"الدَّق العربي" علامةٌ لا يمحوها الزَّمن

تزين النَّساء في شمال وشرق سوريا أجسادهنَّ بالدَّق العربي أو النَّقش أو ما يعرف بـ "زينة الحزينة"، فهو إرث جمالي وعلامة لا يمحوها الزَّمن.

 براءة العلي
الرقة ـ
رغم تقدم أساليب وأدوات الزينة الحديثة، إلا أن للطرق القديمة جماليتها المُتفردة وهيبتها الخاصة، ومدينة الرّقة كغيرها من مدن شمال وشرق سوريا، تعج بنساء حفر الزَّمن التَّجاعيد على وجوههنَّ، إلا أن النَّقوش التي استخدمنها ليتزين بها في السَّابق لا تزال موجودة. 
فاطمة المصطفى (60) عاماً، أمٌ لستةِ أبناء، تتحدث عن الوشم أو ما يعرف في سوريا بـ (الدَّق)، والذي يعود تاريخه إلى الجَّدات الأوائل "كانت أمهاتنا وجداتنا تزينَّ أجسادهنَّ بالوشم، إذ أن مواد التّجميل في الخمسينات كانت قليلة، وهي أدوات بدائية بسيطة للزينة، ومنها الدَّق".
ويوضع الوشم (الدَّق) باستخدام أصباغ يتم إدخالها عبر الشَّقوق في الطَّبقة العليا من الجَّلد.
تقول خلفة الأحمد (55) عاماً، وهي أمٌ لـ 11 شاباً وفتاة، أن شقيقتها الكبرى شجعتها عندما كانت في الـ 13 من العمر، لوضع الدَّق على وجهها "الفتيات من جيلي كن جميعاً يضعنَّ النَّقوش، وأنا أخترت علامة الهلال على جبيني بين حاجبي".
مشيرةً إلى أنها في إحدى المرات كانت جالسة مع رفيقاتها، ولإضاعة الوقت قمن بالنَّقش لبعضهن، ووضعت دقاً آخر على ذقنها كالضَّفيرة يسمى "بطن الحية".
تقول عن آلية الدَّق "نُحضر أربع أو خمس إبر، ونجمعهن معاً، ونقوم بغرسها على شكل الرَّسمة التي نريدها في المكان الذي نرغب بنقشه، وبعدها نجلب مادة الغنج الخضراء اللون، وندهن مكان الإبر بها، لتبقى من 10 إلى 15 دقيقة، ثم نزيلها ليبرز لون الدَّق الأخضر أو الأزرق الفاتح".
وحول الدَّقات والنَّقشات تقول "لكل دق اسمه فهنالك (وسادة ابن العم) التي يتم وشمها على ساعد اليد عندما تتزوج الفتاة ابن عمها، بحسب الرَّوايات المُتناقلة، والهلال ينقش على الجَّبين، والحُجول على كاحل القدم، والرواق أو الأثمة على دائرة الشَّفاه، والحجب أعلى الصدر وتسمى بدق الصَّدر، والسَّيالية على كامل العُنق".
أما عايدة الحسن (75) عاماً تقول إنها رسمت الدَّق في الـ 14 من العُمر، مقلدةً ابنة عمها التي وشمت جبينها وبدت جميلة في ذلك الوقت.
وتذكر أن هذه التجربة آلمتها نتيجة غرس الإبر في جلدها، إلا أن جدتها أصرت على أن تُكمل "أعطينا المرأة أجرة النُقش زبدةً ولبناً، ونقشت على وجهي وعنقي". 
ويُنسب الدَّق للمرأة الحزينة، والحديث لعايدة الحسن "تخلع المرأة الحُلي والمكياج والزَّينة والثَّياب ذات النَّقوش والبراقة في حال توفي لها عزيز، ولكن النّقش يبقى زينتها الدّائمة، فهي لا تستطيع إزالته، لذا سمي بزينة الحزينة".
وتؤكد على أهمية الدَّق بالقول "هو تقليد مُتوارث، ورمز لفخر ورقي المرأة التي تضعه، وذُكر في العديد من الأغاني والأشعار والمواويل كقولهم (شيلي شليل الثّوب تا يبين طرف الحجول)".
وتقول شامية الحسين (70) عاماً، أنهن كن طفلات لا يفقهن إذا كان للدَّق مضار أم لا، ولكن يعلمنَّ فقط أن هذا إرث جميل لا يمحوه الزَّمن أخذنه عن جداتهنَّ.