بسبب التلوث... السرطان ينهش بصحة نساء قابس في تونس

تعاني ولاية قابس بالجنوب التونسي من التلوث، حيث باتت أكثر الولايات تصدراً للأمراض السرطانية والنساء هن الأكثر تضرراً.

زهور المشرقي

تونس ـ في ولاية قابس التونسية، تتقاطع الأزمة البيئية المزمنة الناجمة عن المجمع الكيميائي مع واقع اجتماعي قاسٍ يفرض على النساء معاناة مزدوجة من جهة الأمراض الخطيرة وعلى رأسها السرطان، ومن جهة أخرى العنف المنزلي والاقتصادي الذي يغذيه ضعف التمكين وغياب العدالة الصحية.

وسط هذا المشهد، تنبثق مبادرات مدنية مثل مركز "الأمان" كمصدر للإنصات والدعم والأمل، في محاولة لكسر الصمت المجتمعي وتوفير ملاذ لضحايا العنف والمرض. ما يحدث في قابس ليس مجرد أزمة محلية، بل قضية حقوقية وطنية تستحق أن تُسمع.

 

"النساء هن الأكثر إصابةً"

قالت السيدة عرفة، رئيسة جمعية الكرامة للأسرة العربية والمشرفة على مركز الإيواء للنساء ضحايا العنف بولاية قابس، بعد سنوات من النضال والمقاومة من قبل المجتمع المدني في ولايتها للدفاع عن الحق الدستوري والإنساني في بيئة نظيفة وهواء لا يتسبب في جلب الأمراض المزمنة لهم نتيجة تمركز المجمع الكيميائي لم تلقى السلطة بعد الحل له برغم الوعود المتراكمة منذ الثورة إلى اليوم لا سيما وأنه تسبب في ارتفاع الأمراض السرطانية.

ولفتت إلى أن النساء هن الأكثر إصابةً بها خاصة سرطان عنق الرحم ويتعرضن للعنف المنزلي والهرسلة النفسية نتيجة لذلك لكنها صامتات لا يتشكين خوفاً من نظرة المجتمع أولاً في بيئة أبوية محافظة لا تقبل مغادرة المرأة لمنزلها.

وأوضحت إن النساء في قابس لا تتحدثن عن العنف المسلط عليهن كثيراً تفادياً لتلك النظرة، متطرقة إلى العنف الاقتصادي الذي يتعرضن له حين تكن تعملن وتصبن بمرض نتيجة التلوث لا سيما وأن التمكين الاقتصادي السبيل الوحيد للمقاومة ضد العنف بشتى أشكاله.

وعن دور مركز "الأمان" بقابس الذي يأوي المعنفات في تقديم الدعم النفسي والمادي بينت أنه رغم حملات التحريض ضده، لكنه تحاول بكل الطرق تغيير الواقع وإبراز الدور الذي يقوم به للضحايا "نحن نستقبل الضحايا ونسمعهن ونوجههن عن طريق الأخصائية النفسية والاجتماعية ونأويهن إن احتجن وهذا واجبنا".

 

"عنف زوجي وتدهور في الصحة"

وحول الوضع البيئي المتسبب في عدة أمراض للنساء خاصة، أكدت أنه لا يمكن حصر عدد النساء المصابات بالأمراض السرطانية نتيجة التلوث لكن من ضمن 10 نساء تلجأ إلى المركز خمس منهن مصابات أساساً بسرطان عنق الرحم أو الثدي، معتبرة أنهما نوعين متفشيين بشكل مخيف خاصة في ثلاث مناطق تعتبر منكوبة في قابس أولها شط السلام ثم غنوش ثم بوشمة، قائلة "السؤال لماذا هذه المناطق؟ لأنها الأقرب للمجمع الكيميائي التونسي الذي يبث هذه السموم، النساء والفتيات هناك يصبن بهذه الأمراض ويتعرضن للعنف الزوجي بعد تدهور صحتهن، يشعر الزوج أنها مقصرة في أداء واجباتها المنزلية وفق رؤيته فيمارس عليها الضغوط والهرسلة ليدفعها لمغادرة البيت لكن الأغلبية منهن تتقبلن تلك المعاملة السيئة والعنف مقابل البقاء في بيتها، وكأنها أمام موت مبكر للروح قبل الجسد".

وعن تعاطي الجمعية معهن، أكدت أن المركز يحاول دعم المصابات والتعهد بهن لكن ذلك لا يعتبر الحل الجذري لهن خاصة مع غياب مستشفى خاص بهذه الأمراض في قابس لدعم النساء، علاوة على عدم التوصل إلى حل من قبل الحكومة لهذا المجمع الذي يقتل الولاية ويخنقها.

وحول كيفية التعهد من مركز أمان لإيواء ضحايا العنف، أوضحت أن أكثر الضحايا اللواتي يلجأن له من مريضات السرطان وهو ما يستلزم الرعاية النفسية أولاً ثم يأتي التعهد الاجتماعي والقانوني لهن ولأطفالهن، ثم التعهد الصحي ثم يقدم المركز كل الخدمات ويحاول توفير ما تحتاجه من دعم وفق الإمكانيات المتوفرة، وأيضاً نحاول دعم المعنفة عبر الإنصات لها وفهم ما تريد واستيعابها وإن كانت ترغب في العمل تحاول تمكينها وتدريبها في الحرفة التي تريد العمل عليها وإن كانت في الإيواء نوفر لها المكان وكل المستلزمات ولا نتركها إلا وهي في الطريق الذي تريده هي وأطفالها".

 

البيئة المرأة قضيتان مرتبطتان ارتباطاً وثيقة ببعضهما

وأكدت أن الجمعية تعمل على مقاومة العنف ضد النساء في ولاية قابس، وتعمل في نفس الوقت على ملف البيئة والتلوث الذي تتضرر منه النساء بشكل أولي، لا سيما وأنهن نتيجة لذلك التلوث بتن مصابات بالسرطانات ومعنفات، وخاضت الجمعية معركة مع ائتلاف "نحن نعيش لإخراج المجمع الكيميائي من المناطق السكنية في غنوش" لإيمان الجمعية أن قضية البيئة وقضية المرأة مرتبطان ارتباطاً وثيقة ببعضهما "نعلم أن المجمع يعمل فيه العديد من العائلات ولا نبحث على إغلاقه، نحن نريد نقله وإبعاده عن المناطق السكنية، وأخذنا وعود كثيرة لكن دون جدوى".

وأكدت السيدة عرفة أن النضال المستمر لإيجاد حلول لهذا المجمع الذي دمر حياة أبناء الولاية، لافتةً إلى أن التلوث البيئي في قابس تضررت منه النساء بشكل مضاعف وحان الوقت لحسم الأمر قبل أن تأتي الكارثة.

وعن عدد المتضررين من التلوث في قابس، قالت "وفق دراسة قمنا بها وجدنا أن كل أسرة في قابس بها مصاب أو مصابة بالسرطان، وباتت الولاية تتصدر أكثر الولايات انتشار لسرطان الجهاز التناسلي والرئة خاصة، نحن نتنفس هواء ملوث إضافة إلى إلقاء الفوسفوجيبس في البحر ما يتسبب ليس فقط في تلويثه بل القضاء على الثروة السمكية، فضلاً عن أزمات صحية نتيجة لأخطاء، حيث تم في السابق تسيب الامونياك وتسبب في حالات إغماء للأطفال في مدرسة ببوشمة واستوجب نقلهم للمشفى وغيرها من التجاوزات التي تتسبب في قتل الطبيعة والبشر هناك".

وفي ختام حديثها، أكدت السيدة عرفة إن "قابس ولاية تجمع بين الواحة والبحر والجبل لكن يدمرها التلوث، والأمل فقط في إخراج المجمع الكيميائي حتى يبقى في قابس إنسان على قيد الحياة".