"الجسد العاري"... كتاب فلسفي يخوص في بحر الاستطيقا

حين تقرأ ليسرى بلالي فأنت بحاجة لقراءة متأنّية، تفك فيها رموزها الفلسفية والفكرية لتحلق بعدها في عالم من الرقي والفهم العميق لجذور المشكلة والحل

زهور المشرقي
تونس ـ .
يسرى بلالي شابة تونسية ـ مغربية، صحفية وباحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية، وكاتبة ومبدعة تلتمس طريقها نحو التحليق إلى عالم أكثر عمقاً، عالم الأدب، ذلك العالم الذي لا يشبه شيء، بل يحمل فقط على عاتقه معاناة الشعوب وينحت بكلماته كل فرح ومأساة، ليبعث فينا روح التحرّر والحرية... هي يسرى التي لا تشبه أحدا كما تقول.
تؤكد يسرى بلالي، في حوار خاص مع وكالتنا وكالة أنباء المرأة، أنّها تثمّن مجهود المرأة ونضالها اليومي من أجل افتكاك حقوقها وإبراز ذاتها والدفاع عن عائلتها، داعيةً نساء تونس إلى التحليق بعيداً عن سلاسل الرجعية وقفص الإسلام السياسي والدعاية الليبرالية.
 
صدر لكِ مؤخراً كتابٌ فلسفي حمل عنوان "الجسد العاري"، مغامرة كبيرة بقدر جمالها تخوضها الشابة والباحثة والكاتبة المغربية - التونسية يسرى بلالي، وتعري من خلالها الثنائيات التي تحاوطه، وبين المقدّس والمدنس، والتعري والتكسّي، والجمالية والقبح، تنثر أفكارها الفلسفية وتنبش فيما وراء الجسد... لو تحدثوننا عن هذه المغامرة؟
"الجسد العاري" هو كتاب فلسفي يغوص في بحر الاستطيقا ليستنطق الجسد العاري من أبعاد مختلفة، وبما أنّ مبحث فلسفة الجسد هو مبحث شاسع إلا أن "الجسد العاري" هو مبحث جديد لا تقل أهمية الغوص فيه عن فلسفة الجسد، وغايتنا من هذه الدراسة هو ابتداع مفاهيم جديدة تخصّ العاري لأن الفلسفة في الأساس هي الحقل المعرفي القائم على إبداع المفاهيم حسب الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز.
تناول هذا الكتاب لوحات للرسام النمساوي إيغون شيلي، وهو ينتمي إلى المدرسة التعبيرية وانطلق منها للتعبير عن الجسد العاري راهناً والقضايا الراهنة... نقرأ الأثر الفني أو اللوحة ثم نأوّلها ونسلخ الواقع انطلاقاً منها.
يعتمد الكتاب أيضاً على جدلية العري والعاري والفرق بينهما، أي العري بما هو حالة طبيعية، والعاري بما هو أسلوب فني يميل إلى الجمال والجسد المثالي مثل الجسد الإغريقي، أو الجسد المقدّس مثل أجساد النهضة الأوروبية. 
وبين المفهومين تطرح العديد من القضايا، خاصة وأن أكثر الأجساد التي كانت حاضرة في هذا الكتاب هي الأجساد القبيحة والمسحوقة والفقيرة والمحجّرة.
أيضا تتطرق هذه الدراسة إلى المقاومة الفنية للعاري لكل أشكال الهيمنة السلطوية والذكورية والسوسيو- ثقافية، ودورها في السينما والمسرح والرقص الذي يتلاعب فيه الفنان بين المرئي واللامرئي، أي متى يصبح العاري مرئياً ومتى يصبح متخفياً عن عين المتفرج، كما وقفنا عند نقطة تعامل السلطات مع العاري واللعب على مفهومي اللحم والجسد في التعذيب وفي حالات أخرى. 
وفي الجانب الأنثروبولوجي توقفنا عند مفهوم الفضيحة وفضيحة العاري... هنا تتمثل في الجسد الميّت، وأيضاً في تأنيث مفهوم العاري وربطه في الذاكرة الجمعية بالمرأة وربطها قسراً بالسوق الاستهلاكية والإشهار في مجالات التجميل وعروض الأزياء… كما أنّ للمفردات اللغوية جزءً من هذه الدراسة حيث نجد مثلاً بعض القوانين ذات الصيغة المؤنثة أي موجهة للمرأة مثل الخناء والبغاء.
ثم اختتمت الكتاب بعلاقة العاري بنظرية الألوان للعالم الألماني "يوهان غوته"، حيث إنّ قراءة اللوحة تعتمد على اللون والأضواء وهناك علاقة قوية بين اللغة واللون ورمزيتها الجنسية مثل الشعر الأخضر التونسي أو المصطلحات اللونية التي ترتكز على الإيحاء الجنسي، كما أنّ هناك لوحات تحاكي روايات "لونياً" مثل برتقالتي، الخبز الحافي، ولوحة نساء أفينيون للرسام الإسباني بابلو بيكاسو، أو بعض اللوحات التي نراها تجسّد بعض الروايات أو الروايات تجسّد اللوحات، يعني الأهمية لا تكمن في هل أنّ "انسبيراسيون" من لوحة أو رواية بقدر تشابههما أو توافقهما في إيصال فكرة العاري.
وكانت نهاية الكتاب عبارة على مقارنة بين المدرسة التعبيرية في وجهها الشيلي ومدارس أخرى تختلف زمنياً وتعبيرياً إن جاز التعبير.
 
لم تكن مساهمة المرأة التونسية في الحياة الأدبية ذات شأن يُذكر إن لم تكن معدومة تماماً بالرغم من مساهمتها في الحياة العامة منذ بدايات القرن الماضي... لماذا برأيكم؟
لا، بالعكس حضور المرأة التونسية قويٌ جدّاً في الكتابة الأدبية وحتى العلمية، ومسيرتها مستمرة ومتجددة وفاعلة، غير أنّ مجتمعنا لا يعترف سوى بما ينجزه "الذكور" في جميع الميادين، هناك نساء كتبن بدمائهن ونذكر على سبيل المثال الكاتبة آمنة الرميلي وأم الزين بن شيخة... "كاتبات بنات الساسة" جمع شهادات مناضلات برسبكتيف، والعديد من النساء اللواتي وهبن حياتهن للإبداع والكتابة، لكن يبقى حضورهن ضعيفاً نتيجة للهيمنة الذكورية التي لا تشمل منطقتنا فقط بل هو صراع قديم- متجدد، ولنا في كتاب "نظرية الأدب النسوي" لماري إيجلتون أمثلة عديدة على الهيمنة النخبوية على النساء.
 
نحن على أبواب الاحتفال باليوم العالمي للمرأة "اليوم العالمي للدفاع عن حقوق المرأة"، ما هي رسالتكم للمرأة التونسية، خاصة وأن الفترة الأخيرة  قد عاشت هجمة من أطراف رجعية، كشفت عن مخاوف  كثير من النسوة على ضياع مكتسباتهن المحققة منذ الاستقلال؟
أنا لا أراسل المرأة التونسية بل أثمّن مجهودها ونضالها اليومي من أجل افتكاك حقوقها وإبراز ذاتها والدفاع عن عائلتها... أقول "واصلي وأبدعي وحلقي بعيداً عن سلاسل الرجعية وقفص الإسلام السياسي والدعاية الليبرالية".
 
لكل كاتب ومبدع مؤثر... بمن تتأثر يسرى بلالي أدبياً؟
حقيقةً كاذبٌ من يدّعي التأثر لأن لكل ذوق إبداعي طعماً، ولكل نفس رؤية، ولكل حرب سلاحها، لكنني أميل أدبياً إلى الواقعية القذرة، وفلسفياً إلى مدرسة فرانكفورت، ولا أنتمي سوى إلى يسرى بلالي وواقعها وآليات التعامل معه... لا يمكننا التطور إن لم نتمكّن من السيطرة على إمكانياتنا وميكانيزمات تجاوز الحدود.
 
هل أثّرت الأوضاع السياسية والاجتماعية في تونس على العملية الإبداعية الأدبية للمرأة التونسية؟
الأوضاع السياسية والاجتماعية تعطي للإنسان طاقة لامحدودة من الإبداع والتعبير، والمرأة هي إنسان قادر على خلق عملية إبداعية أدبية تسلخ الواقع.
 
ماذا تريد يسرى أن تعرّي في كتاباتها وأدبها؟
لا تريد يسرى بلالي سوى تعرية ما لا يمكن تعريته... هي محاولة للغوص في قضايانا بالطريقة الأسلم وهي تعريتها وترميم جلدها المسلوخ.