نجاح ساعاتي... امرأة استثنائية بكل المقاييس

سجل حافل بالعطاء والنجاح جعل منها امرأة استثنائية بكل المقاييس، نجاح أديب ساعاتي سياسية معروفة على صعيد النشاط النسائي العالمي، وتعد أول امرأة صيدلانية في سوريا

مركز الأخبارـ .
توزعت نشاطات نجاح أديب ساعاتي في عدة مجالات إنسانية ووطنية واجتماعية التي تجلت بحركات تحرر المرأة، وعملت في أكثر من ميدان منها الصيدلة والاقتصاد والتأليف والترجمة ووصلت إلى الريادة. 
وحضرت عدة مؤتمرات نسوية ومؤتمرات مهنية منها "مؤتمر أنصار السلم" و"مؤتمر اليونسكو" و"مؤتمر الصيادلة" في أوروبا وشمال إفريقيا، وكانت عضوة في مؤتمر الأمهات العالمي الذي نظمه الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في لوزان في سويسرا عام 1955، كما انتخبت كعضوة في لجنة الأمهات العالميات الدائمة المنبثقة عنه ضمن 35 امرأة مثلن العالم، وتهدف هذه اللجنة إلى حماية الأمومة والطفولة ورفع مستوى المرأة في كافة جوانب الحياة وحمايتها وحماية المجتمع من النزاعات والحروب.
تعد نجاح ساعاتي أول امرأة قادت الحراك الوطني وجمعت النساء عام 1942، في مدينتها حمص للاحتجاج على الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان. وأول من طالبت بخلع الحجاب في مدينتها أيضاً.
وانتخبت كسكرتيرة لجمعية إعانة الطالبات الفقيرات في مدرسة التجهيز في حمص عام 1943، ولم تتوانى عن نضالها ودعمها لقضايا المرأة والطفل إذ ساهمت في تشكيل "رابطة النساء السوريات" عام 1948، وانتسبت إلى جمعية الهلال الأحمر في حمص وانتخبت كعضوة إدارياً فيها عام1949.
 
أول امرأة صيدلانية في سوريا 
نجاح أديب ساعاتي هي ابنة مدينة حمص السورية، ولدت ضمن عائلة ميسورة الحال في 20 كانون الأول/ديسمبر عام 1925، تلقت تعليمها في المراحل الأولى من الدراسة في مدارس حمص "مدرسة الروم الأرثوذكسية، ونالت شهادة الكفاءة السورية والفرنسية بدرجة جيدة.
انتقلت إلى مدرسة التجهيز للبنات في دمشق لتتابع تحصيلها العلمي، نالت شهادة البكلوريا في العلوم عام 1945، وبعدها حازت على شهادة البكلوريا في الفلسفة. أتقنت اللغة الفرنسية التي ساعدتها في مسيرتها العلمية على الاطلاع على الثقافة الفرنسية والترجمة الأدبية والعلمية من الكتب الفرنسية المعروفة عالمياً. 
بعد نيلها للشهادة الثانوية العلمية وحصولها على درجات عالية تخولها دخول عدة اختصاصات، سجلت في كلية الصيدلة في الجامعة السورية، وتخرجت منها عام 1949. اعتبرت أول امرأة صيدلانية تخترق مهنة كانت حكراً على الذكور، شهد حينها في مدرج الجامعة في 15 من تشرين الأول/أكتوبر حدثاً استثنائياً أعلن فيه القائمون على حفل تخريج دفعة من كلية الصيدلة ومنح أول شهادة في الصيدلة لفتاة سورية. 
أرتبط اسم نجاح أديب ساعاتي في حياة السوريين بصيدلية "النجاح" الواقعة في شارع الحميدية في منطقة حمص القديمة التي افتتحتها بعد عام من تخرجها، وتعتبر هذه الصيدلية أول صيدلية لامرأة تفتتح في حمص. تابعت مجالها المهني ودرّست في مدرسة تجهيز البنات في حمص، وعدّت بذلك أول امرأة في حمص تنتخب كعضوة في نقابة صيادلة حمص وأول أمينة سر للنقابة. 
واجهت الكثير من العقبات التي اعترضت مشوارها المهني بكل قوة وحزم، لاسيما إن العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة آنذاك كانت تفرض عليها وعلى جميع النساء الالتزام في البيت والتفرغ لمتطلبات العائلة والزوج.
وعانت كثيراً أثناء انتسابها إلى الجامعة، حيث واجهت فئة معارضة لتطور المرأة في المجال التعليمي والمهني، في وقت كانت فيه المرأة بشكل عام تعيش ظروف قاهرة وصعبة كالتقييد ومنعها من الحرية ومزاولة الأعمال خارج البيت والاختلاط والتعرف على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والسبب كونها امرأة.
تزوجت من بدر الدين السباعي لكنها لم تنجب أي أولاد، بسبب تعرضها لحالة إجهاض إثر مشاركتها في المقاومة الشعبية إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، مما تسبب إلى تدهور حالتها الصحية ومنعها من الإنجاب. 
 
بصمة مميّزة في مجال الثقافة والفكر
حصلت نجاح أديب ساعاتي على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي من جامعة موسكو، وكانت أطروحتها تنطوي تحت اسم "خصائص تطور الرأسمال الوطني في سوريا"، تحولت بشهادتها التي كان منعطفاً هاماً في محطة حياتها إلى نموذج مثالي للمرأة المناضلة والمكافحة للتحرر، وعدت أول امرأة سورية تحصل على شهادة في الاقتصاد السياسي.
وتركت بصمة مميّزة في مجال الثقافة والفكر، حيث أسست دار للنشر "الجماهير الشعبية" في دمشق عام 1956، التي اهتمت بالكتب التي تتناول القضايا الوطنية والاجتماعية، كما أنها عملت على إغناء المكتبة العربية بالمؤلفات الأدبية والفكرية والنقدية والكتب المترجمة.
ألفت عشرات الكتب، ونشرت مقالاتها في عدة صحف ومجلات منها "مجلة الينبوع" و"مجلة المرأة" و"جريدة النور".
كان لها حضور سياسي ودور مميز على صعيد المداولات، وعدت أول سياسية تدخل البرلمان السوري لتمهد الطريق أمام السوريات باقتحام ساحات السياسة، حين اختيرت كعضوة في المجلس الوطني الموسع لقيادة الثورة السورية الكبرى مع سبعة نساء وذلك بين عامي 1965 ـ 1966، والذي دام ستة أشهر من أوائل أيلول/سبتمبر لغاية 23 شباط/فبراير، وكانت عضو لجنة الشؤون العربية والخارجية في المجلس.
وبرز دورها في نشاطاتها الجمعيات الإنسانية والخيرية، حيث أسست مستوصف طبي خدمي كان يقدم المواد الدوائية والعلاجية للطبقات الفقيرة من الشعب بالمجان.
 
التكريم
حظيت جهودها تقدير المجتمع، وجرى تكريمها في عدة مناسبات تقديراً لخدماتها وجهودها القيمة، قُدمت لها شهادات تقدير وثناء، كما اختيرت ضمن مجموعة من النساء الرائدات في سوريا.
توفيت في 14 شباط/فبراير عام 2017، عن عمر ناهز الـ 92 عاماً، وتم دفنها في مقبرة تل النصر في حمص. 
مثلت نجاح أديب ساعاتي صوت المرأة في المحافل العالمية والعربية، واعتبرت نموذجاً فريداً يحتذى به.