تشكيلة حكومية بنكهة نسوية ملفتة... محطة جديدة في مسيرة تمكين المغربيات سياسياً

يعتبر تعيين النساء في مناصب مهمة واستراتيجية في الحكومة المغربية الجديدة، خروج عن الطابع المألوف الذي دأبت عليه الحكومات السابقة

حنان حارت
المغرب ـ ، فإسناد المسؤولية للنساء كان يتم قسراً في وزارات بعيدة عن أي بعد استراتيجي أو حيوي، كوزارة التضامن والمرأة، أو وضعهن في مناصب كاتبات الدولة.
سلطت وكالتنا الضوء في التقرير التالي على حضور النساء في الحكومات المغربية، وكذا نوعية المهام الوزارية التي أسندت لهن، وأيضاً تأرجح مشاركتهن بين صعود ونزول.
 
المغربيات في مناصب وزارية استراتيجية
ضمت تشكيلة الحكومة الجديدة التي أعلن عنها يوم الخميس 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، سبع نساء تم تعيينهن في مناصب وزارية استراتيجية.
وتعد هذه هي المرة الأولى التي تكلف بها النساء بحقائب وزارية مهمة ووازنة وذات أبعاد استراتيجية، فقد تم تسجيل إسناد حقيبة ذات وزن ثقيل متمثلة في "الاقتصاد والمالية" لامرأة لأول مرة في تاريخ المغرب، والتي تولتها وزيرة السياحة في الحكومة السابقة نادية فتاح العلوي.
فيما تولت حقيبة وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، عمدة مدينة مراكش فاطمة الزهراء المنصوري، ومن الكفاءات النسائية الأخرى التي أنثت تركيبة هذه الحكومة، فاطمة الزهراء عمور التي تولت حقيبة وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وكذلك تعيين ليلى بنعلي في منصب وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، في حين وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة التي توالت على تدبيرها وجوه نسائية منذ حكومة 2007، حافظت على نفس التوجه بعد تعيين عواطف حيار وزيرة لهذا القطاع الاجتماعي.
وعاد منصب الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة إلى غيثة مزور، فيما قررت نبيلة الرميلي، بعد أسبوع من تعيينها في منصب وزيرة الصحة أن تتقدم بملتمس لرئيس الحكومة الذي رفعه بدوره إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، وتم إعفاؤها من منصب الوزيرة للتفرغ إلى مهامها كعمدة لمدينة الدار البيضاء.
 
كرونولوجيا
قبل التسعينيات لم تكن المرأة حاضرة في الحكومات التي تشكلت في المغرب، وفي عام 1997 دشنت المرأة المغربية مرحلة مهمة، حيث يتم لأول مرة في تاريخ البلاد تعيين أربع نساء في الحكومة التي ترأسها آنذاك عبد اللطيف الفيلالي.
وكانت قد عينت عزيزة بناني كاتبة الدولة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، مكلفة الثقافة بين عامي (1997 ـ 1998)، كما تم تعيين العداءة الأولمبية نوال المتوكل كاتبة دولة لدى وزير الشؤون الاجتماعية، مكلفة الشباب والرياضة.
وجرى تعيين أمينة بنخضرة كاتبة دولة لدى وزير الطاقة والمعادن، مكلفة بتنمية القطاع المعدني، كما عينت أيضاً زليخة نصري كاتبة للدولة لدى وزير الشؤون الاجتماعية، مكلفة التعاون الوطني. 
وفي حكومة التناوب التوافقي عام 1998، عين الملك الحسن الثاني عائشة بلعربي كاتبة دولة لدى وزارة الخارجية والتعاون، مكلفة التعاون بين عامي (1998 ـ 2000)، كما تم تعيين نزهة الشقروني كاتبة دولة مكلفة بالأشخاص المعاقين بين عامي (1998 ـ 2002)، التي أصبحت وزيرة منتدبة مكلفة بأوضاع المرأة ورعاية الأسرة والطفولة وإدماج المعاقين خلال التعديل الحكومي الذي عرفته هذه الحكومة.
وحول حضور النساء في الحكومات المغربية انطلاقاً من عام 1997؛ أوضحت دكتورة العلوم السياسية والباحثة في قضايا المرأة صباح العمراني، أنه خلال هذا العام تم تعيين أربع كاتبات دولة في حكومة تتكون من ثلاثين عضواً، هذا العدد تم تقليصه إلى كاتبتي دولة في حكومة التناوب لعام 1998، ويبدو أن هذه التعيينات بقدر ما تؤكد أهمية تعزيز مكانة المرأة في البناء الديمقراطي، "توضح المناصب المسندة للنساء وهي حقيبة كاتبة الدولة؛ عدم تمكنهن من الحصول على العضوية الكاملة داخل الحكومة".
 
منحى تصاعدي
خلال عام 2002، تم تعيين أربع نساء في حكومة إدريس جطو، وهن نزهة الشقروني التي عينت وزيرة منتدبة مكلفة بالجالية المغربية المقيمين خارج البلاد، وياسمينة بادو كاتبة دولة مكلفة بالأسرة والتضامن والعمل الاجتماعي، ونجيمة طايطاي غزالي كاتبة دولة، مكلفة بمحاربة الأمية والتربية غير النظامية.
أما في حكومة عباس الفاسي، التي تشكلت عام 2007، فقد تم تعيين سبع وزيرات، وهن ياسمينة بادو وزيرة للصحة، ونوال المتوكل وزيرة للشباب والرياضة، وأمينة بنخضرة وزيرة للطاقة والمعادن والماء والبيئة، وثريا اقريطيف (المعروفة باسمها الفني ثريا جبران) وزيرة للثقافة، ونزهة الصقلي وزيرة للتضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، ولطيفة العبيدة كاتبة دولة مكلفة بالتعليم المدرسي، ولطيفة أخرباش كاتبة دولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون.
وتوضح صباح العمراني "خلال عام 2000 تم تعيين أول امرأة وزيرة في تاريخ المغرب، وارتفع هذا العدد إلى ثلاث حقائب في الحكومة التي تم الإعلان عنها في 7 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2002، وعرفت هنا المرأة ترقياً في سلم الحقائب الوزارية، وتم تعزيز مكانتها في الحقل السياسي المغربي في العشرية الأولى من الألفية، هذا الاعتراف بدور المرأة في البناء الديمقراطي عزز في الحكومة التي تم الإعلان عنها في 19 أيلول/سبتمبر عام 2007، بتعيين سبع وزيرات لأول مرة في تاريخ المغرب قبل أن يعصف تعديل حكومي تم إجراءه عام 2008 بوزيرتين".
 
وزيرة واحدة في النسخة الأولى من الحكومة 
في الوقت الذي كانت الحركات النسوية تأمل بعد اعتماد الدستور الجديد عام 2011، أن يتم تعزيز حضور النساء في الحكومة التي تشكلت عام 2012 برئاسة عبد الإله بنكيران، خابت آمالهن بتعيين امرأة واحدة هي بسيمة الحقاوي كوزيرة مكلفة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية.
إلا أنه سرعان ما ارتفع العدد، عندما خضعت الحكومة لتعديل وزاري، بعدما انسحب حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي، وتعويضه بحزب التجمع الوطني للأحرار، حيث قفزت حصة النساء في الحكومة إلى خمس وزيرات هن فاطمة مروان التي عينت وزيرة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ومباركة بوعيدة وزيرة منتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، وسمية بن خلدون وزيرة منتدبة لدى وزير التربية الوطنية والبحث العلمي وتكوين الأطر، وحكيمة الحيطي وزيرة منتدبة مكلفة البيئة، وشرفات أفيلال وزيرة منتدبة مكلفة الماء، كما جرى تعيين جميلة المصلي في 2015 وزيرة منتدبة في التعليم العالي والبحث العلمي مكان سمية بنخلدون.
 
وزيرة وثمانية كاتبات دولة عام 2017
أما في حكومة سعد الدين العثماني التي تشكلت في نيسان/أبريل عام 2017،  جرى تعيين وزيرة وثمانية كاتبات دولة (وزيرات دولة)، وهن بسيمة الحقاوي وزيرة للتضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، وجميلة المصلي كاتبة الدولة مكلفة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، وشرفات أفيلال كاتبة دولة مكلفة الماء، ومباركة بوعيدة كاتبة دولة مكلفة الصيد البحري، ومونية بوستة كاتبة دولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، وفاطنة لكيحل كاتبة دولة مكلفة الإسكان، ولمياء بوطالب كاتبة دولة مكلفة السياحة، ونزهة الوافي كاتبة دولة مكلفة التنمية المستدامة، ورقية الدرهم كاتبة دولة مكلفة التجارة الخارجية.
ولكن خلال تعديل حكومي خضعت له حكومة العثماني في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، جرى تقليص حضور النساء إلى أربع وزيرات، وذلك في سياق تقليص عام لأعضاء الحكومة، وتم تعيين نادية فتاح العلوي وزيرة للسياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، وعينت نزهة بوشارب، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، وجميلة مصلي وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، فيما عينت نزهة الوافي وزيرة منتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج.
وأوضحت صباح العمراني أن النساء في حكومة العثماني عدن ليثبتن حضورهن في تسع حقائب وزارية من أصل 39 وزيراً، بيد أن هذا الحس التصاعدي لم يستمر طويلاً بعد تعديل حكومة العثماني وتقليص تواجدهن إلى أربع وزيرات فقط، كما أن الحقائب الوزارية المسندة إليهن لم تعدو كونها بعيدة عن أي بعد استراتيجي وحيوي. 
 
بعد دستور 2011
وأشارت صباح العمراني أن "دستور 2011 حمل آمالاً واسعة في آفاق المساواة بين الجنسين وبنصوص صريحة، حيث نص الفصل 19 على مبدأ المناصفة وتكافؤ الفرص؛ وعلى آليات تفعيل هذه المبادئ، كما اعتمد لغة جديدة بالإحالة إلى الرجال والنساء، إلا أن أول حكومة أفرزتها الانتخابات بعد الدستور لم تكن في مستوى التطلعات".
وينص الفصل 19 من القانون المغربي على حق  المرأة والرجل في التمتع على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والبيئية أيضاً، والتي تنص عليها الاتفاقيات والمواثيق الدولية والتي صادق عليها المغرب في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.
وأضافت أن الأمر شكل انتكاسة حيث تضاءل عدد النساء في الحكومة إلى وزيرة واحدة تنتمي لحزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة ضمن ثلاثين وزيراً، وتم محاولة تدارك هذا القصور في التشكيلة الثانية بتعيين خمس وزيرات تضاف إلى الوزيرة التي تم تعيينها في النسخة الأولى وتمديد عدد الوزراء لينتقل من 31 وزيراً إلى 39 وزيراً في النسخة الثانية. 
وترى أن تزايد الاهتمام بمعالجة قضية مشاركة المرأة في تدبير الشأن العام في السنوات الأخيرة في المغرب وخاصةً بعد دستور 2011، أصبح يحتل موقعاً محورياً ضمن حقوق الإنسان الأساسية، وضرورة ملحة يفرضها واقع التطور والحاجة للحفاظ على المسار الديمقراطي. 
وأشارت إلى أنه "من غير الممكن تعزيز دولة القانون أو تحقيق أي تطور على صعيد إرساء قواعد الممارسة الديمقراطية في مجتمعاتنا بعيداً عن مشاركة نصف المجتمع". 
وترى صباح العمراني أنه ورغم الطفرة في تزايد مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية والمنظمات والوظائف الانتخابية، فإنهن ما زلن يمثلن نسبة ضئيلة في المراتب العليا والقيادية، والتي تساعد في التأثير على عملية سن القوانين والتشريعات في صالح المرأة ومساواتها في المجتمع، حيث أنه من عام 1997 تتراوح مشاركة المرأة في الحكومات المتتالية بين الصعود والنزول.
واعتبرت تعيين وزيرة وحيدة في حكومة عبد الإله بنكيران انتكاسة وصدمة لمتتبعي الشأن السياسي، "تتحمل الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة آنذاك باختلاف مرجعياتهم جزءاً هاماً من المسؤولية في ضعف مشاركة المرأة وولوجها مراكز القرار الحكومي، وهنا نتساءل لماذا لم تقم بترشيح النساء؟".
أما عن طبيعة الحقائب المسندة للنساء خلال الحكومات السابقة في المغرب، تشير صباح العمراني إلى أن تلك الحقائب تحمل طابعاً اجتماعياً أو انتداباً لدى وزير، وكأن الكفاءات النسائية المتوفرة ما تزال قاصراً عن تحمل المسؤولية الكاملة في تسيير وزارة مستقلة، وعلى خلاف التشكيلات الحكومية السابقة تعرف الحكومة الحالية حضوراً نسائياً بارزاً، وذلك بتسلم سبع نساء حقائب وزارية؛ منها من له بعد حيوي واستراتيجي هام.
 
آليات ضمان الإنصاف
وعن الشروط اللازمة لإنجاح ورش التمكين السياسي للمرأة، تقول "يجب التركيز على اختيار الآليات المناسبة وتوظيف وسائل الإعلام المختلفة، ودفع الأحزاب السياسية لترشيح أكبر عدد من النساء للمشاركة في الحكومة".
وأشارت الباحثة في قضايا النساء إلى أن أهمية مشاركة المرأة في الحكومة تبرز في مدى تمكنها من ترجمة تواجدها على مستوى مراكز القرار في بلورة برامج وسياسات تعيد التوازن إلى المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، بحيث تصبح المرأة والرجل في صلب السياسات التنموية فعلاً وتفاعلاً.
وحول كيفية ضمان الإنصاف للمرأة بمفهومه الشامل، تؤكد على ضرورة وجود إرادة حقيقية لدى الفاعلين السياسيين في إشراك حقيقي للمرأة ليس على المستوى العددي لتأنيث المشهد السياسي، بل أيضاً في عملية صنع القرار.
 
تحقيق الثلث 
من جهتها أوضحت عضو فيدرالية رابطة حقوق النساء سميرة موحيا عن حضور المرأة في تشكيلة الحكومة الجديدة، أنه بعد مرور عشر سنوات على وضع دستور 2011 ومرور ولايتين حكوميتين، استطاعت الحكومة تحقيق الثلث في التعيينات.
ولم تخفِ سميرة موحيا آمال الحركات النسوية في المغرب وتطلعهن إلى المناصفة، مشيرةً إلى أن التمثيلية النسائية في الحكومة الجديدة لم تتميز فقط بالعدد وحده، بل أيضاً بالحقائب الوزارية التي أسندت للوزيرات.
وأشارت إلى أن الوزيرات الحاليات أمامهن مهام ثقيلة، خلال الظروف التي تمر بها البلاد تزامناً مع جائحة كورونا، وآثارها على المواطنين وعلى عدد من القطاعات.
وأضافت أن الحكومة الجديدة على كاهلها حمل مهم، خاصةً في مجال حقوق المرأة بشكل خاص وحقوق الإنسان بشكل عام، مشيرةً إلى أن الأمر يقتضي وجود اقتناع بهذه الحقوق في الممارسة، سواء تعلق الأمر بالمساواة أو احترام الحقوق الجماعية والفردية.