المرأة السريانية لسان ينطق بحكايات الأجداد ومرآة تعكس عراقة الفن

لكل شيء قصة وعبرة وسبب في التاريخ، وكذلك الرقصات والدبكات السريانية العريقة، والتي لها تاريخ يمتد إلى ذلك الوقت الذي ظهر فيه الشعب السرياني

هيلين محمد
قامشلو ـ ، ولهذا تعمل المرأة اليوم على نقل هذا الفن من جيل إلى جيل وتعليمه للناشئة، وتروي قصص الدبكات والرقصات الشعبية وأصولها.  
حركات رشيقة وسحر أخاذ تتألق بها الدبكات الفلكلورية السريانية، رقصات جماعية لها تاريخ طويل وقصص متعددة لا يزال يتناقلها الشعب السرياني حتى يومنا الحاضر، كل ذلك يبرز من خلال التدريب على الرقص والدبك السرياني، بين جدران دار نعوم فائق للثقافة والفن السرياني في مدينة قامشلو بشمال وشرق سوريا، ليعيش الشعب السرياني فناً أوجده الأجداد وتناقله الأحفاد.  
مدربة الرقص السرياني مريم بطرس بشير وخلال لقاء مع وكالتنا وكالة أنباء المرأة قالت إن الهدف الأساسي لتعليم الرقص السرياني هو الحفاظ على التراث والتقاليد ونقلها من جيل إلى جيل، إضافة إلى نشر عبق التراث السرياني لكل شعوب المنطقة والعالم، والحفاظ على هذه الأمانة التي يحملها الجيل الجديد على كاهله.  
مريم بطرس بشير تدرب الأطفال على الرقص السرياني، في دار نعوم فائق للثقافة والفن السرياني التي تم تأسيسها بتاريخ 19 أيار/مايو 2019 في مدينة قامشلو ومنذ ذلك الوقت وهي تعمل على دعم المواهب الفنية والثقافية، وبدأت الدار باستقطاب المواهب من خلال عدد من الإعلانات التي تم عرضها على فضائية سوريو TV. 
ولفتت مريم بشير إلى أن الدبك الفلكلوري جزءٌ لا يتجزأ من عادات وتقاليد الشعب السرياني "الموسيقا والدبكات الفلكلورية السريانية قديمة من عمر السريان الأوائل، وكل دبكة تحمل معنى خاص بها"، مشيرة إلى أن دبكة الشيخاني تعني "الحرارة" ففي السابق كان القدماء عندما يشعرون بالبرد يدفئون أنفسهم عن طريق الدبك الفلكلوري، وأصبحت فيما بعد هذه الدبكات حاجة يومية، بدأت بحركات بسيطة وتطورت مع الزمن والوقت، حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم".
في الواقع لا يوجد تاريخ محدد لنشأة الدبكات السريانية، نظراً لأن الشعب السرياني من الشعوب الأصيلة في مناطق شمال وشرق سوريا على وجه التحديد، فيرجح أن تاريخ الدبكات بدأ مع بداية التاريخ السرياني، ومن المعلوم أن أغلب الدبكات التي تشتهر في المنطقة هي سريانية الأصل، وحتى تسمية" سوريا" مشتقة من لفظة "السريان". 
وعن الروايات المتناقلة حول الدبكات الشعبية، قالت مريم بشير بأن دبكة "الكوباري" تمثل قصة حدثت في الماضي، حيث أن "أبطال القصة هن ثلاث فتيات زوجنَّ في نفس اليوم إلى القرية المجاورة، وعند مرور موكب العرائس، وفي الطريق الجبلي للوصول إلى القرية التي زوجنَّ إليها، انهمرت الثلوج وسقطت على الموكب، مما أدى إلى موت جميع من كان في الموكب، ولكن نظراً لغزارة الثلوج دفنوا فيها وتعذر إخراجهم من تحتها، مما اضطر الناس للانتظار حتى فصل الربيع لإخراج الجثث، ولتكريم ذكرى الموتى في هذه الحادثة بدأ الناس بالقيام بهذه الدبكة التي تدعى بدبكة " الكوباري" أو دبكة" الأمل والربيع".  
وذكرت مريم بشير كذلك قصة لدبكة أخرى من التراث السرياني والتي تدعى " التيوي" والتي تعني عصر العنب، وهذه الدبكة جاءت من قيام الأجداد بجلب النساء العذارى ليقمنَّ بعصر العنب في موسم العصر، نظراً لقداسة هذا اليوم بالنسبة لهم.
وأما بالنسبة للتطورات التي طرأت على الدبكات الشعبية السريانية، أشارت إلى أن إحدى الدبكات التي شهدت تطوراً هي دبكة "الإيزياتمه" والسبب يرجع إلى عدم تطابق معنى الأغنية مع الدبكة، ولأن الأغنية لم تكن تحتوي كلمات سريانية بالكامل، إذ كانت تلفظ بعض كلمات الأغنية بغير لغة، ودبكة" الايزياتمه" تعني "هيا بنا لنذهب إلى الحرب"، لكن الكلمات لم تكن تحتوي هذا المعنى، لذلك تم استبدال الأغنية بأخرى كلماتها سريانية، بالإضافة لكلمات تحمل المعنى الأساسي للدبكة"، مضيفة "بالنسبة للرقصات فإننا نعتمد بشكل أساسي على الدبكة، لأنها أساس اللوحات مع مراعاة التشكيل المسرحي وتلائم المهرجانات والمسارح التي نقدم عليها".
وعن مدى التفاعل بين المدربين والمتدربين، أكدت أن التفاعل كبير جداً، لأن مجال الدبكات الشعبية يندرج تحت إطار المتعة والترفيه "بالنسبة لي عندما كنت متدربة كنت متحمسة جداً، للوقت الذي أتدرب فيه، وهذا الإحساس كان شديد الروعة، وكمدربة أحاول تفهم المتدرب وتقديم كل ما أملك من معلومات، ليقدم هو بدوره مكنوناته من إبداع".
ومع بداية عمل الدار أطلقت دورات تدريبية للعزف على الآلات الموسيقية، والغناء، والفلكلور، إلا أن التدريبات توقفت بسبب جائحة كورونا، وهذا ما أدى إلى تقلص عدد الطلاب، وفي الشهر التاسع من عام 2020، فُتحت أبواب الدار من جديد لتستقبل المتدربين والمتدربات، ووصل عددهم إلى ما يقارب الـ 85 شخصاً.
ولم تنسى مريم بشير التطرق إلى الصعوبات، قائلةً إن أي مجال من مجالات الحياة لا يخلو من الصعوبات، "في السابق عانينا من تضارب أوقات المدرسة مع أوقات التدريبات، كون المتدربين والمتدربات طلاب مدارس، ولهذا اقتصرت أوقات التدريبات على فترة العطل، لنتجنب تشتيت التلاميذ وأبعادهم عن دراستهم"، مضيفة "ثاني صعوبة عانينا منها هي الهجرة وهي ما يعتبر أصعب أمر واجهنا حتى الآن، فبعد تعليم المتدرب وتهيئته لفترة من الزمن يهاجر إلى خارج البلاد".
ولفتت مريم بشير إلى احتواء الدار سابقاً على فرقة "إنانا للفلكلور" وكورال غناء من ذوي الأعمار الصغيرة، "بعد إغلاق الدار لفترة وافتتاحها من جديد بدأ تأسيس الفرق من جديد، وفريق الرقص السرياني أحد هذه الفرق، إضافة لفرق القرع على الطبول والتي تشارك فيها نسبة جيدة من النساء". 
وفي سياق الخطط المستقبلية لتطوير العمل في هذا المجال، بينت مريم بشير أن أهم خطة يعملون عليها هي تدريب الفريق على جميع الرقصات، لجعلهم قادرين على تقديم جميع العروض "خططنا لإظهار تطورنا خلال المناسبات القومية، حتى نكون قادرين على نشر وإحياء أعيادنا التي دفنت في خضم هذه الأزمة، وتم منعنا من الاحتفال بها نظراً للأوضاع الراهنة"، وعن كيفية التطبيق أوضحت أن عليهم أن يكثفوا تدريباتهم ليصلوا لجميع أهدافهم المستقبلية.
وفي ختام حديثها لفتت مدربة الرقص السرياني مريم بطرس بشير النظر إلى أن الفرقة لا تزال ذات تأسيس حديث العهد ولم تبرز بعد، ولكن بالنسبة للفرق السريانية المتواجدة ضمن مدينة قامشلو، فإن تفاعلاتهم على المسارح واضحة بشكل كبير، سواء أكان داخل المدينة أو خارجها "هنالك العديد من المشاركات في المهرجانات وبكافة المناسبات، وحصدت العديد من الفرق السريانية جوائز متعددة".   
يذكر أن افتتاح الدار جاء نظراً لنقص عدد الفرق والمؤسسات التي تعمل للحفاظ على الثقافة والتراث السرياني، نتيجة الأوضاع المتردية في المنطقة منذ عام 2013ـ 2014، ولهذا ارتأت الجمعية الثقافية السريانية، أن تفتتح دار نعوم فائق للحفاظ على الثقافة السريانية والوصول لأكبر عدد من أبناء المجتمع، بدعم من هيئة الثقافة والفن.