ناشطات تونسيات: نظام الاقتراع على الأفراد سيقصي النساء من المشهد السياسي
أثار المرسوم الجديد الذي ينص على تطبيق نظام الاقتراع على الأفراد استياء الناشطات في المجتمع المدني والحقوقيات على خلفية أنه سيقصي التونسيات من المشهد السياسي ويتراجع حضورهن في المجالس المنتخبة.
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ اعتبرت ناشطات تونسيات أن اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد في تونس سيؤدي إلى إقصاء النساء من المشهد السياسي، معبرات عن رفضهن لما جاء في المرسوم عدد 55 وانعكاساته السلبية على المشاركة السياسية للمرأة.
حول المرسوم عدد 55 المؤرخ في 15 أيلول/سبتمبر الجاري، وتداعياته على تواجد المرأة في المجال السياسي، قالت الناشطة في المجتمع المدني سلوى قيقة "أشاطر الديناميكية النسوية الرأي في تخوفهن من نظام الاقتراع على الأفراد وتأثيره السلبي على حضور المرأة في المشهد السياسي، لأنه في ظل وجود العقلية الأبوية السائدة في مجتمعنا لن يكون للنساء حظوظ في الحضور كما ينبغي".
وأشارت إلى أنه منذ عام 2011 ناضلت الناشطات في المجتمع المدني والحقوقيات من أجل تطبيق مبدأ التناصف الأفقي والعمودي، ولكن رغم ذلك لم يكن العدد متساوياً في المجالس المنتخبة حيث كان عدد الرجال يفوق النساء.
وأوضحت أن "رفض هذا المرسوم في هذه المرحلة الحساسة جداً ليس مناسباً، ولكن هناك حل جذري يمكن اعتماده للخروج من هذا المأزق، والذي يتمثل في الإبقاء على نظام الاقتراع على الأفراد، ولكن بترشح رجل وامرأة في نفس الوقت كعبارة عن فرد واحد، وبهذه الطريقة يمكن أن نضمن حظوظاً وافرة للمرأة في أي انتخابات وكذلك تحقيق المساواة بين الجنسين التي تنادي بها جميع البلدان المتقدمة".
وأكدت على أن هذه الطريقة تم اعتمادها في مناطق الإدارة الذاتية بشمال وشرق سوريا، وتحققت من خلالها المساواة والتناصف وسادت الديمقراطية في البلاد وأصبحت المرأة قوية وفاعلة وتؤمن بقدراتها ولا تتردد في الترشح، كما أصبح الرجل مقتنعاً بأن وجود المرأة هو مسألة ضرورية للمشاركة في بناء مجتمع متقدم ومتوازن.
من جانبها قالت الناشطة في المجتمع المدني وأستاذة في علم الاجتماع رحمة بن سليمان أنه "تم تعيين أول وزيرة في الحكومة في سنوات الثمانينات بعد انتظار طويل ومطالبة بحقوقنا، وكذلك كانت حكومة عام 1987 ـ 2011 مُجرد حكومة تلفيق قانوني وسياسي لمسألة المشاركة السياسية للمرأة. استمر الوضع على حاله حتى بعد عام 2011، فلا زالت المرأة تعيش حالة إقصاء سياسي مبطّن".
ولفتت إلى أنه "من الواضح أن المرسوم عدد 55 يعود بمكاسب المرأة في المشاركة السياسية إلى الوراء، فبعد أن نصّ القانون الأساسي عدد 7 لعام 2017، المتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لعام 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء الذي تضمّن التناصف الأفقي العمودي في الترشّح، الذي كان يعد من بين أهم المكاسب التي حققتها المرأة بعد نضالاتها المستمرة منذ عام 2011، قد تم إلغاؤه اليوم من خلال خرق الفصل 51 من الدستور الجديد".
ولفتت إلى أن ذلك من شأنه أن يؤثر على مكانة المرأة داخل المشهد السياسي وربما ستكون نتيجته أسوء ممّا أفرزته الانتخابات التشريعية عام 2019 "رغم تغير السياق السياسي والاجتماعي والثقافي إلا أن مكانة المرأة لازالت هشّة على المستوى السياسي، حيث اتّضح أن تعديل القوانين والمراسيم الخاصة بها مُجرد نقاط جديدة وُضعت فوق حُروف قديمة تزيد من سوء الوضع السياسي للمرأة".
وأكدت على أنه "إذا ما أراد الفاعل السياسي العمل على إشراك المرأة، فهذا يمر وجوباً عبر إزالة العقبات التي تحُول دون تمكينها من مواطنة كاملة. حيث لا يمكن الحديث على انتقال أو اصلاح سياسي، ونحن نلاحظ غياب المشاريع التي تخص المرأة في الاستشارة التي أطلقها رئيس الجمهورية على سبيل المثال، كذلك لا يمكن أن ننتظر من المرأة هذا إن ضمنت الولوج إلى حقل الممارسة السياسية، ممارسة تُعبُر على رؤاها وتطلعاتها، ونحن نُسجل ارتفاعاً كارثياً لمنسوب العنف الذي يُمارس ضدها في الشارع والعمل".
وأشارت إلى أنه حتى "نضمن مشاركة فاعلة للمرأة، علينا أن نبدأ بكسر حلقة إعادة انتاج التمييز الثقافي والجندري والاجتماعي، ولا يكون ذلك إلا بتغيير تمثّلات المجتمع ككل، وللفكرة التي تبلورت حول المرأة وأدوارها السياسية".
وكانت قد أصدرت الديناميكية النسوية بياناً عبرت فيه عن رفضها لنظام الاقتراع على الأفراد، لافتةً إلى تونس تعيش منذ الخامس والعشرين من تموز/يوليو عام 2021، على وقع تغيرات سياسية تتالت فيها الأحداث والقرارات الرئاسية التي تخص إدارة الحياة السياسية والتي تمّ اتّخاذها بشكل أحادي ومنفرد ودون تشاركية جدّية للطيف السياسي والمدني.
وأكدت على أن الجمعيات النسوية ستبقى متمسكة بكل المكتسبات القانونية والتشريعية التي ضمنت حقوق النساء وناضلت من أجلها أجيال على امتداد حقبة زمنية طويلة.
وتعتبر أن التراجع عن مبدأ التناصف باعتماده نظام الاقتراع على الأفراد دون ضبط ضمانات تتيح للنساء مشاركة واسعة وفعلية، يعدّ خرقاً جسيماً لأحكام الفصل 51 من الدستور الجديد، مشيرةً إلى أن القانون الانتخابي الجديد توجه إلى حصر مبدأ التناصف في التزكيات المعتمدة عند الترشح وليس في الترشحات، بما يشير إلى توجه نحو إشراك صوري للنساء والشباب وتعميق التهميش السياسي لهذه الفئات الواسعة.
وطالبت الديناميكية بمراجعة القانون الانتخابي الجديد باعتماد نظام اقتراع زوجي في جميع الاستحقاقات الانتخابية القادمة بما في ذلك مجلس الجهات والأقاليم والمجالس البلدية، بما يضمن احترام مبدأ التناصف في الترشح تحقيقاً لمشاركة فعلية للنساء وضمان ولوجهن إلى مواقع اتخاذ القرار، إذ لا ديمقراطية حقيقية دون مشاركة فعلية للنساء ودون تعزيز مكانتهن في العملية الانتخابية.