"طيح سعدك وأخواتها" كتاب عن اللهجة الليبية

"طيح سعدك وأخواتها" كتاب اعتبره مختصون مشروعاً مهماً يوثق اللهجة الليبية المعرضة للاندثار إثر دخول لهجات أخرى عليها

ابتسام اغفير
بنغازي ـ ، ويشيرون إلى أنه سيكون عاملاً مهماً في إعادة اكتشاف الهوية الليبية من خلال اللهجة، ويعتبر بحثاً لغوياً بامتياز قد يؤسس مدرسة جديدة في الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية.
صدر الكتاب حديثاً عن دار الرواد للنشر والطباعة والتوزيع لمؤلفته فريدة الحجاجي، المرأة الليبية التي درست وتقيم في إيطاليا ولكن لم تنسيها الغربة لهجتها الليبية والاهتمام بها.
يقع الكتاب في 192 صفحة تتناول 59 عنواناً، شدنا العنوان كما شد العديد من الناس خاصة، وأنه يحمل لوحة ساخرة للفنان والرسام محمد الزواوي والذي يعد مدرسة قائمة بذاتها في مجال فن الكاريكاتير.
تقول فريدة الحجاجي لوكالتنا وكالة أنباء المرأة عن فكرة الكتاب "في فترة التسعينيات دخلت ابنتيّ للمرحلة الابتدائية وهما من الأطفال الذين ولدوا وعاشوا في الغربة بعيداً على البلاد، ولأن الدراسة كانت باللغتين الإيطالية والإنجليزية، انتابني الخوف من ضياع لغتهم الأم كما حدث مع كثير من العائلات التي اضطرتها الظروف للإقامة لمدة طويلة خارج البلاد، وتخيلت طفلتيّ عند عودتنا إلى ليبيا خلال العطلات وهما تتكلمان مع الآخرين بـ (المالطي) كما يحلو لليبيين تسميته أي بخليط من عدة لغات، الأمر الذي سيعرضهما للسخرية، وبالتالي سينعكس ذلك سلباً على علاقتهما بالناس وبالمكان".
وتستطرد عن فكرة الكتاب قائلة "لم اتردد باتخاذ قرار تعليمهنَّ اللغة العربية، واتفقت مع عدد من المدرسين العرب، ولكن بعد فترة تجريبية لم تعجبني طريقة تدريسهم، وعرفت أن هذه الأساليب لن تساعدهنَّ على تعلّم اللغة أو على حبها، فقررت إلغاء الدروس الخصوصية وأن أتولى بنفسي عملية تدريسهنَّ اللغة العربية كتابة وقراءة وقواعد".
فريدة الحجاجي وأثناء تدريب طفلتيها على استخراج الصفة والموصوف في اللغة العربية تفاجأت بأنهما قد وصفتا المرأة في الصورة بأنها "اقنينة"، وعكسها "شينة" بحسب اللهجة الليبية، حيث تقول عن هذه الإجابة غير المتوقعة "تسمرت في مكاني للحظات وشعرت ببعض الارتباك من الإجابة غير المتوقعة، ومن هنا انتبهت إلى أن اللغة الأم الطبيعية والتلقائية لطفلتيّ هي اللهجة الليبية وليست اللغة العربية الفصحى التي أحاول تعليمها لهما".
 
"لم أقع تحت تأثير اللهجات الأخرى الدخيلة"
وتقول عن هذه المفاجأة من طفلتيها أنها لم تمر مرور الكرام، "بعد إنتهاء الدرس فكرت ملياً في الأمر وخرجت بقرار آخر مهم، وهو ضرورة تعليم طفلتيّ كل ما يتعلق باللهجة الليبية، وليس فقط اللغة العربية الفصحى وقواعدها، وهي اللهجة التي احتفظت بمفرداتها وتعبيراتها المختلفة في ذاكرتي دون تغيير نظراً لإقامتي خارج ليبيا لفترة طويلة وبالتالي عدم وقوعي تحت تأثير اللهجات الأخرى الدخيلة"، وتضيف "منذ ذلك اليوم وأثناء اصطحابهما إلى المدرسة التي تبعد عن بيتنا حوالي الساعة والنصف بالسيارة وأيضاً أثناء رحلة العودة منها بعد الظهر، بادرت في تعليمهنَّ بطريقة لا تخلو من المتعة عن طريق ابتكار ألعاب لغوية مسلية تتناول اللهجة الليبية ومفرداتها، فضمنتُ بذلك درس يومي واحد للهجة وواحد في اللغة العربية الفصحى، والحقيقة وجدتُ أن الموضوع أصبح مسلياً حتى بالنسبة لي فاستمريت بإعطائهن الدروس خلال سنوات دراستهنَّ في المرحلة الابتدائية ثم الإعدادية وتوقفت عند دخولهنَّ المرحلة الثانوية".
 
ويكيبيديا اللهجة الليبية... موسوعة لا علمية
عن الأسباب التي قادتها لكتابة "طيح سعدك وأخواتها" تقول "خلال فترة عودتي لليبيا بعد غياب دام لأربعة عقود، تعرضت لحادث وهذا الحادث أدخلني في رحلة علاج، وفترة نقاهة مطولة، وقبل أن يسيطر الملل على حياتي، وجدتني وقد عادت بي الذاكرة إلى تلك الأيام التي كنت أقوم فيها بإعطاء بناتي دروس في اللهجة الليبية، وعند نقطة معينة أخذت ورقة وقلم وباشرتُ في تدوين الأفكار أياً كانت طبيعتها التي تراود فكري عن اللهجة الليبية، وللتغلب على الملل قررت نشر هذه الأفكار على صفحتي في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وابتكرت لها اسم (ويكيبيديا اللهجة الليبية) لتمييزها عن بقية منشوراتي، ولكني في نفس الوقت خشيت أن يعتقد الناس أنها دراسة بحثية أو علمية أو أكاديمية فيفتح ذلك باباً واسعاً للنقد على أساسٍ خاطئ"، وتضيف "الحلقات بدأت كمجرد خواطر وأفكار تتناول مصطلحات اللهجة الليبية وتجمع بين الفكاهة والمزاح، ولتحاشي ذلك الاحتمال كتبت مقدمة استفزازية تتصدر كل حلقة أقول فيها (ويكيبيديا اللهجة الليبية... موسوعة لا علمية تتناول مصطلحات اللهجة الليبية ولا تهتم بردة فعل القارئ).
 
"أضفت لها شيء من الرومانسية الليبية"
وتضيف فريدة الحجاجي بأن هذه المقدمة صاحبت جميع الحلقات المنشورة ولم تخلق أي نوع من الامتعاض بل أصبحت وكأنها "شعار" للسلسلة نفسها، "باشرتُ بين الفينة والأخرى في اختيار أحد المصطلحات من لهجتنا الليبية، أكتب حلقة عنه وأدرجها كمنشور على صفحتي، وتوالت الحلقات التي عادةً ما تجمع بين المعلومة والدعابة والمزاح بل والسخرية من بعض الممارسات في مجتمعنا الليبي، وأضفت لها شيء من الرومانسية الليبية بأبيات من قصائد وجدتها منشورة على مواقع الانترنت وصفحات السوشال ميديا المتخصصة في الشعر الشعبي الليبي".
بمرور الوقت لاحظت فريدة الحجاجي بأنه أصبح للويكيبيديا جمهورها من القراء الذين يتابعونها باستمرار، ولم يتوقف الأمر عند المتابعة والتعليقات والإجابات، وإنما أصبحت هناك طلبات متكررة ومُلحّة لتجميع حلقات الويكيبيديا ونشرها في كتاب بحيث تكون متاحة للجميع، وتقول عن ذلك بأنها كانت في كل مرة تتحجج بضيق الوقت ولم تأخذ الأمر بجدية، وكان عدد قراء الويكيبيديا يزداد بازدياد متابعيها وأيضاً بازدياد عدد المشاركات بحلقاتها على الفيسبوك من قبل الأصدقاء وغيرهم، كما نُشرت حلقات عدة منها على (السقيفة الليبية) وهي منصة تهتم بنشر الثقافة والفنون وبمتابعة كل جديد في المشهد الأدبي والفني والثقافي .
 
أصبح موضوع الكتاب غير قابل للتأجيل
توضح فريدة الحجاجي فكرتها حول الانتقال من الويكيبيديا على الفيسبوك إلى النشر على صحيفة (فسانيا) وأيضاً باقتباس أجزاء منها أُذيعت في بعض الإذاعات المحلية الليبية، "من الرسائل التي وصلتني عرفت أن لدي قراء ومتابعين حتى في بعض الدول العربية، فأصبح موضوع الكتاب غير قابل للتأجيل وباشرتُ في تجميع مادة الكتاب، وانتهزت فرصة افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب فسافرت إلى القاهرة للتعاقد مع أحد دور النشر وكنت محظوظة بالتعرف على دار الرواد الليبية العريقة".
وعن الجمهور الذي يستهدفه الكتاب تقول فريدة الحجاجي "الكتاب موجّه للقراء من جميع الأعمار ومن أي مستوى تعليمي أو ثقافي في المدن الليبية، وأيضاً موجه للمهتمين والباحثين في الانثروبولوجيا وثقافات الشعوب واللهجات المحلية، وأستطيع القول إن له القدرة على تحقيق عدة أهداف في ذات الوقت تبعاً للزاوية التي ينظر منها القارئ لمحتواه، والعديد من هذه الأهداف تجدونها جلية في هذا السرد".