من خلف السّتار... امرأة أفنت حياتها من أجل تحرير النّساء ورفضت أن تكون تابعة لرجل

عملت عدلة بكر لأعوام على تمكين المرأة وتعريفها بحقوقها من خلف الستار، فأفنت حياتها، ورفضت أن تكون تابعة لأي رجل، لذا لم تتزوج، وبدأت عملها بشكل علني مع خروج نظام البعث من مدينة كوباني بشمال وشرق سوريا

دلال رمضان
كوباني ـ .  
كان الطّريق طويلاً جداً، وربما لم تصل المرأة في شمال وشرق سوريا بعد إلى الحرية المؤكدة، ولكن المحاولات والمساعي لا تزال مستمرة، ولعل متعة خوض التّجربة والسّير على هذا الدّرب تفوق متعة الوصول لديهنّ.
عدلة بكر هي عضوة مؤتمر ستار بمدينة كوباني بشمال وشرق سوريا، ولدت عام 1974 في حي كانيا كردان وهي منحدرة من عائلة وطنية من عشيرة بيجية، والدتها أمينة حجي ميرك توفيت عام 2012، ووالدها أحمد بكر توفي بالسرطان عام 1999، ولها سبع أشقاء وثلاث شقيقات.
عدلة بكر كافحت منذ أن كان عمرها 23 سنةً، ضد العقلية الذَّكوريّة، ورفضت إجبار النَّساء على الزَّواج، تقول "صادفتني العديد من الضّغوطات والعقبات، ولم أتخلى عن خوض معركتي في الحياة، ولا عن عملي، واليوم لا أشعر بالندم على ذلك".
فمنذ نعومة أظفارها كانت تشارك في العديد من النَّشاطات كاحتفالات عيد النّوروز، وعملت في اتحاد ستار عام 2005، عندما كان لا يزال يعمل بشكل سري، وهذا المؤتمر عني بشؤون المرأة في وقت لم يكن هناك اهتمام بقضايا المرأة في شمال وشرق سوريا. وتوجهت للعمل التّنظيمي، وبدأت بالانضمام لجميع النَّشاطات وكثفت جهودها منذ بداية ثورة 19 تموز/يوليو 2012، وركزت على الفعاليات التي تتعلق بالقائد عبد الله أوجلان. 
وعندما كُبرت حاولت أسرتها إجبارها على الزواج، ولكنها رفضت وتركتها، تقول عن ذلك "تركت المنزل ولم أعد إلى عائلتي إلا بعد ستة أعوام عندما استشهد ابن أخي، لأنهم ضغطوا علي لأتزوج بعد وفاة والدتي".    
وحول عدم رغبتها في الزّواج بينت "لم أرد أن يقود رّجل حياتي، فاخترت أن أكون حرة، وحاربت عقلية المجتمع، لأكسر القيود الموضوعة لي، وأولد الأمل في داخلي، لأخوض غمار حركة الحرية". 
وأكملت "في مجتمعاتنا، لا يمكن للفتاة أن تبقى بلا زواج، لأنهم أطرونا به وبإنجاب الأطفال، لذا كان هنالك العديد من الضّغوطات التي مارسوها عليَّ لهذا السّبب، وكانت دائماّ التّساؤلات تدور حول هذا الموضوع، ولكن هذه الفكرة لم تكنَّ محور حياتي، وكنت أرى كيف تعاني النّساء من الصّعوبات في حياتهنّ نتيجة السّطوة الذّكوريّة".
ونظراً للعادات والتّقاليد التي كانت تمنع تعليم المرأة، لم تتمكن عدلة بكر من الدّخول للمدرسة، ولكنها تتعلم اللغة الكردية منذ سبع أعوام، وبالرغم من أن المرأة مُنعت من الخروج في تلك الفترة والولوج في مجالات متعددة، إلا أن هذا لم يضعف إرادة وقوة عدلة بكر.
تقول عن تعرفها على الحركة الثّورية "كنت في العاشرة من العمر عندما تعرفت على الحركة الثّورية، وساهم في ذلك ولادتي في عائلة وطنية وثورية، وأعتبر تلك الفترة بداية ولادتي، لأنني عرفت الفكر الحر المنادي بالعدالة والمساواة، وانتزاع حقوق المرأة المسلوبة، وضرورة احتضان جميع المكونات".
وبذلت عدلة بكر جهوداً كبيرة لتقديم المُساعدة لرفاقها ورفيقاتها، فدخلت مجال العمل السَّياسي، وبدأت بزيارة العوائل وجمع التَّبرعات، وتعريف النَّساء بحقوقهنَّ ودعوتهنَّ للانضمام إليها، وعقدت الاجتماعات في الأحياء والقرى التّابعة لكوباني بشكل سري، خشية النّظام السّوري، الذي كان يمنع تجمع الأحزاب والحركات الكردية.
وبعد خروج النّظام السّوري من كوباني، التي كانت أول مدينة يخرج منها، بدأت عدلة بكر العمل بشكل علني، فقدمت المساعدات للأهالي عن طريق الكومينات، وعملت على تنظيمهم، وعقدت الاجتماعات للتعريف بالإدارة الذَّاتيّة، وعملت في مجلس المرأة ولم تستمر في ذلك طويلاً، إذ بدأت هجمات جبهة النّصرة ومرتزقة داعش على المدينة، لتأخذ على عاتقها مهمة معالجة الجّرحى وتقديم المساعدة لهم.
وخضعت لست دورات تدريبية فكرية "في كل دورة كنت أتعرف على شيء جديد يخص المرأة وحقيقتها، عبر فكر القائد عبد الله أوجلان الهادف للتخلص من الرّجعيّة، والعادات البالية".
ولم تترك عدلة بكر كوباني أثناء الهجمات عليها في عام 2014، وبدأت بإعداد الطّعام للمقاتلات والمقاتلين وغسل ملابسهم وتقديم المساعدة الطّبيّة، "الخروج من المدينة واللجوء لشمال كردستان كان بالنسبة لي خيانة كبرى، ذلك ما كنت أردده في نفسي".
وأجبرت مع اشتداد المعارك على الخروج لخمس أيام إلى شمال كردستان لمعالجة بعض الجرحى الذين كانت حالتهم حرجة، وبالرغم من القصف المستمر وانتشار الخراب والدّمار والممارسات الوحشية الذي كان يرتكبه داعش ضد المدنيين عادت إلى المدينة، لتستمر بمواصلة عملها "كنت أقدم الدّعم المعنوي على قدر استطاعتي". 
وتأثرت عدلة بكر بالعديد من الثّوريات اللواتي تركنّ بصماتهنّ في التّاريخ "الشّهيدة بيريتان قاتلت بإرادة، ولم تقبل الاستسلام، وساكينة جانسز وليلى قاسم تحملتا شتى أنواع الظَّلم ولم تستلما، على جميع النّساء أن يأخذنّ مكانهنّ الصّحيح لتحقيق حريتهنّ".
مؤكدة أنها ستعمل دائماً من أجل تحرير النساء "بكل جهدي سأعمل على تخليص النّساء من العبوديّة، وعلى المجتمع ترك العقلية السّلطوية والعمل على بناء مجتمع حر ومتساو".