سلامة الصالحي: هناك تخوف وارتياب من مجتمع لايزال يشهر السلاح بوجه الكلمة

يعبر الكاتب دائماً عن هموم الآخرين، فعندما يتخطى حدود الأنانية يُعبر عن ذاته وهمومه في كل مكان، فبذلك يكون قد عبر حفرة الوعي وصار إنجيلاً ونبياً مبشراً بفجر جديد

غفران الراضي 
بغداد ـ ، بهذا النغم الكلامي تعبر الأديبة والشاعرة العراقية سلامة الصالحي عن رؤيتها لضمير الكاتب.
سلامة الصالحي من مواليد عام 1964 من محافظة الديوانية، التحقت بكلية الطب البيطري في بغداد، لتكون اليوم مستشارة في الطب البيطري مواكبة للنضوج العلمي بالنص والحرف لتكون واحدة من أهم الشاعرات. 
تقول سلامة الصالحي لوكالتنا عن شغفها وبداياتها في المطالعة وعن تأثير البيئة في مخيلة الكاتب "كانت بداياتي من خلال القراءة في سن مبكرة وبذلك تشكل الوعي لدي مبكراً، كانت المدارس تهتم بالموهبة وتشجع عليها وكذلك البيئة الشاعرية للعراق التي تمثلت بمائه ونخيله، وبيوت الأهل والموسيقى والرسم، ويكون للشاعر الدور الأكبر في كسر قشرة الشعر وإخراج جنينها"، وتؤكد على أن دعم عائلتها وصديقاتها كان له الدور الأكبر في إبراز موهبتها.
 
"قد يولد الإنسان كاتباً أو شاعراً"
في الحديث عن الموهبة وبناءها أوضحت سلامة الصالحي أن الموهبة الموروثة تكتمل مع الظروف والأحداث التي تصنع الأفكار المركبة للكاتب أو الشاعر، مؤكدة ذلك بقولها "قد يولد الإنسان كاتباً أو شاعراً عندما يتوفر الشغف والموهبة في جيناته، وعند توفر الظروف الملائمة ينضج هذا الأديب وتختمر الأفكار، فينضج ما عكسته البيئة عليه وتتفاعل مع المعنى الأساسي الموجود هناك في أعماق الروح".
وتضيف "قد يصنع الكاتب الظروف والأحداث من حوله والبيئة بدورها تعمل على خلق الانسجام بينهم، فالعقل يولد صفحة بيضاء يضيف لها الحس والتجارب، وتندمج الأفكار البسيطة لتتكون الأفكار المركبة". 
وتعتبر سلامة الصالحي أن الكاتب والأديب ضمير الأمة ووعيها، وطريق للتعبير عن الهموم التي تلاحق المجتمع، "الكاتب رسول يُعبر دائماً عن هموم الآخرين، فعندما يتخطى حدود الأنانية يُعبر عن ذاته وهمومه في كل مكان، فبذلك يكون قد عبر حفرة الوعي وصار إنجيلاً ونبياً مبشراً بفجر جديد".
وتشدد سلامة الصالحي إلى أهمية الموروث الثقافي للكاتب، وضرورة ارتباطه بمتطلبات الحياة وتطورها بقولها "لكل كاتب موروث ثقافي وحضاري استمده من الأمة التي خرج منها، عندما يستثمر هذا الموروث بشكل إنساني يرتبط بمتطلبات الحاضر سيعبر عن طموح أوسع، ليس لشعبه فقط إنما لشعوب كثيرة... وهي تجاوز الأدلجة وأصفادها وأنسنة الكتابة لتعبر عن محنة الإنسان وسبل تجاوز المعاناة والعذاب وتحقيق العدالة".
وعن رغبة الشباب بالانفكاك من أسر الأفكار التي تتحكم بالحاضر تقول "غالباً ما تكون الأفكار التي تتحكم بالحاضر ميتة ومهترئة، فتلك الرغبة مدعاة للتحرر منها والانطلاق من أسرها لأنها تضع العصا في عجلة التطور والارتقاء".
 
"هناك تخوف من الغزل الجريء في نصوص المرأة الشاعرة"
تجد سلامة الصالحي أن القيود المفروضة على النص وتفاصيله خصوصاً عندما يكون الكاتب أو الشاعر امرأة، سمة من سمات المجتمع العربي والعراقي على وجه الخصوص "هناك تخوف من كلمات الغزل الجريء في كتابات ونصوص المرأة... لما يخلقه هذا الغزل المباشر من تأويلات، ولسان قادر أن يكون كالسكين ينحر وجود الشاعرة ويقتلها اجتماعياً". 
وتؤكد على أن الخوف والارتياب لا يزالان موجودان في مجتمع يشهر السلاح بوجه الكلمة، بينما المرأة والحديث لسلامة الصالحي تعبر عن مفهوم عام لما تعانيه بنات جنسها، "تتطرق الكاتبة من خلال طرحها لمعاناتها الذاتية إلى المعاناة العامة والمشتركة بين شريحة كبيرة من المجتمع وتعنى بالكثير من النساء، لأن رحلة الوعي ورسالته صعبة ومتعثرة وتواجه الكثير من السخط والرفض، إنما بالصبر والشجاعة من الممكن طرح ما تريد".
وحول تجسيد قضايا المرأة والصورة العظيمة لشخصيتها وأهم ما تضمنته نصوصها من صور للمرأة تقول سلامة الصالحي "هناك صور عظيمة للمرأة تتمثل في صبرها ومكابدتها عند فقدها لأحبتها وفراقهم وفي عوزها، وتعففها في كبرياءها وشموخها في إبداعاتها، وإصرارها وشجاعتها ومواجهتها للموت، والتجاهل والقسوة والأيدولوجيات المدمرة، هذه الصور حاولت أن اضعها في نصوص وقصائد تغذي ضمير المجتمع ليكون النص محرك التغيير الإيجابي في المجتمع". 
وتضيف "تضمنت بعضاً من نصوصي صوراً عظيمة للمرأة كما ذكرنا آنفاً، متمثلة في شخصية أمي التي كانت تجلياً لكل الجمال، عن الصابرات الصامتات على جلدهن... عن المبدعات البارزات، عن زارعات المحبة والحنان والسلام". 
بالإضافة لذلك تجد سلامة الصالحي أن عجلة تطور النصوص تدور بسرعة كبيرة، بينما ينادي الشباب بالحرف للتغيير وتقليم مورث الماضي السيئ وكسر الطوق المقيد بالسلب، "تجارب الشباب واعدة وتحمل بين طياتها الأمل الكبير، ومادامت هناك بذرة ستنضج وتصبح كشجرة سرو عالية".
واختتمت بالتأكد على أن "التجدد في النص والفكرة والرؤية وكسر تابو الموروث المقيد، سيؤدي إلى أفكار لحياة خالية من الخزعبلات والأحقاد". 
وفي رسالة وجهتها سلامة الصالحي للشاعرات الشابات تقول "على الشاعرات المبتدئات الإكثار من القراءة والمطالعة، وتنمية وعيهن، وأن يتحلين بالشجاعة والسمو الروحي".
وكانت الشاعرة سلامة الصالحي قد أصدرت 12 ديوان شعرياً، من أبرزها "ذاكرة الجرح، أحلام الرماد، جنوب تنحته الانوثة، غيمة الشيطان، ثيابها ماء، خيمة الماء، لوعة الذاكرة، غابة المسرات، خطايا آدم، الصحراء تتجول في دمي، راسبوديات وهي مجموعة مشتركة، أنا وهمك المقدس".