الإصلاح السياسي في لبنان... بين المزايدات والمساواة الجندرية
لطالما كان النظام السياسي اللبناني رهين التوازنات الطائفية، مما أضعف فرص الإصلاح الحقيقي وأقصى فئات مجتمعية عن المشاركة الفعالة في الحياة السياسية، أبرزها النساء. فهل يشكل الطرح الجديد خطوة نحو العدالة، أم أنه مجرد مناورة سياسية عابرة؟

فاديا جمعة
بيروت ـ جدل تشريعي جاب لبنان في الآونة الأخيرة، ففي ظل التحديات والأزمات التي تعيشها البلاد برزت قضية استبعاد النساء عن المشاركة الفعالة في الحياة السياسية، مما يضعهن في موقع هامشي ضمن معادلة سياسية تفتقر إلى التنوع والإنصاف.
تدأب الطبقة السياسية في لبنان في سبيل تكريس حضورها القائم على التحاصص بين الطوائف والمذاهب، فمنذ "اتفاق الطائف" عام 1989 إلى اليوم، لم يشهد لبنان تطوراً على مستوى بنيته السياسية، فضلاً عن أن تنفيذ "الطائف" جاء انتقائياً بما يخدم مصالحها، وهذا الأمر ساهم في تكريس الظلم والإجحاف الذي ما يزال يطال المواطنين غير المستلزمين لهذا الفريق الطائفي أو ذاك، فمع مبدأ المحاصصة يتم إقصاء الكفاءات لصالح التابعين لزعماء الطوائف، فضلاً عن أن طبيعة هذا النظام تقصي كذلك المرأة، بحيث ينتفي مبدأ العدالة والمساواة.
في موازاة هذا الجدل التشريعي، تطرح الأسئلة نفسها حيال دور النساء ومكانتهنّ في أي إصلاح سياسي مرتقب، فهل ستُفتح فعلاً أبواب المشاركة السياسية أمامهن، أم أنّ النظام القائم سيُبقيهنّ على الهامش، في معادلة لا تُنصف التنوع ولا تعترف بالعدالة الجندرية؟
وفي ظل الجدل الذي أثاره هذا الطرح، قدمت الصحفية والناشطة السياسية ندى أيوب، قراءة شاملة حول جديته، أبعاده، وانعكاساته على الواقع السياسي والتمثيلي في لبنان، لا سيما بالنسبة للنساء.
مزايدات سياسية
حول توقيت طرح المشروعين، قالت الناشطة ندى أيوب "جاء هذا الطرح من ضمن حفلة المزايدات السياسية بين القوى المتخاصمة، ورداً على الفريق السياسي الذي يُحاجج بضرورة تطبيق الطائف لجهة حصر ممارسة القوة، وامتلاك السلاح بيد الدولة كما هو وارد في "الطائف"، فكان هذا القانون بمثابة الرد، بأن الطائف ليس لائحة طعام يتم اختيار منها ما يروق لكل فريق، وإن كان هناك من يريد تطبيقه ليطبّق كاملاً حتى وإن كان قانون الانتخاب النسبي على قاعدة أنّ لبنان دائرة واحدة، وإنشاء مجلس شيوخ، يشكّل هاجساً لمكوّن لبناني. وبالتالي، طالما الطرح أتى بهذا السياق، فلا تأثير فعلياً له، مع التأكيد، أن القانون النسبي مع الدوائر الكبرى يمكن أن يكون من أفضل القوانين الانتخابية، لما سيتركه من انعكاس على سلوك المرشحين المضطرين لاعتماد خطاب وطني عام، وليس مناطقي ضيّق".
خطوة إصلاحية
وعما إذا كانت النسبية خطوة إصلاحية حقيقية، أوضحت أنه "في المبدأ، إدخال النسبية هو خطوة إصلاحية، تسمح بتنوّع التمثيل، وعدم احتكاره من قبل الأحزاب الكبرى، لكن النسبية بالشكل التي جرى اعتمادها في انتخابات 2022 مثلاً، ليست أفضل ما يكون، خاصة باعتماد ما يسمى الصوت التفضيلي، إلا أن ذلك لا ينفي أنّ القانون الذي اجريت على أساسه الانتخابات الأخيرة، وإن كان قانوناً هجيناً يجمع بين خصائص القانون النسبي وخصائص القانون الأكثري، إلا أنه يبقى أفضل من القوانين الأكثرية التي اعتمدت في الاستحقاقات الانتخابية السابقة".
وعن مدى جدية المشروع كمدخل للإصلاح، أشارت إلى أن "طرح مشروع القانون، ليس جدياً بحد ذاته، وبالتالي أي حديث عن إصلاح سياسي وتمثيلي في المرحلة الحالية من باب الانتخابات النيابية غير ممكن، أما في حال، تحول الطرح من مجرّد مناورة سياسية، إلى طرح جدّي، يمكن اعتباره خطوة إصلاحية في حال نفّذ من دون تشويهات، تفقده أهميته لجهة حسن التمثيل، والبعد الوطني لمشروع القانون المطروح".
وأضافت "أدوات تأجيل مواجهة القضايا البنيوية في النظام اللبناني كثيرة، وسلطة ما بعد الطائف بكل القوى السياسية التي توالت على الحكم امتهنت تأجيل أي إصلاح جدي، وكانت تهرع إلى الأمام، لأنها لا تريد خسارة أياً من المكتسبات التي حققتها ما بعد الطائف، لا بل هي دائماً ما تسعى للحكم بمنطق الغلبة، ولذلك يشهد هذا البلد على الدوام انقساماً عامودياً وتوترات سياسية تؤدي الى توترات طائفية".
قوى التغيير
وفيما يخص إنتاج طبقة سياسية جديدة، قالت "لا اعتقد أنه في المدى المنظور، سيشهد لبنان ولادة طبقة سياسية جديدة، قد نشهد مشاركة وجوه جديدة أو قوى جديدة في الحكم، مثل ما يسمى بـ "قوى التغيير"، التي أفرزت 11 نائباً، هي ستأكل من حصة القوى التقليدية وتشاركها الحكم، لكن لن تطيح بها ولن تشكل لوحدها طبقة سياسية جديدة".
وعن الخشية من أن يتحول مجلس الشيوخ إلى أداة لتعزيز الطائفية، عبّرت بالقول "ممكن لأي شيء في لبنان أن يتحوّل لأداة تعزّز الطائفية، ولا يمكن لأي مجلس مهما كان اسمه أو شكله أن يجعل من القوى السياسية الحالية قوى وطنية لا طائفية، بسبب طبيعة البلاد، والثقافة الحاكمة بين مكوناته، وغياب الثقة المتبادلة، والهمّ الوطني الجامع، أو القضية التي يمكن أن يتوحّد حولها اللبنانيون".
النظام النسبي
وحول مشاركة النساء في الحياة السياسية ضمن النظام النسبي، لفتت إلى أن "النظام النسبي، بطبيعة الحال يفسح المجال أمام تمثيل أكثر تنوعاً، وليس بالضرورة أن يكون المرشح ينتمي إلى حزب سياسي كبير، وهذه القاعدة تنطبق على المرشحين الإناث كما الذكور، فإذاً هناك فرصة للمرشحات للانتخابات النيابية للاستفادة من النظام النسبي، كما حصل مع النائبات بولا يعقوبيان، حليمة القعقور، سينتيا زرازير ونجاة صليبا".
أما عن الخطوات المطلوبة من المجتمع المدني، وخصوصاً من النساء والناشطات، للتأثير في هذا النقاش التشريعي، فأوضحت "لننطلق من مسلّمة، أنّه مهما اجتهدت النساء في بلادنا، وفعلت كل ما يمكنها فعله على الصعيد العلمي والثقافي والاجتماعي، ليست وحدها من تتحكّم بمدى فعاليتها في المجتمع، فنحن في مجتمعات لا زالت تحكمها الأفكار الرجعية النمطية حول أدوار الرجال والنساء، وذلك مردّه إلى الثقافة الحاكمة، والتي مهما شهدت من تجارب نسوية مُشرقة وخروقات في هذا المجال أو ذاك، لكن تبقى الثقافة العامة تميل لتنميط الأدوار، ومن ضمنها اعتبار أن عالم السياسة خلق للرجال، بالمقابل، على المرأة أن تستمر في النضال من أجل انتزاع حقوقها، وإرساء العدالة بينها وبين الرجل في المجتمع والحياة العامة والشخصية أيضاً، وهذا النضال، يتطلب، طرحاً ذكياً للقضايا ومناقشتها بعمق، انطلاقاً من مقاربات تشبه منطقتنا، والابتعاد عن الاسقاطات وعن تسخيف القضايا".
إصلاح بلا مساواة لا يُعوَّل عليه
أخيراً، وحيال النقاش الدائر اليوم حيال الاستحقاق النيابي المقبل، لا بد من الإشارة إلى أن أي نقاش حول قوانين انتخابية أو هيكلية تشريعية، يبقى ناقصاً ما لم يتضمن بُعداً إنصافياً للنساء، فالإصلاح الحقيقي لا يُقاس فقط بآليات التصويت أو تشكيل المجالس، بل بقدرة النظام على تمثيل كل الفئات بما فيها النساء لا كديكور رمزي بل كشريكات في القرار بالرغم من عمق التحديات البنيوية، فهي تذكّرنا بأن النضال النسوي يجب أن يبقى في صلب أي معركة من أجل العدالة السياسية والاجتماعية.