الانتخابات في ليبيا... بين التحديات الراهنة والتطلعات
تمثل الانتخابات إحدى الركائز الأساسية لتحقيق الاستقرار السياسي وتكريس مبدأ التداول السلمي للسلطة، إلا أن طريق الوصول إليها لا يزال محفوفاً بالتحديات، بدءاً من الانقسام ومروراً بغياب القوانين التي تحمي حقوق المواطن، وصولاً إلى العوائق الأمنية واللوجستية.

ابتسام اغفير
بنغازي ـ في ظل الظروف السياسية المعقدة والانقسامات التي تشهدها ليبيا، لا تزال الانتخابات تُعد خطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي، كما أنها باتت مصدر أمل للنساء الليبيات اللواتي يناضلنا في سبيل ضمان دور المرأة في كافة الأصعدة الحياتية ومشاركتها في أماكن صنع القرار.
الناشطة المدنية أسماء المهدوي، والمهتمة بشؤون المرأة وعضوة في إحدى منظمات المجتمع المدني، تحدثت عن رؤيتها لأهمية الانتخابات القادمة، وعن أبرز التحديات التي تواجه تنظيمها، كما سلطت الضوء على مشاركة النساء في العملية الانتخابية، داعية إلى ضرورة تمكينهن وتأهيلهن بما يضمن تمثيلاً فعّالاً وفاعلاً في المشهد السياسي الليبي.
"تجربتي الأولى كانت مبهجة رغم الهفوات"
وبينت أن الانتخابات، سواء كانت رئاسية أو برلمانية، تمثل حجر الزاوية في استقرار الحكومة الليبية، مشيرة إلى التجربة التي عاشها الليبيون عقب ثورة فبراير "كانت الثورة الليبية بمثابة تجربة كبيرة ومبهجة، بدءاً من انتخابات المؤتمر الوطني العام مروراً بالمجالس المحلية، وذلك بالرغم ما شابها من أخطاء يمكن تفهمها نتيجة حداثة التجربة".
وأضافت "شاركتُ في الانتخابات كناخبة، وكان حينها الإقبال كبيراً، لأن المواطنين كانوا يتوقون إلى وضع مستقر وآمن بعد سنوات من الاضطراب، فتجربتي الأولى كانت مبهجة رغم الهفوات والعوائق التي واجهتها".
الانقسام السياسي وغياب الإطار القانوني
وأشارت إلى الانقسام السياسي الحاصل في ليبيا نتيجة تواجد حكومتين متنازعتين، واحدة في المنطقة الغربية في طرابلس وأخرى في برقة ومقرها بنغازي "يُعد الانقسام السياسي بين الحكومتين المتواجدتين في ليبيا من أبرز التحديات التي تحول دون إجراء انتخابات موحدة، كما أن غياب دستور دائم وقانون انتخابي موحد يُعيق تنظيم العملية الانتخابية بشكل سليم"، مؤكدة على ضرورة إيجاد حلول عملية للتحديات التي يواجهونها المرشحين في الانتخابات "الانتخابات لن تنجح دون إطار قانوني واضح وعادل".
تدخلات خارجية وأوضاع لوجستية معقدة
وأكدت أن التدخلات الخارجية تمثل عاملاً سلبياً مؤثراً في الشؤون الداخلية للشعب، ليس في ليبيا فحسب، بل في عدة دول عربية، كلبنان والعراق، ودول أخرى مثلما يحصل في أوكرانيا وحربها ضد روسيا، موضحة أن هذه التدخلات تُغذّي النزاعات بدلاً من حلّها، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.
ومن جهة أخرى، اعتبرت أن التحديات اللوجستية لا تقل أهمية، كغياب البنية التحتية الانتخابية، وانتشار السلاح في بعض المدن، بالإضافة إلى مشكلة النزوح، والتي خلقت حالة من عدم الانتماء لدى كثير من المواطنين، ما يؤثر على اختياراتهم الانتخابية.
مشاركة المرأة... حضور قوي يحتاج إلى تأهيل
وشددت على أهمية مشاركة النساء في الانتخابات "المرأة الليبية كانت حاضرة بقوة سواء كناخبة أو مترشحة، لكن المشكلة ليست في حجم المشاركة بل في نوعيتها"، موضحة أن الكثير من النساء تترشحن دون معايير واضحة، وهذا ما يضاعف التمثيل النسوي النوعي.
وقالت "نحتاج إلى تأهيل وتمكين النساء الراغبات في خوض غمار السياسة، ليكنّ نماذج ناجحة تعكس قدرات المرأة الليبية وتمثلها بشكل مشرف".
البيئة الآمنة ضرورة للتمكين
كما تطرقت إلى أهمية توفير بيئة سياسية آمنة للنساء، خالية من العنف السياسي والاجتماعي، معتبرة أن وجود بيئة مريحة وآمنة سيمكن النساء من تقديم أفضل ما لديها في جميع المجالات، وليس فقط في السياسة.
وأوضحت "هناك تمييز واضح بين المرأة والرجل في بيئة العمل، فبالرغم ما تمتلكه من كفاءات، فغياب تكافؤ الفرص من أكبر المعوقات التي تواجهها".
وأشارت إلى أن العشوائية في ترشح النساء في الانتخابات السابقة، أدت إلى عزوف عدد من الكفاءات النسوية عن خوض التجربة، معتبرة أن هذه الفوضى كانت من العوامل التي أثرت سلباً على ثقة النساء في العملية الانتخابية.
وطالبت الناشطة المدنية أسماء المهدوي الأحزاب السياسية بدعم المرأة داخل هياكلها، وعدم الاكتفاء بوجودها كواجهة شكلية، وضرورة تفعيل مشاركة النساء الحزبيات في الترشح ودعمهن للوصول إلى مواقع صنع القرار، معبرة عن تفاؤلها حيال الانتخابات المحلية المرتقبة في مدينة بنغازي "ترشح عدد كبير من النساء اللواتي يمتلكن مهارات متنوعة، وهذا مما يُبشّر ببداية جديدة ودفعة إيجابية نحو مشاركة أوسع في الاستحقاقات الوطنية القادمة".