'الصوت السياسي النسائي مقصي وطريقهن لا زال محفوفاً بالمخاطر'
برغم التشريعات التقدمية لازالت السياسيات في تونس عُرضةً للعنف السياسي والاستهداف بغية إقصائهن.
زهور المشرقي
تونس ـ بات تسييس جسد المرأة وممارسة العنف السياسي ضدها أداة للهيمنة الذكورية في الفضاء العام، برغم جهود النسويات في الارتقاء بواقع المرأة السياسية ودفعها للمشاركة بفعالية، ولم تتقلد النسويات فقط مهمة منع الذكورية، بل بلغت أهدافهن تحرير النساء من السبات الدغمائي وإخراجهن إلى النور في ظل واقع سياسي معقد ومحاط بالعراقيل.
ترى الباحثة والاستاذة في اختصاص الفلسفة حياة حمدي أن حضور المرأة ضعيف في الفضاء العمومي منذ نشأته في الأغوار اليونانية مروراً بالثورة الفرنسية والأنوار وصولاً لهابرماس، فهو لا يعود فقط لتجاهلها التاريخي في الفلسفة أو لميزوجينية الفلاسفة وكراهيتهم لها، بل إنه ما حتمته بنية العنف الجنسي الذي يواصل تمييز المرأة وإخضاعها لمفاهيم الفضاء العمومي التي دشنتها الحداثة السياسية نفسها.
وعن دراستها حول العنف السياسي ضد النساء التي تناولت مقاربة فلسفية جندرية لنزع الطابع الطبيعي عن العنف قالت "العنف طبيعة بشرية لتخليص التقليد السياسي للإرث الأدبي والسياسي الذي حاول مقاربة الطبيعة البشرية وممارسته ضمن المجتمع الإنساني والتاريخ"، لافتة إلى أن العنف هو ظاهرة اجتماعية وسياسية وتختلف من الناحية السياسية عن غيرها من بقية الظواهر الأخرى كالاقتصادي والاجتماعي "العنف السياسي آفة يحاول التسلط على جنس معين"، معتبرة أن هذه المقاربة جندرية لأنه يتوجه إلى المرأة لأنها امرأة من خلال عدة ظواهر.
وأوضحت بأن الظهور الأول يبرز من خلال محاولة استبعاد النساء من الفضاء العمومي المشترك أو ما يسميه الفلاسفة بمفهوم "الشراكة"، مشيرة إلى أن النساء والرجال في تونس منذ ظهور الفضاء السياسي منذ عقد ونيف لازمتهن هذه الظاهرة.
وبينت أن المجتمع يقصي النساء من السياسة، بحيث يمكن القبول بالمرأة كناشطة في المجتمع المدني لكن لا تقبل في النشاط السياسي الذي لازال محفوفاً بالمخاطر، مؤكدة أن الإرث التشريعي في تونس وقانون مكافحة العنف ضد النساء يُجرم العنف السياسي.
وأشارت إلى أن قانون مكافحة العنف ضد النساء جاء بعد نضال طويل من قبل الناشطات، لكن ذلك لم يحد من استهداف السياسيات والعاملات في الحقل السياسي والفضاء العمومي فضلاً عن عدم تمكن المرأة من التمثيل في مراكز القرار برغم تعيين وزيرات ورئيسة حكومة سابقة في العشرية الثانية من الثورة، لكن هذا الاعتراف ظل دون صوت "المرأة السياسية في تونس لا زالت تحاول جاهدة أن تنفذ إلى الفضاء العمومي السياسي لكنها لا تفلح في ذلك بفعل أن القوانين التي تسمح لها بالحماية لا نجدها متوفرة في تونس رغم الإرث التشريعي التقدمي الذي تتميز به تونس".
وقالت إن الحركة النسائية في تونس منذ ظهورها، عملت على تحطيم المحرمات التي كانت تعيقها عن العمل السياسي، فالحركة ظلت لعقود تحت قيد التوظيف السياسي ولم تسعى إلى الاستقلال عن السلطة والخروج إلى الفضاء العمومي إلا في السنوات الأخيرة التي شهدت سقوط الاستبداد بمشاركة النساء والتقاطع مع الحزب الواحد والرأي الواحد وخاصة مع ما يمكن تسميته "نسوية الدولة"، لافتة الى أن هذا الانخراط في الحياة السياسية كشف عن طبيعة وحجم العنف السياسي الممارس عليهن "الاضطهاد والتحرش والمضايقة والتهديدات والضغط وأساليب كثيرة تعتمدها مجموعة سياسية ضد النساء المترشحات أو المعينات في مناصب حكومية أو المنتخبات أو المدافعات عن حقوق النساء، وذلك في إطار رفض الاختلاف".
وأكدت أنه رغم المآلات المحتشمة لهذا الانتقال الديمقراطي إلا أنه لا يمكن إنكار الدور المهم الذي قامت به النساء سواء في الأحزاب التقدمية أو داخل الجمعيات والمنظمات من أجل دسترة حقوقهن وتطوير مكاسبهن التي ناضلن من أجلها إلا أن إشراكهن كان محتشماً ومشوهاً، إلى أن وحدتهن الثورة والشارع فقد قسمهن الانتقال الديمقراطي بالانتماء الحزبي والتوجه السياسي وغيرها وهي أخطاء استغلها النظام الأبوي الذكوري الذي يسعى لإقصائهن.
وأوضحت أن الفصل 3 من القانون 58 لمكافحة العنف ضد النساء الذي ينص على إن كل فعل أو ممارسة يهدف مرتكبه لحرمان المرأة أو إعاقتها عن ممارسة أي نشاط سياسي أو حزبي أو جمعياتي أو أي حق من الحقوق والحريات الأساسية ويكون قائماً على أساس التمييز بين الجنسين يعاقب عليه، داعية إلى خلق فضاء مجنس قائم على العدالة والاعتراف بالنساء ضمن حقل الحياة المشتركة لا الاقصائية.
من جانبها قالت الاستاذة المبرزة في اختصاص الفلسفة مها بشير أن اتصال المرأة بالعمل السياسي هو موضوع مقاومة ولم يكن من الأمور البديهية أن تكون المرأة سياسية "أن تقول النساء الكلمة الحرة في الفضاء العمومي الذي يعتبر فضاءً للقول السياسي فهو ثورة، فذلك يدفع لتنامي مظاهر العنف ضدها في الفضاء العمومي وتصل حد الاغتيالات عندما تمثل هذه الكلمة الحرة التي كانت محرومة منها".
وأضافت "جميعنا نعلم أن المرأة كان مجالها البيت حيث كانت تهتم بتدبير شؤون المنزل ورعاية أفراد عائلتها ومحرومة من المواطنة والمشاركة في الحياة السياسية، والتعبير عن رأيها اليوم هو نوع من التغيير"، هذا الفكر القديم يثير حفيظة الفكر البطريركي الذكوري مما يفسر الكراهية والعنف تجاهها.
واعتبرت أن العنف السياسي يجب مجابهته بحلول تربوية بغرس أفكار لدى الأطفال بأن المرأة والرجال متساويان ولها الحق في التعبير والمشاركة في الحياة السياسية والعامة، وهو عمل يبدأ من الأسرة والتنمية الاجتماعية "حين تكون كلمة الأب هي الفيصل في المنزل لن يكون هناك قبولاً لأي امرأة في المجال السياسي، هناك عمل على مفهوم الكونية وفكرة الإنسانية التي يجب أن تكون المرجعية الحقيقية في ذهن المواطن، وأن تكون هناك مساواة تامة بينهما في الحقوق الطبيعية والمدنية وهي فكرة يجب ترسيخها في برامج التدريس والثقافة العامة والإعلام لكي تصبح بديهية".
وأوضحت في ختام حديثها أن "المرأة لا زالت تحتل دوراً ثانوياً في الخطاب السياسي، ومجرد رقم تكميلي لتأثيث المشهد السياسي".