النضال النسوي في الجزائر وقانون الأحوال الشخصية

يُعتَبر النضال النسوي قضية سياسية بالدرجة الأولى، وتعتبر الجزائر من بين الدول التي قطعت أشواطاً طويلة إن لم نقول إنها تخبطت لفترة ما في إثبات حركتها وإقناع عدد كبير من أشباه الديمقراطيين أو المعارضين لحقوق النساء في الجزائر

نجوى راهم
الجزائر ـ
شهد النضال النسوي في الجزائر تقدماً وازدهاراً كبيراً منذ بدايته باكتساح الناشطات لمجموعة من الحقوق المهضومة كحق التعليم والعلاج والعمل، ونجاح النساء في الولوج إلى الفضاء السياسي وتقلدهن مناصب قيادية في البرلمان، من خلال سن قانون جديد للانتخابات مبني على نظام المحاصصة أو الكوتا النسائية التي اعتمدتها عام 2012.
لكن على الرغم من ولوج المرأة إلى عالم السياسية وخوضها غمار التجربة إلا أن بعض النساء لم تكن مقتنعات بالتمثيل النسوي في مقاعد البرلمان.
أوضحت المحامية عائشة زميت لوكالتنا أن "النساء اللواتي أخذن مناصب في البرلمان لم يكن لهن دور فعال، ولم تكن لدينا كفاءات من أجل المطالبة بتغيير وضعية حقوق النساء في الجزائر. على سبيل المثال قانون الأحوال الشخصية اهتم بالنتائج وأهمل الأسباب، وأغلب القضايا الموجودة في المحاكم نساء تشتكين من أزواجهن بسبب العنف ضدهن". 
وأشارت إلى أنه "مع غياب الآليات الحقيقية وتفعيلها في المواد التي تخص العنف والنفقة والطلاق هناك ثغرات ترغم النساء على التنازل عن حقوقهن سواء بإبطال حق الشكوى أو حتى التخلي عن النفقة وبدل الإيجار، والتي تعتبر مبالغ زهيدة في ضمان حياة كريمة ومستقرة للنساء المطلقات".
فيما أكدت المحامية نسيمة رواينية أن "ما يقارب 80% من قانون الأحوال الشخصية في قانون الأسرة الجزائري مستمدة من الشريعة الإسلامية، وحان الوقت لإعادة النظر في الفجوة الموجودة بين القانون وتطبيقه". 
وأضافت "هناك إجحاف كبير في حق النساء في المادة 66 من قانون الأسرة المتعلق بحضانة المرأة لأبنائها في حال زواجها ثانيةً، بينما يمنح الرجل حق الحضانة حتى إن كان متزوجاً أو سيتزوج مرة أخرى، وهذا ما نسجله في المحاكم وجلسات الطلاق".
وتابعت "معظم القضايا المطروحة هي لنساء مطلقات يرغبن في الاستقرار بحياتهن لكن دون جدوى وبسبب ضغط الطليق وسلبه للطفل بعد معرفته برغبتها في الزواج ثانيةً، بالمقابل نجد أن الزوج يتهرب من مسؤولياته فيما يخص النفقة وتوفير منزل آمن لطليقته وأبناءه".
وفي عام 2005 تم تعديل قانون الأسرة الذي صدر عام 1984، لينص على إلغاء بند الرجل رب الأسرة، وحق الرجل في الطعن أو الاستئناف في أحكام الطلاق والخلع التي كانت موجودة في القانون الأول، كما تم إجراء الكثير من التعديلات من أجل فصلها عن التفسيرات الأكثر صرامة للقانون الإسلامي الذي تتبعه البلاد.
إلا إن منظمات حقوقية اعتبرت أن القانون يتعامل مع المرأة الجزائرية كـ "قاصر مدى الحياة" ويتنافى مع الدستور، لذا تم تعديله مرة أخرى عام 2015، وبعد مرور ست سنوات على تعديل قانون الأسرة أعلنت ناشطات وحقوقيات مطالب جديدة وتعديلات من أجل إعادة النظر في القانون، خاصةً بعد ارتفاع عدد حالات الطلاق والتي تجاوزت 68 ألف حالة طلاق سنوياً أي بمعدل حالة كل 8 دقائق، والعنف الممارس ضد النساء.
وأشارت نسيمة رواينية إلى أنه "لا بد من تسليط الضوء على الإشكاليات الاجتماعية في قانون الأسرة من خلال مراجعة قانونية لشؤون الأسرة والأحوال الشخصية، وتطبيق الآليات والميكانيزمات الفعلية بإعادة النظر في مواد الطلاق والنفقة بما فيه من أحكام قاسية تمس المرأة أكثر من الرجل، وخاصةً أن هناك من يتحايل ويستغل هذه الثغرات القانونية من أجل تحقيق مصالحه".
وعن التجاوزات والثغرات التي تخللت قانون الأحوال الشخصية، وما ترتبت عنه من نتائج سلبية في حق النساء، تقول المحامية فتيحة بن عبو "قانون الأحوال الشخصية بحاجة إلى مراجعة وتعديل نظراً للعيوب التي يحملها، والتي يصعب تطبيقها من خلال المواد المنصوص عليها، لاسيما الإفراط في اللجوء إلى الخلع، وكذا التسرع في إصدار الأحكام بالطلاق وهي عوامل تؤدي مع مرور الوقت إلى تفكك المنظومة الأسرية". 
وأوضحت أن "كل الدول من حقها التحفظ على الاتفاقيات الدولية في حال عدم تماشيها مع الأعراف والعقائد"، مضيفةً أن "إسقاط شرط الولي الذي أدى إلى ظهور زواج المتعة، ونفقة المرأة، والميراث، وتعدد الزوجات، بالإضافة إلى صندوق المطلقات الذي ألغى أكثر من 30 ألف قضية نفقة على مستوى العدالة، خلال تعريضه للمرأة أو الزوجة للإهانة والسماح للرجل بالتنصل من المسؤولية بعدم دفع النفقة، لا يخدم مصالح المرأة المطلقة الحاضنة". 
ومست التعديلات التي أجريت على القانون العديد من الجوانب منها تغيير الحد الأدنى لسن الزواج القانوني إلى 18 عاماً، فيما نصت المادة 8 من قانون الأسرة المتعلق بتعدد الزوجات على "السماح بالزواج من أكثر من زوجة طبقاً لما حددته الشريعة الإسلامية من وجوب وجود المبرر الشرعي والعدل بين الزوجات".
من جهتها قالت المحامية والناشطة نادية أيت زاي "أن تاريخ القانون الجزائري استمد مصادره وأحكامه من القانون الإسلامي فيما يخص الطلاق والميراث والزواج والحالة المدنية، لكن تزامناً مع الاحتلال الفرنسي فقد حاول المشرع الفرنسي تطوير هذا القانون وفقاً لقوانينهم". 
وأشارت إلى أن "القانون الجزائري مر بالكثير من التعديلات والتغييرات منذ عام 1959 حتى عام 1984، أي تغيرت الكثير من المفاهيم والمصطلحات بعد طرح البرلمانية ليلى عسلاوي لمشاكل السكن، ومنح المرأة حق الحضانة، وإقرار التبني والكفالة، وهذا ما جعل القضاة يجتهدون لوضع قانون للأسرة ويهتم بالأحوال الشخصية للأفراد". 
وأضافت نادية أيت زاي أن "المشرع الجزائري يجب عليه إعادة النظر في كل المواد القانونية المتعلقة بالأحوال الشخصية"، مشددةً على "ضرورة مراجعة المادة 66 من قانون الأسرة، وضمان حق المرأة في إعادة بناء حياتها مع مراعاة مصلحة الطفل".
وبالرغم من مصادقة البلاد على بعض المواد الجديدة وتعديل أخرى عام 2015، وإضافة قوانين تجرم العنف ضد النساء، إلا أنه على إثر هيمنة المجتمع الذكوري والذهنية الميزوجينية التي مازالت تتخبط فيها النساء بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، عادت النساء وبقوة تزامناً مع انطلاق الحراك الشعبي عام 2019، من خلال خروج الناشطات بعد أكثر من 20 سنة إلى الميدان للمطالبة بحقوقهن ووصفهن لقانون الأسرة بقانون "العار" الذي سلبهن حقوقهن وجردهن من أبسط المتطلبات، من خلال غياب رادع قانوني على أرض الواقع.
ومن أبرز مطالب الحقوقيات، إلغاء المادة 66 من قانون الأسرة، الذي اعتبرنه حرماناً لحق المرأة من حضانة أبناءها في حال تزوجت مرة أخرى، ولا يوجد محتوى ولا تعريف لهذه المادة، بل هناك تفسيرات يمكن قياسها من خلال الاجتهاد القضائي والقرارات التي يتخذها القضاة بشأن إثبات حضانة الأم التي تتزوج ثانيةً مع مراعاة مصلحة الطفل.
واقترحت المحامية نادية أيت زاي، والبرلمانية السابقة نفيسة لحرش، ورئيسة جمعية جزائرنا شريفة خضار، وفطيمة أصديق وحياة آيت أبا، مشروع قانون الإطار يضمن كرامة المرأة وحمايتها من كل أشكال العنف والتحرش والاغتصاب.
كما عبرت الناشطة سمية صالحي عن تأييدها لإلغاء المادة 66 من قانون الأسرة الحالي الذي يضطهد ويهضم حقوق النساء، مؤكدةً على أنه يتنافى مع مبادئ الدستور الذي ينص على المساواة بين المواطنين على حد قولها.
وشددت في ختام حديثها على سن قوانين وإجراءات تحمي الأسرة، وتضمن كرامة النساء وفق قوانين مدنية تخدم مصلحة الجميع.
لاتزال الناشطات والحقوقيات جيلاً بعد جيل تدافعن عن قضية النساء وحقوقهن، من خلال مطالب طالما كررتها المواثيق والقوانين والمعاهدات الدولية، وهي ضمان الحق في المساواة بين الجنسين في العمل والأجور والعيش حياة كريمة.