الفنانة التشكيلية سارة دقايشية تحيي تاريخ النساء في لوحاتها

بأناملها الرقيقة الناعمة، تحاول أن تنقل قصص ورسائل في عشرات اللوحات الفنية، بعد أن شقت موهبتها مبكراً في عالم الريشة والألوان رغم غياب الدعم والتشجيع منذ بداياتها

نجوى راهم
الجزائر ـ ، إلا أنها أصرت وبشدة على تطوير مهاراتها وإثبات قدرتها بجدارة على التعبير عن كل ما يحيط بها في بيئتها المحافظة. 
بدأت الفنانة التشكيلية سارة دقايشية، من ولاية تبسة، بالرسم وهي في سن العاشرة، صنعت لنفسها عالماً خاصاً بها، شكلته من الألوان والأقلام البسيطة، خزنت في ذاكرتها العديد من المشاهد والحكايات لتحولها بعد تحصلها على شهادتها الأولى في  قسم الأرشيف والتوثيق إلى لوحات ساحرة بألوان متناسقة.
أبهرتها الحضارات الرومانية التي مرت على المدينة العتيقة فرسمت مناظرها الطبيعية وجسدت شخوص روايتها على اللوحات كما أوضحت، مشيرةً إلى أنها حولت القصص والروايات والأساطير التي تعلقت بها إلى أعمال تركز على ملامح المرأة وتنطلق من جمالها لتكون لوحاتها مزيج من الروحانية والحب والحرية تحاكي الحياة.  
 
 
تروي سارة دقايشية في لوحاتها قصصاً للنساء والطبيعة، خاصةً بعد تأثرها بثقافة وتاريخ المرأة الأفريقية وإرادتها، كما أنها تطرح قضايا النساء أجمع، وتساهم في الجهود الداعمة لإبراز صورة مغايرة لها، بالاعتماد على الألوان الحارة والجريئة، للتعبير عن قوتهن وشموخهن في تحقيق طموحاتهن المشروعة.
لم تفارق يديها الريشة والألوان، فقد مارست الرسم والتصوير الزيتي منذ سنوات عديدة كهاوية، لتلتحق بعدة ورش فنية لدى كبار الفنانين لصقل موهبتها وتبادل الخبرات الفنية مع الفنانين الأخرين.
وأوضحت أنها اختارت فن البورتريه في أعمالها لتعبر عن حكايات ومعاناة النساء في المجتمع، فرسمت المناضلات اللواتي شاركن في ثورة الجزائر الكبرى (1954 ـ 1962)، تخليداً لذكرى مشاركة النساء منذ آلاف السنين في النضال والحروب، ويظهر هذا من خلال بورتريه "غزالة بنت عمار"، صاحبة النظرة التي أرعبت قوات الاحتلال الفرنسي إبان الثورة الجزائرية. 
وغزالة بنت عمار التي عرفت بـ "غزالة بنت أوراس" من ولاية تبسة، بحسب الروايات المتداولة عنها، فقد دافعت عن النساء والفتيات إبان الثورة، وأنها كانت تستخدم العديد من الطرق لحمايتهن من الاغتصاب والاعتداء، وقد أطلق عليها آنذاك "حامية شرف الجزائريات".
وعن بورتريه غزالة بنت عمار التي أظهرت من خلالها قوة المرأة الجزائرية الشاوية "أوراس النمامشة" التي استطاعت أن تقاتل لآخر نفس من حياتها تقول "كنت متأثرة كثيراً بقصة غزالة بنت عمار، لطالما استمعت لقصتها، إلى أن شاهدت صورتها الوحيدة التي التقطت من قبل مصور فرنسي عنونها بـ "المرأة الحرة بنت جبال الأوراس"، وقال عنها في مذكراته "لم أخف في حياتي كلحظة التقاط الصورة لهذه المرأة في الأوراس"، فقررت أن أعيد رسم هذه اللوحة التي تعطيني القوة والعزيمة في الاستمرار والمثابرة للوصول إلى ما أطمح له".
وأضافت "حاولت تجسيد شخصيتها الملهمة الشرسة في الدفاع عن نساء أخريات من قريتها في لوحتي من خلال نظرات عينيها، لإخافة كل من يتجرأ على التقرب منها".
كما أنها ترجمت عناصر الطبيعة والحرية والبحث عن الهوية الثقافية في لوحاتها في مجتمع شبه منعدم ثقافياً وفنياً بسبب غياب ثقافة التشجيع والإيمان بالموهبة، لتعالج مواضيع تتعلق بالمرأة لما فيها من متعة في التفاصيل والإبداع في اعطاء صورة متكاملة، كما عززت دور المرأة في صناعة الفن التشكيلي لتعكس إنجازاتها الواقعية وتطورها في كل المجالات على لوحاتها، بالإضافة إلى تناولها للعديد من القضايا الإنسانية لإيصال رسالة فنية في مجتمعها مستعينة بالموروث الثقافي والاجتماعي.
وعلى مدى الثلاثة أعوام الماضية، تفرغت سارة دقايشية للفن التشكيلي وشاركت في العديد من المعارض الجماعية في الجزائر وفي الخارج، منها المعرض الوطني للصورة الفوتوغرافية الطبعة الثانية عشر بتبسة، ومعرض لون الورد بتركيا عام 2020.
وعن اللوحة التي ستشارك بها في الطبعة الجديدة من الصالون الوطني للصورة الفوتوغرافية الذي سيفتتح في كانون الأول/ديسمبر المقبل، تقول "استلهمت اللوحة من رقصة التانغو، وهي لوحة تعبر عن فتاة تعاني من إعاقة في قدمها، ولكن اعاقتها لم تمنعها من تحقيق حلمها بتجسيد وصلة الرقص والنجاح في الوصول إلى ما تطمح له"، وأشارت في ختام حديثها أن فكرة اللوحة هي رسالة لكل النساء والفتيات اللواتي يرغبن في النجاح أن يستمرين في العمل والنضال لتحقيق مستقبل أفضل وأن كل الصعوبات هي مسألة وقت لا أكثر.