نسويات يدعون الرئيس لإعادة الاعتبار للمرأة التونسية عبر إشراكها في مراكز القرار
استبشر التونسيون بنجاح ثورتهم عام 2011 وعلقوا عليها آمالاً عريضة للخروج من الأزمات الاقتصادية والمعيشية بعد أن عاشوا عقوداً من التهميش والخصاصة
زهور المشرقي
تونس ـ ، لكن الحكومات المتعاقبة على السلطة بأحزمتها الحزبية فشلت في الإيفاء بمتطلبات الشعب واستولت القوى السياسية على مقدرات البلاد وتنكرت لوعودها الانتخابية.
وأمام واقع انسداد المشهد السياسي والاحتقان الاجتماعي والغلاء الفاحش في الأسعار وتفشي البطالة والفشل الواضح في إدارة الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة كورونا، كان لا بد من حدوث انفجار شعبي، وقد تراكمت كل الظروف في هذا الاتجاه، فجاءت انتفاضة الخامس والعشرين من تموز/يوليو الماضي مطالبة بإنهاء المنظومة الحاكمة وحل البرلمان وهي المطالبات التي استجاب لها الرئيس التونسي بتفعيل الفصل 80 من الدستور.
بخصوص انتظار حلول لما تعيشه البلاد هذه الفترة بعد قرارات الرئيس قيس سعيد بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب والانطلاق في عمليات المحاسبة، تحدّثت وكالتنا مع ناشطات نسويات.
تعتبر الحقوقية ورئيسة المرصد الدولي لحقوق الإنسان بتونس ريم حمدي، أن ما عاشته تونس هو انقلاب على الدستور وتأويل خاطئ للفصل الثمانين، حسب تقييمه، وترى أنه لا يمكن للرئيس تجميد أو تعطيل مجلس نيابي بالدبابات، قائلة إن ما حدث يمسّ من صورة تونس، داعية الرئيس إلى تنقيح القانون الانتخابي والذهاب إلى انتخابات مبكرة "حتى لا يصفنا العالم بالغباء"، حسب تعبيرها.
وينص الفصل 80 من الدستور التونسي على أنه يحق لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية.
واعتبرت الحقوقية التونسية أن جميع مطالب الشعب شرعية ويمكن معالجتها من خلال الحوار والتشاور قائلةً "الشعب البسيط الذي أنهكته الأزمة الاقتصادية والخلافات أصبح يحن للدكتاتورية".
وعن سؤال إذا ما كانت الحكومات المتعاقبة التي شكلتها حركة النهضة هي المسؤولة المباشرة عن الأزمة الاقتصادية وتفشي الفساد؟ أجابت أن تونس تتسع للجميع وفيها تنوع "لا نفكر جميعاً ذات التفكير"، وأضافت "لماذا نخيّر نحن شعوب العالم الثالث بين بطوننا وعقولنا، بين الحرية والكرامة وحقوق الانسان وبين الجوع؟ ألا يحق لنا أن نجمع بين الخبز والحرية والعدالة الوطنية؟ تقول متسائلة.
بدورها اعتبرت الصحفية المدافعة عن حقوق النساء بتونس، آمنة السلّيتي، أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد اتّخذ الاجراءات اللازمة في الوقت المناسب حيث كانت البلاد على شفا الانهيار، مشيرةً إلى أن هذه التدابير بحاجة لخارطة طريق واضحة حتى يطمئن التونسيون على مستقبلهم وظروفهم الحياتية، واصفة القرارات الرئاسية بالمهمة وجاءت استجابة لمطلب الشعب الذي فقد ثقته في النخب السياسية وأصبح ناقماً على البرلمان الذي عمّق الأزمة وأصبح مسرحاً للصراعات والعنف وتمرير الأجندات السياسية.
وذكّرت الصحفية التونسية بتعرّض المرأة تحت قبة البرلمان لجميع أشكال الإهانة والعنف اللفظي والمادي ناهيك عما تعرَضت له رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر عبير موسي أكثر من مرة من طرف بعض النواب وبحضور وزيرة المرأة إيمان هويمل التي لم تتخذ إجراءات صارمة باستثناء التنديد بعد أيام بالحادثة.
وتطرّقت آمنة السليتي إلى التحريض من تحت قبة البرلمان ضد الأمهات العازبات، "وصفهنَّ النائب المدعو العفاسي"العاهرات " كما عمد نواب حزب النهضة إلى التشكيك بما أقرّته على مجلة الأحوال الشخصية التى تعدّ من أبرز الإنجازات التشريعية للدولة التونسية".
ومجلة الأحوال الشخصية التونسية التي صدرت في آب/أغسطس عام 1956 تعد سلسلة من القوانين التقدمية في البلاد، وتعتبر من أهم انجازات الحبيب بورقيبة قبل أن يصبح رئيساً حيث أنها هدفت لإقامة المساواة بين المرأة والرجل في عدة مجالات.
وأضافت محدثتنا أن "حقوق وحريات المرأة التونسية كانت مهددة في زمن تغوّل جماعة حركة النهضة في السلطة"، معتقدة أن الرئيس التونسي سيحرص على حماية حقوق ومكتسبات المرأة وسيزيد دعمها وهو ما تعهّد به، لافتةً إلى أن تدريب أول امرأة تونسية وإرسالها إلى الفضاء الخارجي في إطار اتفاقية بين وكالة الفضاء الروسية ومجمع "تالنت" التونسي هو اقتراح من رئيس الجمهورية.
وأكدت آمنة السليتي أن الانتظار النسوي كبير، معبرةً عن رغبتها في إشراك المرأة التونسية في مختلف المحطات المقبلة والمشاورات السياسية والاقتصادية وكذلك في السلطة لا عبر وزارة المرأة فقط، داعية إلى إعطاء المرأة فرصاً لإظهار قدراتها وكفاءاتها، والمساهمة في بناء المجتمع ومواجهة المشاكل بإرادة جماعية، مذكّرة بأن المرأة في تونس عاشت 10 سنوات من الاضطهاد والإقصاء.
وتدعو الصحفية التونسية إلى إيلاء أهمية للصحفيات باعتبارهنَّ يمثلنَّ سلطة مؤثرة، مشددةً على أن الصحفيات يعملنَّ في ظروف صعبة وسيّئة بسبب عدم تنفيذ العديد من الاتفاقيات التي وعدت بها الحكومات المتعاقبة على السلطة.
بدورها، تطرقت عضو النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين فوزية الغيلوفي، إلى الاعتداءات التي طالت الصحفيين والصحفيات من قبل بعض المواطنين وخاصة الأمنيين أثناء تأديتهم لواجبهم المهني، مشددةً على أن ذلك يجسد عودة إلى ممارسات مثيرة للقلق، ومسّ حرية الصحافة التي يضمنها الدستور.
وأكّدت أن الصحفي مطالب بالحياد في تعامله مع مختلف الأطياف السياسية والتوجهات لإيصال الصورة كما هي للتونسيين.
ودعت إلى النأي بالصحفيين عن الصراعات السياسية الضيقة وتركهم يعملون في ظروف طبيعية.
وأشارت إلى أن الصحفي غير مسؤول عن الخط التحريري للمؤسسة التي يعمل بها، وأن الدولة مطالبة بحمايته أثناء عمله لتأمين نقل المعلومة كما هي إلى الشعب خاصة في مثل هذه الظروف الصعبة والاستثنائية.
من جهتها، تعتبر المحامية التونسية ضحى الطالبي، أنه "بعد سنوات من التذمر الشعبي وفي ظل تصاعد حدّة الأزمات، وعقب أشهر من الصراع المفتوح بين الرئيس سعيد والنهضة، جاءت أحداث 25 تموز/يوليو لتمثل نقلة نوعية في المسار السياسي الذي تميز بالصراع إلى درجة التعفن"، معتبرة أن القرارات التي اتخذها رئيس الدولة لم تكن متوقعة لذلك كان لها ذلك الصدى الكبير لدى التونسيين.
وترى أن المرحلة المقبلة "صعبة وحاسمة لتصحيح مسار الثورة التي نُهبت وسلبت من التونسيين بسبب تغوّل من كان في الحكم، وعدم إيلاء أهمية للتونسيين الذي نزلوا إلى الشوارع لتحرير بلدهم".
وترى المحامية التونسية أن الرئيس "فعّل فصلاً في الدستور ولم ينقلب على أي طرف"، داعيةً إلى تحكيم لغة العقل لإنقاذ البلاد من وضعها المأساوي، وتحقيق النمو ومحاربة تفشي وباء كورونا الذي يجتاح البلاد.
وشدّدت على أن المعركة اليوم يجب أن تتجه إلى "محاربة الفقر والجوع والمرض، معركة لاسترجاع ثروات تونس المنهوبة وبخاصة سيادتها التي نُكّل بها بالتعاون القطري التركي مع راشد الغنوشي".
وتتفق ضحى الطالبي مع آمنة السليتي في ترقية دور المرأة التونسية والضغط من أجل إشراكها في مختلف المشاورات؛ حتى تكون لها مساهماتها الإيجابية في مراكز القرار بعد سنوات من التهميش. مشددةً على ضرورة تغيير العقليات والسلوكيات في مجتمع لا يزال يخضع لسطوة ذكورية تزعم أن المرأة مكانها بيتها.
وختمت بالقول "نريد أن تكون المرأة التونسية ممثلة في الحكومة المقبلة بتمثيلية قوية لا بوزارة المرأة فقط، ونريد إعادة الاعتبار لنا كتونسيات، ونحن في الموعد دائماً للدفاع عن وطننا من أي موقع وفي أي ظرف، فنحن لتونس وتونس لنا".