المعتقلة السياسية زينب جلاليان رمز المقاومة في السجون الإيرانية
"عندما تولد المرأة بحرية، لا يمكن لأي اضطهاد أن يركعها على ركبتيها" من أشهر الجمل التي قالتها زينب جلاليان أول معتقلة سياسية يصدر بحقها حكم السجن مدى الحياة في إيران
مركز الأخبار ـ .
فيما تقبع في زنزانة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، وتواجه شتى أصناف التعذيب، أثيرت مخاوف تهدد حياتها جراء إصابتها بفيروس كورونا وإضرابها عن الطعام والدواء.
طالبت العديد من المنظمات بإطلاق سراح الناشطة زينب جلاليان، وهي من بين عدد كبير من المعتقلات السياسيات الكرديات في إيران اللواتي يعانين من أوضاع صحية خطيرة وانتهاكات لحقوقهن.
وقد نشرت منظمة العفو الدولية في الثاني من شباط/فبراير 2021، رسالة أشارت فيها إلى الحالة الجسدية السيئة لزينب جلاليان، واتهمت عملاء وزارة المخابرات الإيرانية بعرقلة فحصها الطبي من أجل انتزاع اعتراف منها أمام الكاميرا.
وطالبت رئيس القضاء الإيراني إبراهيم رئيسي خلال الرسالة بمعالجة زينب جلاليان فوراً بمستشفى خارج السجن، ودعت إلى الإفراج عنها بناءً على اقتراح مجموعات العمل التابعة للأمم المتحدة.
وبالرغم من محاولات منظمات حقوق الإنسان، العفو الدولية، الأمم المتحدة، شبكات حقوق الإنسان في إيران، النشطاء السياسيين والمدنيين، ما زالت إيران تمارس المزيد من الضغوط على زينب جلاليان.
نضالها في سبيل تحسين واقع المرأة
تواصل النساء في إيران الكفاح في صمت وتتقدمن بشكل تدريجي نحو تحقيق طموحاتهن في الحرية والحصول على أبسط حقوقهن ألا وهو حق التعليم والعمل.
لم يكن من المستطاع بالنسبة للناشطة السياسية الكردية زينب جلاليان البالغة من العمر 38 عاماً التي ولدت في قرية ديم غيشلاغ بمدينة ماكو في إيران، التمتع بحقوق المرأة الأساسية.
نشطت في مجال التعليم والعمل الاجتماعي، متحدية كافة السياسات اللاأخلاقية واللاإنسانية المتبعة ضد النساء من قبل النظام الإيراني، تلك السياسات التي عملت منذ زمن بعيد على طمس حرية المرأة الكُردية.
الاعتقال التعسفي والحكم بالسجن مدى الحياة
أثارت نشاطات زينب جلاليان الساعية إلى تحرير المرأة حفيظة السلطات الإيرانية التي ما زالت تمارس القمع والاضطهاد ضد النساء اللواتي تسعين وتناضلن من أجل تحرير النساء من القيود التي تعيق تقدمهن في الحياة.
في الحادي عشر من آذار/مارس 2008 اعتقلت أجهزة الاستخبارات الإيرانية السياسية زينب جلاليان بتهم "الإرهاب، مغادرة البلاد بصورة غير شرعية، امتلاك أسلحة بشكل غير قانوني، الانتماء إلى حزب الحياة الحرة الكردستاني".
بعد اعتقالها مباشرة تم نقلها إلى مركز احتجاز مكتب استخبارات كرمنشاه، وبعد بضعة أسابيع، أرسلت إلى مركز إصلاح كرمنشاه.
كانت عملية اعتقالها المرحلة الأولى من الإجراءات الغير قانونية المطلقة وبداية القضايا الأمنية ضدها. فبموجب القانون الإيراني يجب إخطار المتهم خطياً بالتهم الموجهة إليه، إلا أن زينب جلاليان لم تكن على دراية بالتهم الموجهة ضدها إلى أن مثلت أمام المحكمة، أي بعد مضي عام على اعتقالها.
مثلت زينب جلاليان أمام محكمة الثورة في عام 2009، ليحكم عليها بالإعدام شنقاً، بدون وجود محامي دفاع أو هيئة محلفين وبمرافعة لم تستغرق سوى بضع دقائق وصفتها منظمات حقوقية بالصورية، على الرغم من عدم وجود أي أدلة تثبت ارتباطها بالأنشطة المسلحة في حزب الحياة الحرة الكردستاني المحظور في إيران.
وفي آب/أغسطس 2010 تم اقتيادها من سجن إيفين إلى سجن ديزل آباد في مدينة كرمنشاه.
عارضت المنظمات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية كمنظمة هيومن رايتس ووتش حكم الإعدام، وقاموا بتنظيم حملات طالبت برفع حكم الإعدام عنها، ونتيجة لذلك خففت السلطات في كانون الأول/ديسمبر 2011 الحكم إلى المؤبد مع الأشغال الشاقة، لتكون أول معتقلة سياسية في إيران يصدر بحقها حكم السجن مدى الحياة.
انتهاكات وممارسات لاإنسانية
تعاني زينب جلاليان المعتقلة في أقبية سجون النظام الإيراني، من ممارسات لاإنسانية تعسفية من قبل القائمين على السجون ورجال الاستخبارات الإيرانية، تفاوتت ما بين تعذيب جسدي ونفسي، بالإضافة إلى الإهمال الطبي.
أعلنت منظمة العفو الدولية في حزيران/يونيو 2014 أن زينب جلاليان معرضة لخطر فقدان بصرها تماماً، وتحتاج إلى علاج فوري، على إثر تعرضها للتعذيب على أيدي رجال الاستخبارات أثناء استجوابها، وعلى الرغم من ذلك تم حرمانها من تلقي العلاج اللازم.
وقد أفادت تقارير طبية واردة من السجن بأن زينب جلاليان تحتاج لإجراء عملية لعينيها، وقد تصاب بالعمى في حال لم تجرها، حيث تعتقد عائلتها أنها أصيبت عندما رطم المحققون رأسها بالحائط عدة مرات، ما أدى إلى إصابتها بكسر في الجبهة ونزيف في الدماغ وتورم العينين.
كما أنها تعرضت للتهديد بالاغتصاب والتعذيب والجلد والمضايقة من أجل المشاركة في مقابلات تلفزيونية بشأن التهم الموجهة ضدها، وإجبارها على الاعتراف بالتعاون العسكري مع حزب الحياة الحرة الكردستاني "PJAK".
وقد أعلنت إضرابها عن الدواء في 31 كانون الأول/ديسمبر 2018، احتجاجاً على عدم تلقيها العناية الطبية في السجن ما أدى إلى تدهور حالتها الصحية.
التنقل بين معتقل وآخر
نُقلت زينب جلاليان خلال فترة اعتقالها إلى عدة معتقلات في إيران منها سجن ديزل آباد في مدينة كرمنشاه، وسجن خوي في مدينة خوي، وسجن قرتشك في مدينة ورامين.
وتعرف السجون الإيرانية على أنها من أسوأ السجون في العالم، ويتصدر سجن قرتشك قائمة السجون الخطرة المخصصة للنساء في البلاد نظراً لممارسة كافة أنواع التعذيب، وسوء الظروف الصحية والنفسية المفروضة على السجينات.
قامت زينب جلاليان بإضرابين عن الطعام في مركز احتجاز كرمنشاه وسجن إيفين احتجاجاً على الحرمان المستمر والتعذيب النفسي والبدني، إلى جانب منعها من الزيارات الأسبوعية.
بعد نقلها من سجن خوي إلى سجن قرتشك في مدينة ورامين، طلبت زينب جلاليان إعادتها إلى سجن خوي أو نقلها إلى سجن إيفين، إلا أن طلبها قوبل بالرفض من قبل القائمين على السجن، وعلى إثر ذلك دخلت إضرابا عن الطعام في 20 شباط/فبراير 2016.
وعلى الرغم من فرض كافة أشكال التعذيب على زينب جلاليان، من اعتقال تعسفي مع التوقيف بدون أمر وانتهاك حق الحصول على مشورة قانونية ولقاء محام دفاع، وانتهاك مبدأ حظر التعذيب والمحاكمة العادلة، بما في ذلك الحرمان من الاتصال والزيارات العائلية، والحرمان من الخدمات الصحية ونقص الأمن والمرافق المعيشية الأساسية، لم تقف كل تلك الانتهاكات عائقاً أمام مقاومتها، بل صمدت وسارت على نهج المقاومة الحرة حتى وهي في المعتقل.
إصابتها بفيروس كورونا
أصيبت زينب جلاليان بفيروس كورونا بعد أن تم نقلها من سجن مدينة خوي إلى سجن قرتشك في أواخر أيار/مايو 2020 بحسب الجمعية العامة الكُردية لحقوق الإنسان، كما أنها أصيبت بأمراض عدة على مدى 13 عاماً منها الظفرة في العين، الحمى القلاعية، وأمراض في الجهاز التنفسي والمعوي، وارتفاع ضغط الدم.
وعلى إثر نقلها احتج بعض السجناء السياسيين إلا أنهم قد هوجموا من قبل القائمين على السجن، ما أدى إلى إصابة العديد منهم بجروح من بينهم السجينة السياسية سهيلة حبيب.
وعلى الرغم من مناشدات الأمم المتحدة بضرورة الإفراج عن المعتقلين السياسيين بعد انتشار فيروس كورونا في سجون إيران، إلا أن السلطان الإيرانية أفرجت عن المعتقلين بتهم جنائية فقط، واستثنت المعتقلين السياسيين المطالبين بالديمقراطية والعدالة وحرية الشعوب.
ولم تسمح السلطات الإيرانية بتقديم أي مساعدات طبية لزينب جلاليان داخل السجن، بالرغم من تأكيد إصابتها بالفيروس، ومطالبة العديد من المنظمات بضرورة مداواتها خارج أقبية المعتقل، منتهكة بذلك أهم مبادئ حقوق الإنسان التي تنص على أنه يجب معالجة أي معتقل يعاني من أمراض تعرض حياته للخطر في السجون.
وقد تم نقلها إلى جناح الحجر الصحي في سجن قرتشك في ورامين مع العديد من مرضى كوفيد ـ 19، وعلى إثر معاناتها من اشتداد تداعيات المرض نقلت إلى المستشفى تحت ظروف أمنية مشددة.
ويستخدم النظام الإيراني أسلوب عدم تقديم العلاج للمعتقلين السياسيين المرضى بهدف تحصيل اعترافات منهم، إلا أن زينب جلاليان لم تخضع وتقبل بمطالب الأجهزة الأمنية مقابل العلاج الطبي على الرغم من سوء حالتها الصحية، وبحسب نشطاء ومنظمات حقوقية فأن السلطات الإيرانية لن تقدم العلاج لها إلا إذا قدمت اعترافات مصورة عن تهم موجهة ضدها.
والجدير بالذكر أن كثير من المعتقلات الكبيرات في السن اللواتي تحملن سنوات طويلة من عقوبتهن في السجون يعانين من أمراض عديدة ولكنهن لا يتمتعن بحق الإجازة أو الإفراج المشروط، وتمارس السلطات الإيرانية الاسلوب ذاته بحق المعتقلة السياسية زينب جلاليان التي لم تلقى العلاج والاهتمام الصحي، ولعدم الاستجابة لطلبها بإعادتها إلى سجن خوي أعلنت إضرابها عن الطعام في 20 حزيران/يونيو 2020.
وشهدت السجون الإيرانية حالات تمرد واحتجاجات ضد تفشي وباء كورونا وعدم منح المعتقلات إجازات طبية.
"نحن صوت زينب جلاليان"... حملات ومطالبات بالإفراج
طالبت العديد من المنظمات والشخصيات الديمقراطية والإنسانية بالإفراج عن زينب جلاليان، ونددت بالسياسة الإيرانية الاستبدادية.
اعتبرت منظمة العفو الدولية الناشطة السياسية الكُردية زينب جلاليان، سجينة السنة لعام 2016 في حملتها الإنسانية ضد ممارسات العنف والاعتقال بحق النشطاء ودعاة الحرية والديمقراطية.
فيما جمع ناشطون وناشطات أكثر من 1300 توقيع من عموم الشرق الاوسط وأوروبا ضمن حملة "نحن صوت زينب جلاليان" التي انطلقت في منتصف حزيران/يونيو 2020، مطالبة بإطلاق سراحها.
وبعد أن تم نقلها إلى أحد سجون كرمنشاه قامت السلطات الإيرانية بنقلها إلى مكان مجهول في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2020 وتبين بعد يومين من ذلك أن ذلك المكان هو سجن مدينة يزد وفقاً لشبكة حقوق الإنسان.