ناشطة سياسية لبنانية: الثقافة الذكورية والمجتمعية تحد من مشاركة المرأة في المجال السياسي
وصفت الناشطة السياسية ربى مكارم تجربتها في العمل الاجتماعي التطوعي ونشاطها السياسي، بأنهما ساهما بزيادة ثقتها بنفسها وقدراتها، ما دفعها للانخراط بالعمل النسوي والسياسي تمهيداً للانخراط في الاستحقاقات السياسية.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ أكدت الناشطة السياسية ربى مكارم أن قرارها بالتوقف عن التحصيل الجامعي المؤقت والدخول في معترك العمل، فقد ساهم كل هذا بمراكمة خبراتها وتجاربها، وبتوسيع علاقاتها وثقافتها، منحها الثقة لخوض مجالات عدة، وصولاً إلى المشاركة السياسية، والاجتماعية والنسوية الفاعلة.
التمييز بين المرأة والرجل
عن مسيرتها في العمل النسوي قالت الناشطة السياسية ربى مكارم "بدأت نشاطي في ميدان العمل العام وأنا في سن السادسة عشرة، ولا سيما نشاطي الاجتماعي وانضوائي في جمعيات أهلية وشبابية، وأولى التجارب كانت في "منظمة الشباب التقدمي" وكنت لا أزال على مقاعد الدراسة، ولم أكن أرى الأمور كما أراها اليوم، فما كنت نعتقد به عن المساواة على سبيل المثال، وجدت أنه يوجد بالحقيقة تمييز كبير بين الرجل المرأة على أرض الواقع، فهناك وخلافاً لما كنت أعتقد من أن الكفاءة هي الأساس، فالأمور النظرية التي نتعلمها نجدها لاحقاً مختلفة تماماً عن الواقع، ولذا تبدأ مرحلة النضال، وقد ساهمت "منظمة الشباب التقدمي" بصقل شخصيتي ووسعت مداركي المعرفية، كما وتطوعت في جمعيات أخرى، ومنها "جمعية التنمية والثروة الحرجية" AFDC البيئية بفرعها في بلدتي رأس المتن (جبل لبنان)، وصولاً إلى "الاتحاد النسائي التقدمي" في 2017، وكان الاتحاد ولا زال تجربة مختلفة تماما بالنسبة لي، وحالياً أنا الوسيط بين الهيئة الإدارية في المجلس النسائي اللبناني والذي يضم حوالي 140 جمعية والجمعيات في منطقة جبل لبنان".
وأوضحت "ساهم عملي التطوعي في كثير من الجمعيات، بإعطائي الثقة بنفسي وراكم الخبرات وزودني بمهارات مختلفة وصولاً لنشاطي الحقوقي النسوي، وهنا عند الحديث عن النسوية، فهناك من يأخذ النسوية باتجاه مختلف ويساهم بتشويهها، فهي ليست معاداة للرجل، لكنها مواجهة للصورة النمطية وكسر للثقافة الذكورية والسلطة الأبوية الموجودة، التي تحرم النساء من الموارد ومن الحقوق الاقتصادية، وهنا أود الإشارة الى عملي مؤخراً مع "مجموعة الابحاث والتدريب للعمل التنموي" ، ضمن مشروع "النسوية من أجل حقوق النساء الاقتصادية"،FEM PAWER، لنتصدى سويا للعنف الاقتصادي القائم على النوع الاجتماعي، فعملنا النسوي الحقوقي يدعم وصول النساء الكفؤات إلى موقع القرار".
وأضافت "تمكنت من المواءمة بين قضايا حقوق النساء وحقوق الإنسان وقضايا الطفل أيضاً وعملي التربوي بصورة مختلفة حول كيفية نقل المعرفة للجيل الصاعد، لا سيما وأن المناهج التعليمية في لبنان مناهج قديمة، وبحاجة لتطوير لتلاقي تطلعات الشباب، ولذلك كانت ثمة مبادرات قمت بها في ميدان التربية خصوصاً لجهة الخوض مع طلابي في موضوعات مهمة، كالتوعية حول المساواة بين الجنسين وقضايا التحرش والابتزاز الإلكتروني، إلى جانب تدريسي اللغة الفرنسية كلغة أجنبية، فأنا أرى أن التعليم ليس مجرد نقل معلومة فحسب، وإنما التدريب والتوجيه، وبناء شخصية المواطَنة الحقيقية التي نفتقدها في لبنان، لذلك أجد أن هناك ترابطاً كبيراً بين التربية والعمل الحقوقي النسوي، وإذا كانت ثقافة المواطَنة موجودة بمكان ما عند الرجل، فهي بشكل متدنٍّ أكثر عند النساء، لأن هناك حقوقاً تمييزية، فالنساء في لبنان والوطن العربي مواطنات من الدرجة الثانية حتى هذه اللحظة، وما يستفزني هو التشويه بموضوع المساواة، فنحن مواطنات درجة أولى مثلنا مثل الرجل، ولتكن الكفاءة المعيار الأول".
وأكدت على أنها لم تترك الاتحاد النسائي التقدمي فلا زلت في الهيئة التنفيذية، وما يميز هذه الجمعية أنها تعمل على أرض الواقع، وهي على تماس مباشر مع الناس "وأفتخر بانتمائي إلى "الاتحاد"، وعملت على تطوير مهاراتي وكفاءاتي، كما وفرت لي المجال لأكون ممثلة للاتحاد، خصوصاً في مقاربة قضايا النساء بطرق جديدة وكما يفترض أن تُقارب، لأنه كانت ثمة صورة نمطية ما تزال سائدة وإن تمكنا بالعمل كمجموعة مع العديد من النساء والفتيات من كسرها إلى حدود بعيدة، وكان همنا وضع استراتيجية جديدة وهي موجودة لدى "الاتحاد" بفعل تراكم التجارب، خصوصاً وأن "الاتحاد النسائي" تأسس قبل 40 سنة، وبالنسبة لي المستوى السياسي هو الأهم، لأننا لغاية اليوم لم نصل إلى تمثيل سياسي عادل للنساء كما هو مطلوب، ليس لأنه تنقصنا الكفاءة، على العكس تماماً نحن لدينا الكفاءة ولسنا بحاجة إلى التمكين، نحن ممكّنات".
وعن التحديات التي واجهتها "ما نواجه من تحديات سببه الثقافة المجتمعية السائدة، والمرأة لكي تصل إلى مواقع معينة، فهي بحاجة إلى دعم الجميع، وليس لدعم النساء فقط، أي دعم المجتمع، نعم هناك صورة نمطية وثقافة اجتماعية سائدة، وهناك سلطة أبوية تحد من إمكانية وصول المرأة، خصوصاً لجهة النظرة النمطية التي تقول بأن المرأة يجب تكون الأم، الزوجة والابنة، نحن نحترم دور المرأة في بناء عائلة، ولكن نحن مواطنات لنا الحق أن نكون في المجالس البلدية ومجلس النواب، وبالتأكيد علينا العمل لكي نصل إلى أي موقع مسؤولية، فليس المهم أن تصل المرأة إلى مواقع القرار فحسب، وإن المهم أيضاً أن تكون متمعة بالكفاءة والقدرة على المواجهة".
وعن موضوع "الكوتا النسائية" قالت "كنت في السابق أقول إنني لست مع "الكوتا" لأن هناك مساواة بين المرأة والرجل، لكن للأسف، على أرض الواقع هذا الأمر غير موجود، ولأن هناك تمييزاً وإجحافاً بحق المرأة، ولأن هناك فجوة بين المرأة والرجل، فالنساء بحاجة إلى "الكوتا" ولكن فقط مرحليا، فـ "الكوتا" هنا لحجز مقاعد للنساء، وعندما يدخلن إلى البلديات والمجلس النيابي، وتتمكن من تشريع القوانين التي تؤمن تكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين، عندها نتخطى "الكوتا"، ولذلك نحن بحاجة لهذه الـ "كوتا" المرحلية، وبالنسبة لي في كافة المجالات".
وقالت "عندما لا تستطيع المرأة أن تعطي الجنسية لأولادها، أو لا تستطيع تفتح حساباً مصرفياً لأولادها، ونقول لها حصلت على المساواة لأنك تستطيعين الخروج والعمل، فهذا إجحاف، لكن على الرغم من النشاط والنضال الذي تقوم به النساء، فما ينقصنا هو المعرفة، لذا برأيي أن نشاطنا النسوي ودون إشراك الرجال فهناك ثغرة، ليتمكن هو أيضاً من فهم مطالب النساء، ومن المهم أيضاً التوعية لدى الجيل الجديد لمعرفة الحقوق والواجبات".
تحقيق أهداف التنمية المستدامة
وعن الانتخابات البلدية في بلدتها رأس المتن في محافظة جبل لبنان، أشارت ربى مكارم إلى نيتها المشاركة فيها، وقالت "انطلاقاً من أهمية دور النساء بالوصول إلى مراكز صنع القرار، وإيماناً مني بأن التغيير يبدأ على المستوى المحلي، ولأن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، يفرض تمثيلاً وإشراكاً عادلاً للنساء والرجال في المجالس البلدية، بدأ اهتمامي بالتعمق في فهم العمل البلدي منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم، لذا درست دبلوم في إدارة ومالية البلديات من الجامعة اللبنانية الدولية في العام 2019، وأقوم بالإضافة إلى ذلك متابعة دورات وورش عمل وبرامج خاصة بالحكم المحلي، فنحن على مسافة قريبة من إجراء الاستحقاق البلدي، لذا أدعو النساء للمشاركة الفاعلة سواء عبر الترشح أو الاقتراع لنكون كنساء رائدات في المساواة والتغيير وتحقيق التنمية المستدامة وصولاً لتحقيق المساواة ولعدالة الجندرية المنشودة".
وأضافت "استلمت مهمة الإحصاء في الانتخابات النيابية سابقاً، ما منحني تماساً مباشراً مع الناس، وربما أترشح للمخترة، وبسبب اهتمامي بالشأن العام، وكوني موجودة دوماً على الأرض في البلدة، وربطا بإيماني بأن التغيير والوصول إلى العدالة الجندرية المنشودة، فهذا يتطلب البناء على أكثر من مستوى، وبرأيي بداية وأهمها على المستوى المحلي، فليس الجميع قادراً على الوصول إلى مجلس النواب، فمن المهم البدء بالتغيير من الدائرة الصغرى من البيت والمجتمع المحلي، والتنمية تتطلب مشاركة النساء والرجال معاً، لذا فأنا أخطط منذ زمن للمشاركة الفعلية في المجلس البلدي، سواء كعضو أو كرئيسة بلدية حتى، لأنه من حقي، وهذا رهن أولاً أن تجري هذه الانتخابات بالفعل، وثانياً بصورة التحالفات، وثالثاً لأني أجد في نفسي الكفاءة للدخول في هذا المجال، لوضع برنامج استراتيجي للعمل البلدي وليس وفقاً للأعراف القديمة أي وفقاً للعائلات وفروعها، وهو ما لا يترك المجال للكفاءة، فالبلدية باب واسع للتنمية ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة المختلفة".