الحقيقي والفعال بالدفاع عن الصحفيات والصحفيين والوقوف معهم في وجه أي انتهاك يتعرضون له من قبل السلطة أو غيرها، بالإضافة إلى فتح مساحات حوار واسعة في أقسام الإعلام حول واقع العمل الميداني.
 
آثار نفسية حادة
وفي الجلسة الثانية للمؤتمر قدمت الصحفية عزيزة نوفل ورقة بحثية بعنوان "الآثار النفسية للعدوان والاعتداءات الإسرائيلية والداخلية على الصحفيات الفلسطينيات خلال أحداث عام 2021"، أظهرت فيها شهادات 28 صحفية هن عينة البحث، وتقييم أخصائيات نفسيات عملن معهن بعد الأحداث، الآثار ناتجة عن صدمات نفسية بفعل تعرضهن لوقائع غير طبيعية أدت إلى أعراض فورية كالخوف والقلق والتوتر، وأعراض جسدية أخرى منشأها نفسي كآلام المعدة والمفاصل والصداع، إلى جانب تأثيرات لاحقة كالانعزال والشعور بالوحدة.
وبعد تحليل شهادات الصحفيات قالت عزيزة نوفل "هنالك خصوصية للصحفيات بصفتهن "إناث" في التعامل مع تغطية الأحداث العنيفة من ناحية التأثير النفسي السلبي مقارنة بتأثيرها على الصحفيين الرجال، حدة الآثار النفسية للاعتداءات الإسرائيلية على الصحفيات الأمهات أكثر منها على غيرهن، وتختلف هذه الآثار تبعاً لنوع الاعتداء".
وأشارت إلى أن 19 صحفية من أصل 22 تعرضن للعدوان والاعتداءات الإسرائيلية تحدثن عن حاجتهن لتدخلات نفسية ولتفريغ نفسي عاجل كونهن يجدن صعوبة في التخلص من الآثار النفسية حتى اللحظة، "بعد مقابلات الصحفيات اللواتي تعرضن للاعتداءات أثناء تغطية مسيرات رام الله توصلنا إلى أنه بالرغم من مرور ثلاثة أشهر على هذه الاعتداءات لا تزال الصحفيات تعانين من آثار نفسية عميقة كالشعور الدائم بالملاحقة، وفقدان الأمان الشخصي، وعدم الثقة بالآخرين، والكوابيس ومشاكل في النوم".
ونوهت إلى كان لافتاً إجماع الصحفيات على الاستمرار بعملهن رغم الضغوط التي يتعرضن لها، بالإضافة إلى الإجماع على أهمية الدور الذي أدته مؤسسة "فلسطينيات" من خلال برنامج الدعم النفسي الذي نفذته معهن خاصةً في قطاع غزة.
 
توفير بيئة مساندة
فيما جاءت الباحثة في الشؤون السياسية نور أبو عيشة بورقة بحثية بعنوان "التدخلات لدعم وحماية الصحفيات والصحفيين"، لمناقشة سبل تعزيز دعم الصحافيين وتقييم الدعم الذي قدم لهن.
وعزت نور أبو عيشة قصور تدخلات المؤسسات الإعلامية الرسمية والنقابية والحقوقية في دعم وحماية الصحفيات والصحفيين من الاعتداءات، إلى أسباب موضوعية منها ضعف التمويل، وتأثير الانقسام، وأخرى ذاتية مثل سوء الإدارة. 
وأوضحت "أظهرت استبانة وزعتها على عدد من الصحفيات والصحفيين أن 80% من الصحفيين ضمن عينة الدراسة العشوائية مستاؤون من التدخلات المقدمة على مستوى الدعم اللوجستي من توفير مقرات وأدوات سلامة شخصية للصحفيين لا سيما للعاملين بنظام القطعة منهم، وتبعاً لـ 88% من المستهدفين/ات ضمن العينة قالوا إن خدمات الدعم النفسي التي قدمتها المؤسسات لم تكن مقبولة كونها غير كافية ولم تصل لكافة الصحفيين/ات، وفيما يتعلق برصد الانتهاكات فإن 20% من الصحفيين ضمن العينة عدوا هذه التدخلات غير كافية كونها لا تستند إلى خطط عمل منظمة ما يجعل عملية تطويرها والبناء عليها صعب للغاية".
وأوصت الورقة بضرورة إنشاء لجنة قانونية تستند إلى قاعدة بيانات ضخمة للصحافيين، وإيجاد فرص عمل للمصابين منهم، وتطوير برامج الدعم النفسي، ووضع استراتيجية إعلامية حقوقية رقمية، وتوفير مقر دائم للصحافيين في غزة والضفة، تتوفر فيها شبكة إنترنت على مدار الساعة.