نازحات عفرين تُبدعن في رياضة كرة القدم

لم تجلس شابات عفرين المحتلة تندبن منازلهن التي نُبهت وأراضيهن التي سرقت وحياتهن التي حاول الاحتلال التركي ومرتزقته اغتيالها بل اتجهن للإبداع في مختلف المجالات.

براءة جالي

الرقة ـ كرة القدم من أكثر الرياضات شهرة على الإطلاق، ولكنها في سوريا لم تتطور جراء الفساد والمحسوبيات، ومع ترديها ظلت كذلك محتكرة من قبل الرجال المدعومين من مجتمع يعيب على المرأة ارتداء بدلة رياضية والركض في الملاعب الخضراء.

في إقليم شمال وشرق سوريا ومنذ عام 2012 لم يعد هناك تقسيم لأي عمل أو مهنة أو رياضة إن كانت مناسبة للمرأة أم لا، فمفهوم الاحتكار انتهى قانونياً والمجتمع فقط بحاجة للتوعية لكي يغير هو أيضاً مفاهيمه حول المرأة وجسدها وما يناسبها وما لا يناسبها.

في عفرين حصلت تلك المساواة لكن المدينة احتلت من قبل الدولة التركية في ربيع العام 2018، وبدلاً من أن يعود هذا الشعب إلى دياره ويستعيد منازله المسروقة وأراضيه المنهوبة هُجر مرة أخرى من الشهباء إلى مناطق إقليم شمال وشرق سوريا نتيجة الهجمات التي شنتها الاحتلال التركي ومرتزقته مرة أخرى على المنطقة، لكن بدلاً من أن تستسلم الشابات لليأس نظمت مجموعة منهن فريق نسائي لممارسة رياضة كرة القدم في مخيمات النزوح بمقاطعة الرقة.

وتحدت هؤلاء الشابات الأوضاع الإنسانية القاسية التي يعيشها آلاف النازحين من عفرين، وقاومن بشكل مستمر وعززن روح التعاون والتضامن بين النساء، وشجعن بعضهن على تجاوز ضغوطات الحياة القاسية في الخيم، وعدا عن فوائدها الصحية تعد الرياضة عموماً وكرة القدم وسيلة للدعم النفسي والاجتماعي بين الشابات.

 

"قررنا المضي قدماً"

بينت المدربة الشابة عليا معمو التي تبلغ من العمر 23 عاماً مدى حبها وعدم استغنائها عن هوايتها رغم النزوح "لعبت كرة القدم قبل لجوئنا من عفرين، لكن النزوح أوقفني لفترة، ومع النزوح الثاني قررت المضي قدماً وبعد ثلاثة أشهر أسست فريق نسائي من المخيم الذي نعيش فيه".

عوائق عديدة اعترضت طريق مشروعها ومنها رفض عدد من العائلات لكنها اقنعتهم بالقول أن على المرأة ألا تتوقف عن حلمها مهما مرت عليها فترات صعبة "أخبرتهم أننا نملك هدف يجب أن نحققه".

وأضافت "عند تهجيرنا إلى الشهباء بقينا 8 سنوات ولم نتخلى عن غايتنا وحبنا لكرة القدم أبداً، وبعد نزوحنا الثاني اتجهنا نحو مقاطعة الطبقة، وهنا نظمت الفتيات من الأعداد والأعمار المطلوبة وبدأت تدريبهن".

وأكدت عليا معمو على دور المرأة في كافة المجالات، وأنها قادرة على الإبداع "نسعى لكي نقدم أنفسنا نحن النساء في مجال الرياضة، ولنؤكد أنه رغم الصعوبات والالآم لا نتخلى عن حلمنا وهدفنا في كرة القدم وسنزيد من حبنا ورغبتنا في لعبها. إننا موجودون ومستمرين لنقدم أنفسنا في الرياضة والفن وفي جميع المجالات ليس فقط الرياضة".

ولفتت إلى أنه "نمر بصعوبات كثيرة لكن مع ذلك نبعد كل الضغوطات والمصاعب من طريقنا لأن من يريد شيئاً وينتمي له لابد أن يواجه كافة الصعوبات لتحقيق هدفه. لعبنا مع فريق الرقة لم نحصل على الفوز، وهذا لم يكن عائقاً أمامنا ولم يحبطنا ومن خلال كرة القدم اتخلص من همومي وأفرغ طاقتي السلبية، كرة القدم تمنحني القوة النفسية والجسدية".

 

"المجتمع لا يرحم"

تقول عليا معمو أن هدفها من تأسيس الفريق بعد النزوح الثاني بفترة قصيرة هو عدم ترك هؤلاء الشابات لليأس وضغوط المجتمع "ادعم الشابات ليتقدمن من الناحية الرياضية، ولتقضين كافة أوقاتهن في الرياضة، وألا تبقين حبيسات المنزل أو الخيم، لتتمكن من مواجهة صعوبات الحياة".

وأشارت إلى أن "العادات والتقاليد البالية في المجتمع لا يرحم لكن هذه رغبتي وهوايتي وحبي ولن أتخلى عنه"، داعيةً كل امرأة تحب مهنة أن تمارسها "على النساء تخطي العوائق وأن تأخذن أهالي عفرين كقدوة فرغم النزوح مرتين جراء الهجمات التركية نستمر في تحقيق أحلامنا، وكل مرة سنبدأ من الصفر ولن نيأس".

وأكدت أنه "سنبقى مستمرات على أمل العودة، وسندخل إلى عفرين يوماً ما أنا وفريقي، وفي عفرين سنتقدم أكثر".

 

"بدأنا بالعمل على تحقيق حلمنا"

أما المتدربة الشابة آية إسماعيل ذات الـ 16 عاماً فذكرت بالصعوبات التي مر بها أهالي عفرين المحتلة "كنا في عفرين نزحنا مع الهجمات إلى الشهباء من ثم مرة أخرى نزحنا لنفس الأسباب إلى مقاطعة الطبقة في إقليم شمال وشرق سوريا، واستقر بنا الحال في خيم النزوح التي واجهنا فيها تحديات عديدة في هذا الصيف اللاهب، ولكن برغم كل شيء بدأنا بالعمل على تحقيق حلمنا، ولا زلنا مستمرات".

وترى أن الصعوبة هي في النزوح أما كرة القدم رياضة ممتعة تساعد الشابات في تقوية أنفسهن لتكن أكثر قدرة على تخطي الصعوبات "لم أواجه صعوبات باللعبة إطلاقاً الصعوبة الأكبر هي فقداننا لبيوتنا".

وأضافت "نحن أهالي عفرين صامدون وسنواصل تحقيق هدفنا برياضة كرة القدم، نعيش على أمل العودة إلى عفرين مدينة الزيتون، تركيا مهما تفعل معنا وتهجرنا لن نتخلى عن هدفنا إطلاقاً".