الخط المغربي بأنامل نسائية... هدفهنَّ إعادة الأمجاد للفن

سجلت المرأة المغربية خلال السنوات الأخيرة حضوراً في مجال الخط العربي والمغربي على وجه الخصوص، بعدما كان هذا الحقل الإبداعي يسجل حضوراً طاغياً للرجل فيما مضى

حنان حارت 
المغرب ـ ، وقد تمكنت المرأة منذ ولوجها لهذا المجال أن تعكس خصوصيتها الأنثوية عبر أعمال فنية تتسم بالرقة والأنوثة والشفافية والدفء.
ويشير الخط المغربي إلى مجموعة الخطوط العربية المترابطة التي تطورت في بلاد المغرب شمال إفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيربية وغرب السودان، وينحدر الخط المغربي من الخط الكوفي، حيث يكتب بقلم سميك، ليبدو الخط في غاية الاتزان، ويستعمل في أعمال النساخة والتدوين والزخرفة.
في المغرب توجد مؤسستان عموميتان لتعليم الخط العربي، واحدة في مدينة الدار البيضاء، وتحمل اسم أكاديمية الفنون التقليدية وتم إحداثها سنة 2012، ومدرسة الصهريج التابعة لجامعة القرويين في مدينة فاس، إضافة إلى مركز خاص بمدينة وجدة في الجهة الشرقية.  
في التقرير التالي ستحاول وكالتنا وكالة أنباء المرأة، تسليط الضوء على مجال الخط المغربي للتعرف على سبب إقبال النساء على تعلمه، والذي كان لسنوات حكراً على الرجال.
 
لم يعد حكراً على الرجال
يقول رئيس مركز تعليم الخط العربي والزخرفة بمدينة وجدة شرق المغرب محمد أمين بوحيد "المجال لم يعد حكراً على الرجال، نسجل اليوم إقبالاً كبيراً من الفتيات والنساء على تعلم الخط العربي، حيث يتم تعليمهنَّ القواعد الأساسية وإعطائهنَّ تطبيقات عملية ينفذنها خلال الأسبوع".
ويضيف "مجموع الطلاب في المركز خلال هذه السنة يصل إلى خمسة وأربعين شخصاً، من ضمنهم ثمانية وثلاثين امرأة من مختلف الأعمار".
وبسؤال الخطاط محمد أمين بوحيد عن دور المرأة المغربية ومستواها يقول "يشكل تواجد المرأة المغربية على ساحة الخط العربي نسبة كبيرة، وهي تهتم بهذا الفن من منطلق اهتمامها بهويتها وتراثها وتاريخها؛ لتعبر عنه من خلال فن الخط، والذي تنافس فيه الرجل لتصل مرحلة الإتقان والإبداع التي نلمسها من خلال اللوحات".
وعن سبب إقبال النساء المتزايد الذي بات يعرفه هذا المجال خلال السنوات الأخيرة، أشار إلى أنه "في السنوات الماضية كان يسجل المجال إقبالاً كبيراً من قبل الرجال، لكن خلال السنوات الأخيرة بات هذا المجال حكراً على النساء، ونادراً ما يستقبل المركز ذكوراً يريدون تعلم فنون الخط العربي والمغربي"، ويرى أنه "ربما يعود إقبال النساء على تعلم فن الكتابة والخط لأنهنَّ صبورات ويتميزنَّ بالدقة في إنجاز الأعمال اليدوية".
 
 
فرق كبير بين الخطاطة التي لم تتعلم وبين من درست 
في نفس المدينة، مدينة وجدة، تعيش الخطاطة لطيفة حدادي، التي تمارس فن التخطيط منذ أربع سنوات، تقول أن النساء بتنَّ اليوم ينجذبنَّ بشكل كبير إلى هذا المجال، الذي كان بالأمس حكراً على الرجل، وتضيف أن دخولها المجال جاء بالصدفة ولم يكن مخططا له؛ "دخلت إلى هذا المجال ظناً مني أنه مثل الرسم التشكيلي يستوجب الموهبة أولاً"، لكنها بعدما درسته اكتشفت أنه بحر عميق.
وتقول "أعجبت بطريقة فن الخط والزخرفة وطريقة كتابة الأحرف؛ فجمعت بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي"، وتضيف "حاولت تطوير ذاتي باستمرار، أربع سنوات مرت على ولوجي لهذا المجال ولم أتوقف يوما عن الدراسة، فما زلت أتابع دراستي لتعلم مختلف أنواع الخط العربي والمغربي، من أجل امتلاك مهارة الكتابة الأصيلة الجميلة".
وتتابع "لازلت أعتبر نفسي في أول سلم تعلم هذا الخط، رغم أني أصبحت أتقن خطوطه"، مشيرةً إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين الخطاطة التي لم تتعلم قواعد الخط وتقوم بالكتابة بطريقة ارتجالية، وبين الخطاطة التي درست القواعد وتكتب كل حرف تبعاً للقاعدة والميزان، "عملية رسم الحروف تتطلب توظيف النقطة والحرف والمساحة واللون، من أجل نسج الإبداع الخطي وفق مقومات جمالية في نسق بديع".
وتعشق لطيفة حدادي خط الثلث المغربي، "برأيي لا يعتبر الخطاط فناناً ما لم يتقن خط الثلث، فمن أتقنه أتقن غيره بسهولة ويسر، ويجب أن يكون الخطاط دقيقاً حتى لا يخطئ في رسمه"، وتضيف "الموهبة لا تكفي لإتقان فن الخط وتحتاج للمزيد من التوجيه والإشراف، وذلك لاعتماد الخط المغربي على قواعد وقوانين دقيقة"، مشيرة إلى أنها عند الإقبال على كتابة اللوحات بالخط العربي أو المغربي؛ فإنها تدخل في لحظات روحانية مختلفة، تقول إن الكلمات لا تسعفها لوصف ما تشعر به خلال تلك اللحظة.
ودعت لطيفة حدادي النساء إلى دراسة الخط العربي والمغربي، حتى يتركنَّ بصمتهنَّ في هذا المجال وإعادة إحيائه من جديد، كي لا ينقرض. 
وانتشر الخط المغربي في العديد من المدن مثل القيروان وفاس وقرطبة وكان الخط المغربي يستعمل خلال قرون في كتابة المخطوطات العربية التي تداولت في بلاد المغرب.
 
 
الخط المغربي ليس فناً عابراً
أسماء المعطاوي 25 سنة، تنحدر من مدينة واد زم، تقول عن بدايتها مع الكتابة بالخط العربي والمغربي "تعرفت على  الكتابة وأنواع الخط من خلال الأنترنت، وتأملي للوحات المعروضة إما في المعارض الفنية أو لدى زيارتي لبعض معارفي، ذلك هو ما نمى في نفسي حب الخط العربي بشكل عام ورسخ لدي الرغبة لخوض غمار الكتابة الفنية"، وتضيف "نظراً لعدم وجود مدارس في المدينة التي أقطنها، بحيث يمكنني تعلم هذا الفن، وبينما كنت أتصفح الانترنت أثار انتباهي إعلاناً لمركز تعليم الخط العربي، فقررت التواصل مع المسؤولين، وخوض تجربة التعليم عن بعد".
وتوضح أسماء المعطاوي أنها دخلت عالم الخط لحبها الشديد لهذا الفن، لتتعلم على يد أساتذة وفنانين موهوبين، لتصل إلى مستوى يؤهلها للمشاركة في معارض داخلية وخارجية، كما توجد لديها محاولات لتشكيل وتصميم أسلوبها الخاص.
تضيف "حلمي أن يكون اسمي من ضمن الخطاطات اللواتي يذكرهنَّ التاريخ، هدفي إعادة المجد لهذا الفن الرائع، وأن أترك بصمتي النسائية في هذا المجال".
وترى أسماء معطاوي أن الخط المغربي والخط العربي عموماً ليس مجرد فن عابر أو تقليدي، بل هو أحد علامات الهوية المغربية والعربية الأصيلة المتجذرة في تفاصيل وثنايا الحياة اليومية القديمة، وأحد أكثر الفنون تنوعاً وثراءً وقدسية، وفق تعبيرها.
ويتميز الخط المغربي بعدة أنواع، ومن أهم تلك الخطوط والتي جاءت في كتاب الخط المغربي "تاريخ وواقع وآفاق"؛ ذكر فيها الخط الكوفي المغربي الذي ابتكر في بلاد المغرب والأندلس، ومنها الخط المبسوط والمسند، ويسمى كذلك الزمامي، والخط القندوسي.
 
 
النساء أكثر استيعاباً لمعاني الحرف وجماليته
ترى الفنانة والأستاذة التشكيلية والخطاطة تكفة العوني، بأن النساء أكثر استيعاباً وإحساساً لمعاني الحرف العربي والمغربي وجمالياته، حيث يعكسنَّ مهاراتهنَّ وقدرتهنَّ على دمج اللون والكلمة. 
وعن بداياتها في عالم الخط والألوان، قالت إنه منذ صغرها وهي عاشقة للفن التشكيلي، إلا أن فن التخطيط وقدرته الكبيرة على خطف الأبصار وشرح القلوب خاصة لعشاق لغة الضاد هو ما جعلها تقرر ولوج هذا المجال أيضاً، بحيث استفادت من دورات تكوينية لتعليم الخط العربي والمغربي، حتى تتمكن من التعبير عن مكنوناتها الفنية ودمج الرسم التشكيلي مع فن الخط. كما تقول.
وأكدت تكفة العوني أن مهمتها ثقافية بالدرجة الأولى، فهي تحاول الربط بين الحروف ومهارة الرسم؛ لتعزز حضور اللغة العربية.
 
المرأة لا تقل إبداعاً عن الرجل
وعن موقع المرأة المغربية على خريطة فن الخط المغربي، أجابت تكفة العوني على ذلك بالقول "المرأة لا تقل إبداعاً عن الرجل في هذا المجال، بل لديها حس فني أكثر من الرجل، فهي تعتمد الألوان الزاهية ما يضفي على لوحاتها لمسة أنثوية"، مبينةً أن فتيات اليوم أوفر حظاً ممن سبقنهنَّ في هذا المجال.
وتنصح تكفة العوني، خاصة الأمهات، بالتركيز على اكتشاف مواهب بناتها وأولادها منذ الصغر، والعمل على تنميتها وصقلها بالدراسة، وتجنب التفكير بأن الهوايات والمواهب تتعارض مع التفوق الدراسي، "على كل خطاطة أن تجعل من نفسها صاحبة رسالة، وتعمل على نشر حب الخط والزخرفة لدى الجميع".
وتعتبر أن إقبال النساء على تعلم فن الخط المغربي، يعد خطوة مهمة لدفع الأبناء إلى الالتفات لهذا الفن، في وقت تعرف فيه اللغة العربية انحساراً في وجه اللغات الأجنبية.