ثلاث مهندسات يوثقن الأماكن الأثرية الفلسطينية إلكترونياً بالتعاون مع اليونسكو

تخضع الأماكن الأثرية في فلسطين لعمليات الطمس والسرقة كما تتعرض البقية الباقية من الأبنية التراثية إما لعمليات التعرية بفعل التغيرات المناخية والأحوال الجوية أو الهدم من قبل السكان المحلين

رفيف اسليم 
غزة - ، دون أي إجراءات من قبل الحكومة للمحافظة عليها وخاصة في قطاع غزة.
بالرجوع إلى السجلات التاريخية يعود آخر توثيق للمباني الأثرية إلى عام 1995، وقد نشر في جريدة الوقائع الفلسطينية، ثم تلاه توثيق مؤسسة رواق لعام 1999، ومنذ تلك الفترة وحتى اليوم لم يهتم أحد لتثبيتها في السجلات أو إضافة الأماكن الأثرية الجديدة التي بلغ عمرها مائة عام فأكثر، فتركت تلك الأماكن والمباني للحظ أو الصدفة كي يُعتنى بها ويحافظ عليها.
جميع تلك الأسباب السابقة دفعت ثلاث مهندسات معماريات في قطاع غزة (نسمة السلاق، ميار حميد، سندس النخالة) لتخصيص وقتهنَّ وجهدهنَّ للعمل على توثيق جميع المباني الأثرية في قطاع غزة إلكترونياً عن طريق تطبيق أطلقنَّ عليه اسم "كنعان" كمرحلة أولى، لتنال تلك الفكرة إعجاب وزارة السياحة الفلسطينية وتتواصل معهنَّ لتطلب منهنَّ أن يشمل توثيقهنَّ الأماكن الأثرية بالضفة الغربية أيضاً مع تزوديهنَّ بكافة المعلومات اللازمة.
المهندسات الثلاث تحدثن لوكالتنا وكالة أنباء المرأة عن هذا التطبيق.
 
البداية والتمويل
تشير المهندسة نسمة السلاق ذات (29) عاماً إلى أن الفكرة ظهرت في عام 2014، عندما كانت تنهي تدريبها الجامعي في مركز إيوان للتراث، فتساءلت "لماذا لا يتم ربط المباني القديمة بالنظام الإلكتروني الحديث"، فوجدت أن إنشاء تطبيق هو الطريقة الأنسب لذلك، لافتةً أنها لم تنتهي من العمل عليه بعد، لأن المواقع الأثرية الموثقة هي في نطاق غزة فقط، بينما ستعمل هي وفريقها خلال الفترة القادمة على توثيق الأماكن داخل الضفة الغربية أيضاً وفق رغبة وزارة السياحة الفلسطينية. 
وتقول إن التمويل سابقاً كان ذاتياً من قبل عدة متطوعين أعجبتهم الفكرة، وأنه في عام 2018 طرحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" عطاءات بهدف توثيق الأماكن الأثرية في قطاع غزة بسجلاتها الأثرية من حيث عمر المبنى ومحتوياته والضرر القائم فيه وإمكانية اصلاحه، فنالت فكرة تطبيق كنعان إعجاب المنظمة من بين عدد كبير من الأفكار المطروحة.
وتضيف نسمة السلاق أن الفكرة كانت عبارة عن تطبيق يتيح للمستخدم زيارة الأماكن الأثرية في قطاع غزة والتجول فيها عن طريق اللمس عبر هاتفه الذكي وهو يجلس مكانه وبتقنية ثلاثية الأبعاد، لافتةً أنها ليست المرة الأولى التي يحقق بها تطبيق كنعان نجاحاً فقد فاز من قبل بجائزة "الأليسكو" التي منحتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم على مستوى فلسطين وعلى المستوى الوطن العربي أيضاً.
وتشير نسمة السلاق أن طول مدة العمل على المشروع حكمت بتغير الفريق الذي يتكون من مهندسان مدنيان ومهندسان معماريان ومصوران أكثر من مرة وذلك وفقاً لكل مرحلة واحتياجاتها، مضيفةً أنه بعد تجميع قاعدة ضخمة من البيانات برفقة الفريق استعانت بمهندسين من قسم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات للعمل على إدخال تلك البيانات كاملة مع الصور والفيديوهات ليصبح التطبيق شامل لكافة مناطق قطاع غزة الأثرية بحلة تجريبية جاري العمل على تطويرها.
 
سبب تسمية وإنشاء التطبيق
تشير المهندسة ميار حميد ذات (23) عاماً، أن التطبيق الإلكتروني الذي يوثق الأماكن الأثرية الفلسطينية سمي بـ كنعان نسبة إلى أولى القبائل الفلسطينية التي سكنت فلسطين قديماً سنة (3000) ق.م، ليكون اسم التطبيق ذا دلالة رمزية وتاريخية لأي مستخدم سيحمله ويستخدمه فيما بعد، مشيرةً أن فكرة التطبيق بدأت كنموذج تطبيقي صغير لموقع تل عامر في قطاع غزة أي لمكان أثري واحد فقط.
وتكمل أن توثيق (311) مبنى و(66) موقع أثري في قطاع غزة بالإضافة إلى العملات النقدية والأواني الفخارية والخزفية والعديد من القطع الأثرية الأخرى التي ظهرت خلال عمليات التنقيب تحت الأرض لم يكن سهلاً، لافتةً أن الأمر استغرق ما يقارب السبع سنوات بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والسياحة لمنح التصاريح اللازمة لدخول تلك الأماكن في ظل رفض غريب ومهاجمة من قبل بعض السكان الراغبين بهدم بعض المباني والتخلص منها.
أما بالنسبة لفكرة التطبيق عبر الهاتف الذكي تلفت ميار حميد أن الجيل الجديد من الشباب لا تروق له فكرة البحث من خلال الورق خاصة عندما يتسع العدد ويحوي احتمالات لنتائج البحث أكثر فكانت الفكرة هي تجميع البيانات من خلال الزيارات الميدانية لإدخالها كاملة إلكترونياً، لافتةً أن التطبيق يوفر بالإضافة لتلك المعلومات خارطة ولافتات توضح المكان والزمن الذي تستغرقه للوصول إلى المكان سيراً على الأقدام والاتجاهات في حال اتخاذ المستخدم وسيلة نقل.
 
تفاعل كبير من قبل المتابعين
تبين ميار حميد أنها عندما شاركت صور التطبيق ورحلاتهم الميدانية خلال البحث على حسابها الرسمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي انستغرام لاقت تفاعل كبير من قبل المتابعين الذين كان سؤالهم هل هذه المناطق الأثرية في بلادنا؟ ... كيف يمكن أن نذهب إليها؟... وأين رابط التحميل لمشاهدة باقي الصور؟. لافتةَ أنها مع إصرارهم المستمر عبر الرسائل على الصفحة، أرفقت المحتويات والصور لموقع إلكتروني أسمته كنعان إلى أن يصبح التطبيق جاهز للتحميل.
وتشير ميار حميد أن الحكومة في قطاع غزة لا تهتم كثيراً بتوثيق تلك الآثار أو تسميتها للبحث في تاريخها، لكن وزارة السياحة في الضفة بعد أن شاهدت ما قام به الفريق من عمل، نال ذلك الجهد إعجابهم وطلبوا منا البدء بتوثيق المناطق الأثرية في مدينة جنين كخطوة أولى، مكملةً أنه بلغ عدد تلك الأماكن (800) مكان، آملين أن يتوسع العمل خلال السنوات القادمة ليغطي تطبيق كنعان كافة المدن الفلسطينية.
 
صعوبات العمل وصلت للموت
تلفت المهندسة سندس النخالة ذات (26) عاماً أن الكنيسة البيزنطية وتل زعرب وتل السكن وتل العجول إضافة إلى العديد من المساجد والبيوت والكنائس، ومتحفي العقاد والخضري هي من أشهر المناطق الأثرية التي من الممكن الوصول أليها في غزة، مبينةً أن البعض الآخر من تلك الأماكن كان مهدم وقديم ولم يكن له مدخل فاضطروا الدخول إليه من خلال أسطح الجيران ثم التسلل عبر الحبال أو السلالم الخشبية ليستطيعوا مشاهدة المكان ومحتوياته كاملة.
وتضيف سندس النخالة أن بعض أصحاب البيوت الذين تزيد أعمار منازلهم عن مائة عام كانوا يرفضون التعامل مع الفريق ويقومون برميه بالحجارة أحياناً ظنا منهم أنهم موظفين من قبل وزارة السياحة الفلسطينية، مشيرةً أن تلك الفئة كانت ترغب في هدم تلك البيوت للاستفادة من قطعة الأرض أو بيعها لذلك لا ترغب أن تضع الحكومة الفلسطينية عليهم إلزام أو ضوابط في الحفاظ عليها من أي إجراءات تطمس هويتها. 
وتقول سندس النخالة أنهم لم يستطيعوا الوصول إلى بعض المواقع أو زيارتها لوقوعها على نقاط التماس أي في المناطق الحدودية مع "الاحتلال الاسرائيلي" الذي لا يتوانى عن رمي كل من يقترب من تلك الحدود بالرصاص فكانت محاولة وحيدة للفريق ومن ثم عادوا أدراجهم كي لا يفقد أحدهم حياته، مختتمة حديثها بالقول إن ذلك كان أصعب ما تعرضنَّ له خلال الثمانية أشهر الماضية في جولاتهم الميدانية.