الإبادة الأرمنية... قصص النساء في أفظع جرائم الإنسانية

"العيش معاً" عبارة يسهل قولها، لكن بعض الناس ربطوا وما زالوا يربطون عقدة كراهية لا يمكن فكها، والعديد من المجازر التي يتم تجاهلها والاعتقاد بأنها منسية عندما لا يتم الحديث عنها تفتح في الواقع الأبواب أمام ما يحدث اليوم.

سارية دنيز

مركز الأخبار ـ على مدى قرون شهد العالم مجازر مختلفة الأسماء والتواريخ بحق الهويات والأديان والطوائف، آلاف الأشخاص الذين انقطعت بهم سبل الحياة، وآلاف الأشخاص الذين أصيبوا بالعجز في تلك المجازر، شهد الناس لحظات لا يمكن أن تُمحى من ذاكرتهم ولو للحظة واحدة وحملوها كجرح نازف طوال حياتهم.

 

النساء الأرمنيات والإيزيديات والعلويات

النساء الإيزيديات اللاتي ذُبحن في منتصف هذا العصر في جوارنا مباشرةً، تم بيعهن في الأسواق واغتصابهن، واللاتي كنّ لا يزلن أطفالاً تم اختطافهن وتسويقهن على وسائل الإعلام الرقمية، وتم تحويلهن إلى خادمات في المنازل، والآن النساء العلويات.

مع تغيير الحكم في سوريا، أصبحت العلويات هدفاً للهجمات، يُذبحن أمام أعين العالم، ويريد العلويون أن تُسمع أصواتهم، وكذلك النساء والأطفال في غزة الذين يتعرضون للقصف في كل لحظة.

 

تناثروا مثل بذور الرمان

بينما يستمر التمييز في كل جانب، تذكرنا أوراق التاريخ بمذبحة وإبادة جماعية أخرى وقعت في 24 نيسان/أبريل 1915، وتستمر حالة التجاهل لهذه الإبادة الجماعية، وموقف العقل الذي يتصرف بمنطق "يجب حماية الدولة" مهما كان الأمر، الإبادة الأرمنية هو اسم هذه الحقيقة غير المقبولة رغم عشرات الوثائق والتجارب وروايات الشهود، والأرمن الذين كانوا يكسرون الرمان في اليوم الأول من السنة وفي الأعراس وافتتاح أماكن عملهم ويتمنون أن يتكاثروا مثل بذور الرمان، تناثروا مثل بذور الرمان في 24 نيسان/أبريل 1915 في هذه الأرض، كل ما كان يجمعهم مع الشعوب الأخرى في هذه الأرض قد تم محوه، ولكن ما حدث لم يُنسى أبداً، واستمرت آثاره لسنوات، وأصبح ما حدث أثناء الإبادة الجماعية كابوساً سيرويه أحفاد الناجين.

 

وقعت عمليات القتل الجماعي

مرت 110 سنوات على الإبادة الجماعية للأرمن، حيث عانت الأرمنيات من النفي والموت والبغاء القسري والتجويع والعنف والاغتصاب في هذه الإبادة، وفي 24 نيسان 1915، بدأت المجازر بأعضاء بارزين من المجتمع الأرمني وانتشرت إلى عمليات قتل جماعي ضد عامة الشعب، بعد ذلك التاريخ، وفقاً للروايات، لم يكن هناك أرمني لم يُذبح أحد من أفراد عائلته.

مثل بذور الرمان، تناثر الأرمن في أماكن مختلفة، ولم يلتم شمل بعضهم مع بعضهم البعض إلا بعد سنوات، حيث أن الإبادة الجماعية كانت بين الفترة الممتدة من ربيع عام 1915 إلى خريف عام 1916، والتي قُتل خلالها ما لا يقل عن 664 ألف وربما 1.2 مليون أرمني.

 

استُخدم الاغتصاب كسلاح

استُخدم اغتصاب النساء والأطفال الأرمن كسلاح حرب، وقد تم توثيق بعض جرائم الاغتصاب التي ارتكبت ضد النساء والفتيات، كما أفادت مصادر عديدة بارتكاب هذه الجريمة، وأرسلت شخصيات بارزة في ذلك الوقت عشرات الرسائل إلى سلطات دول مختلفة تطالب بحماية النساء والأطفال، وروى شهود عيان أن النساء قُتلن بعد تعرضهن للاغتصاب، وانتحرت بعضهن بعد هذا الفعل، ووُصف الاغتصاب بأنه جزء لا يتجزأ من الإبادة الجماعية.

وطوال فترة الإبادة الجماعية، تم اقتياد النساء عبر الصحراء السورية، وعُرضت النساء والأطفال عراة في البازارات وكذلك في المزاد العلني، وفي ذلك الوقت، كان يُنظر إلى بيع النساء على أنه "مصدر دخل مهم" للرجال.

في أعقاب الإبادة الجماعية، تمت محاكمة بعض المسؤولين العثمانيين والمدنيين لمسؤوليتهم المزعومة عن المجازر، سواء في محاكم ديوان الحرب التي أُنشئت داخل الإمبراطورية أو في المحاكم التي أنشأها البريطانيون في مالطا.

وقد نوقشت نتائج هذه المحاكمات على نطاق واسع، واعترف الجناة أثناء المحاكمات بجميع الجرائم المذكورة، وعلى الرغم من أن بعض من حوكموا حُكم عليهم بالإعدام، إلا أن معظمهم تمت تبرئتهم، أما اليوم، وبينما لا تزال المناقشات القانونية مستمرة، فقد ذُكر أنه لا يزال من الممكن محاكمة الجناة على الرغم من مرور 110 سنوات، ويشار إلى أن ذلك ممكن في حال الاعتراف بأن 24 نيسان/أبريل إبادة جماعية.

 

جرائم الكراهية مستمرة

في تركيا، لا يزال استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية للأرمن" جريمة جنائية، وقد حوكمت العديد من الأسماء ولا تزال تحاكم بتهمة "الإهانة العلنية للأمة التركية" بسبب هذا التعريف، وفي الوقت الذي يتم فيه إنكار الإبادة الجماعية، يُتهم أولئك الذين يقفون ضدها بـ "الخيانة".

وتستمر جرائم الكراهية ضد الشعب الأرمني، ففي هذه الأراضي التي يُستخدم فيها مصطلح "الأرمن" كإهانة وليس كتعبير عن شعب، ربما تكون الهجمات التي وقعت منذ سنوات هي استمرار لما يجري اليوم للهويات والمعتقدات المختلفة في تركيا أو سوريا، كما يستمر صراع النساء ضد القوى الذكورية التي تتغذى على نفس العقلية.

العديد من القصص من تلك الفترة، منها قصة شروق أورورا واحدة من النساء اللاتي عانين من الإبادة الجماعية، ولدت في عام 1901 باسم أرشالويس مارتيكيان، وكانت الثالثة من بين ثمانية أطفال لعائلة ثرية من المزارعين ومنتجي الحرير في ديرسيم.

عندما بدأت الإبادة الجماعية، كانت طالبة واعدة وعازفة كمان بارعة، شهدت مقتل والدها وشقيقها، وأُجبرت مع والدتها وأخواتها على المشاركة في ترحيل النساء الأرمن إلى الصحراء السورية، وفي الطريق، تم بيعها إلى نساء أحد زعماء القبائل، إلا أنها هربت ثم أُسرت وبيعت مرة أخرى وهربت مرة أخرى.

خلال هروبها الأخير، كانت تتغذى على أكل جذور النباتات لمدة 18 شهراً، وصلت أخيراً إلى أرضروم سيراً على الأقدام، حيث وضع إعلانات في الصحف للعثور على شقيقها الذي تم التخلي عنه للتبني لعائلة تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال هذا الإعلان، جذب انتباه الصحفيين وعلم الجميع بقصتها.

 

كانت ترعى 60 ألف يتيم

نُشرت روايات أرشالويس مارتيكيان عن الإبادة الجماعية في الصحف في نيويورك ولوس أنجلوس، نُشرت هذه الروايات لاحقاً في كتاب، حيث ظهر على غلاف الكتاب صورة لأرشالويس مارتيكيان بالزي الأرمني التقليدي، وبعد فترة وجيزة، تم تحويل الكتاب إلى فيلم، لعبت فيه دور البطولة تحت اسم شروق أورورا لحمايتها، وعُرض الفيلم في 23 دولة، ولم تتمكن أرشالويس مارتيكيان من العثور على شقيقها، لكنها أرسلت عائدات الفيلم إلى 60 ألف يتيم أرمني، وأصبحت واحدة من الأسماء التي أعلنت عن عمليات الاغتصاب الجماعي.

 

ماري بيلريان ونضالها

ولدت ماري بيلريان في إسطنبول عام 1877، عُرفت كصحفية وكاتبة وشاعرة ومعلمة ومدافعة عن حقوق المرأة، واصلت تعليمها في مدرسة بيرا للفنون وكتبت عن حياة النساء الأرمن في صحيفة أريفيلك (الشرق) تحت اسم مستعار هو كاليبسو، وفي وقت لاحق، بدأت العمل كمراسلة صحفية في "هنشك" الصحيفة التابعة لحزب الهونشاك الديمقراطي الاجتماعي الذي تأسس في الإمبراطورية العثمانية.

قامت ماري بيليريان بأنشطة تنظيمية وعملت على جمع النساء في العديد من مدن الأناضول، وخاصة في إسطنبول، وفي 15 تموز/يوليو 1890، قامت كمراسلة صحفية بتغطية أول مسيرة كبيرة ضد عبد الحميد الثاني، والتي كانت أيضًا أول مظاهرة لغير المسلمين على الأراضي العثمانية، وبعد بضع سنوات، كانت أحد منظمي مظاهرة باب علي التي هدفت من خلالها إلى تسليط الضوء على القمع والاضطهاد الذي تعرض له أرمن الأناضول.

تحولت مظاهرة ماري بيليريان التي أرادت فيها التعبير عن مطالب النساء إلى صدام دموي مع هجوم الشرطة، وفي نهاية المطاف، عاشت حياتها هاربة لفترة طويلة واستقرت في مصر، وصدر بحقها أمر بالقتل، وفي عام 1908، وبعد إعلان الملكية الدستورية، عادت إلى تركيا إلا أنها قُتلت أثناء الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915، ولا يزال المكان الذي قتلت فيه مجهولاً حتى اليوم.

 

زابل ياسيان والمنفى

وُلدت زابل ياسيان في 4 شباط/فبراير 1878 في أوسكودار لعائلة ثرية للغاية، وطوال حياتها، كانت واحدة من أبرز الشهود على الفقر والاضطهاد والمجازر، وبتشجيع من عائلتها، أُرسلت إلى باريس مثل العديد من المثقفين الآخرين في تلك الفترة، وفي عام 1894، درست الفلسفة والأدب في جامعة السوربون، وبينما كانت تعمل في الأكاديمية على التحليلات النظرية والدراسات القاموسية الفرنسية الأرمنية في الأكاديمية، نُشرت مقالاتها وقصائدها وقصصها القصيرة في المجلات الفرنسية والأرمنية، وتزوّجت وأنجبت طفلين.

عادت إلى إسطنبول عام 1902، وكتب العديد من الانتقادات الأدبية وسلسلة من المقالات في صحيفة أريفيليان مامول الأسبوعية السياسية والأدبية، وهي واحدة من 15 صحيفة أرمنية تصدر في إسطنبول وإزمير، في عام 1915، أُدرج اسمها في قائمة الأرمن المعترض عليهم في لجنة الاتحاد والترقي، وقضت حياتها في المنفى بين بلغاريا وأذربيجان ومصر وفرنسا ومصر.

وحتى نهاية عام 1918، عملت على مساعدة اللاجئين والأيتام في الشرق الأوسط، خلال هذه الفترة، بدأت بكتابة روايتين جديدتين هما "فيرتشين باكاغي" (الزجاج الأخير) و"هوكيس أكسوريال" (روحي في المنفى 1919)، عن الظلم الذي لحق بالشعب الأرمني، وفي عام 1933، استقرت في أرمينيا السوفيتية وشاركت في المؤتمر الأول لاتحاد الكتاب السوفييت في موسكو، وعلى الرغم من أنه غير مؤكد، إلا أنه يُزعم أنها توفيت في سيبيريا عام 1943.

 

زروحي كافالجيان... أول طبيبة

كانت زروحي كافالجيان أول طبيبة في تركيا، ونظراً لكونه كان ممنوعاً على النساء تعلم الطب في الإمبراطورية العثمانية، تخرجت من كلية البنات الأمريكية في أدابازاري عام 1989 وسافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة تعليمها، وفي عام 1903، بعد تخرجها من كلية الطب في جامعة إلينوي، عادت إلى أدابازاري وعملت طبيبة مع والدها.

وخلال الحرب العالمية الأولى، شاركت زروحي كافالجيان في أعمال الإغاثة للجرحى والمعرضين للخطر، وفي وقت لاحق، استقرت في إسطنبول وعُرفت باسم الدكتورة كافالجيان في كلية البنات الأمريكية في أوسكودار، حيث واصلت التدريس هناك.