بيريتان هيفي... رسمت مفهوم المرأة الحرة في نضالها

تخطت بيريتان هيفي "كولناز قاره تاش" حدود الشجاعة والتضحية، ولعبت دوراً عظيماً في طريق حرية المرأة لتفتح الطريق أمام الآلاف النساء لتثبت بأنهن قادرات على القيام بدورهن ضد كل ذهنية تهدف إلى إنكارهن.

ديرن أنكيزك

مركز الأخبار ـ تردد صدى نضال بيرتيان هيفي كل أنحاء العالم وكان لها تأثير كبير على النساء الكرديات بعد أن رفضت الخضوع والخيانة بألقاء نفسها من أعلى جبل في منطقة خاكورك بإقليم كردستان لتصرخ بأعلى صوتها "لا للخيانة" لتصبح بذلك رمزاً للحرية وصوت الحق ضد الخيانة.

تتشابه قصص النساء اللواتي لا تقبلن الخيانة والخضوع، المحاربات والمؤمنات بإمكانية خلق عالم آخر يبدؤون فيه رحلة البحث والسعي إليه، ناضلن عبر التاريخ من أجل البقاء ضد نظام الهيمنة الذكورية، منهن من وقفن في وجه أعدائهم حاملات أسلحتهم بأيديهن دون أن يرف لهن جفن، وهناك من ألقين بأنفسهن من المنحدرات لكي لا تقعن أسرى في يد العدو، ومن إحدى هؤلاء النساء المقاتلة بيريتان هيفي، واحدة من أجمل ممثلات نساء المقاومة الثائرات في جغرافية ديرسم، تحول صوتها وصرخاتها إلى أمل وشجاعة لآلاف النساء اللواتي تسرن اليوم على خطاها، بيريتان هيفي أو "كولناز قاره تاش"، المقاتلة التي حاربت حتى تتحرر وكلما تحررت أزادت جمالاً، وكلّما ازدادتْ جمالاً أزادت عشقاً، أصبحت مرشدة لآلاف النساء كبوصلة حددت مسار النساء المقاتلات، كما أنها أصبحت أسماً خالداً ونهجاً أقتدت به الآلاف النساء وولدت الآلاف من الفتيات الصغيرات حاملات أسمها.

بيريتان هيفي المقاتلة البارزة التي أصبحت رمزاً في مواجهة التواطؤ والخيانة الكردية، والروح القتالية للنساء المقاومات، فقدت حياتها في ٢٥ تشرين الأول/أكتوبر من عام ١٩٩٢، ولدت في منطقة سولهان في بونغيلان بينغول التابعة لجوليك في عام ١٩٧١، والمنحدرة من مدينة ديرسم درست في كلية العلوم الاقتصادية بجامعة إسطنبول باللغة الإنجليزية، عرف عنها في محيطها بأنها محبة للقراءة، التقت مع هويتها الكردية في فعالية عيد النوروز التي حضرتها في العام ذاته، ناضلت لفترة طويلة في عمل الشبيبة في إسطنبول تاركة بصمتها في نفس كل من التقت به، وبالأخص نضالها النسائي الذي أصبحت فيه مصدر إلهام للنساء في تلك الفترة.

 

"توجهت إلى الجبال بعد إطلاق سراحها من السجن"

بعد فترة من نشاطها في إسطنبول، اعتقلت وتعرضت للتعذيب، لتنتقل بعد إطلاق سراحها من السجن إلى الجبال  في عام ١٩٩١، تقول إحدى زميلاتها في النضال التي قد التقتها في ذلك الوقت "كانت بيريتان هيفي متلهفة دوما للذهاب للجبال، تريد دائماً أن تخوض النضال عملياً، أتذكرها جيداً حينما كانت تملأ حقيبتها وتسير من أكسراي إلى بهشة سراي، لتهيئة نفسها على ظروف الجبل، وكانت لا تتقبل أي أمر بسرعة، فضولية جداً أن راودها الفضول لأمر ما تقوم بالبحث عنه، تسأل باستمرار وتناقش الأمر وتستمر في ذلك حتى تصل إلى قناعة التامة".

 

"بعدم استسلامها تحولت إلى ملحمة مقاومة للمرأة الكردية"

شاركت في العملية التي نفذت ضد مخفر روباروك وأصيبت في وجهها، كانت تقول دائماً لكل شخص قال لها حينها "تدمر جمالك"، بعبارة "لقد تفتحت الأزهار في وجهي"، وفي تشرين الأول/أكتوبر، وتشرين الثاني/نوفمبر من عام ١٩٩٢ بدأت الهجمات على إقليم كردستان للقضاء على حزب العمال الكردستاني، وفق خطة استراتيجية تسمى "عملية ما وراء الحدود"، والتي تم إنشاؤها في إطار حلف الشمال الأطلسي "الناتو" بالتعاون مع الولايات المتحدة والدولة التركية والحزب الديمقراطي الكردستاني، قاتلت بيريتان هيفي بمفردها لفترة طويلة وقامت بضمان تراجع جميع رفاقها سالمين، وعند شروق شمس الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر استولت قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني على ذاك التل، وبدأ البيشمركة بالنداء بترديد عبارة "استسلمي!، أنت امرأة لن نفعل لك أي شيء"، كانت إجابة بيريتان هيفي لهم بمثابة صدى لصوت المرأة الكردية الذي لا يخضع "أنتم متواطئون تهاجمون الثورة من الجنوب إلى الشمال، لن أستسلم أبداً، الاستسلام خيانة" بعد أن قامت بيريتان هيفي بتقبيل سلاحها، قامت بتحطيمه بضربه بالصخور لكي لا يذهب إلى يدي الخونة، وبصوت الزغاريد المهللة إلى الحرية والحياة الكريمة رمت بنفسها من تلك القمة، لتتحول إلى ملحمة مقاومة لجميع النساء الكرديات.

 

"صوت بريتان الذي تردد في ذاك الجرف هو موجود اليوم في جبال كردستان"

أن صوت بيريتان الذي تردد في ذلك الجرف لا يزال يتردد صداه في جبال كردستان، في خاكورك وزاب وأفاشين حتى يومنا هذا، المئات من النساء تقاومن بنفس الشجاعة ضد نفس الخيانة، وعلى الرغم من مرور ٣٢ عاماً، مازال الحزب الديمقراطي الكردستاني يواصل سيره على خط الخيانة والتواطؤ، هذه الحرب التي سجلت في التاريخ باسم "حرب الجنوب"، لم تكن أبداً التعاون الأخيرة بين الدولة التركية والحزب الديمقراطي الكردستاني، فهجمات الحزب الديمقراطي الكردستاني والدولة التركية مستمرة منذ سنوات.

أن الهجمات المكثفة التي نفذت بين عامي ١٩٩٣ـ ١٩٩٨ كانت تهدف إلى إبادة الشعب الكردي وتصفية حركة الحرية، كما أن المؤامرة الدولية التي بدأت ضد القائد عبد الله أوجلان تدل على نسخة محدثة عن الإبادة الجماعية الكردية.

قام الحزب الديمقراطي الكردستاني وعائلة البارزاني باستغلال المؤامرة الدولية ضد القائد أوجلان، وعملوا على تصفية حركة الحرية من خلال زيادة علاقاتهم وتوطيدها مع الدولة التركية، وهذا هو السبب في الحكم على شعب إقليم كردستان ونسائهم بالجوع والفقر لاستثمار كل موارد دخلهم في خدمة الجيش التركي، إن ذاك التحالف الذي أراد تصفية قوات الكريلا المتمركزين في إقليم كردستان منذ سنوات عديدة لا يزال قائماً حتى الآن، ويرتكب العديد من المجازر في كافة أنحاء كردستان.

 

"بدأت عائلة بارزاني والدولة التركية حرباً ضد الشعب الكردي والمرأة الكردية"

قامت عائلة البارزاني والدولة التركية بتشكيل تحالف علني وبدأوا بشن حرب واسعة ضد الشعب والمرأة الكردية، أن الهجمات المنفذة ضد الشعب والمرأة والأراض في إقليم كردستان وشمال وشرق سوريا وشنكال ومخمور هي من أكبر المؤشرات على ذلك، بعد كل لقاء بين الدولة التركية وعائلة البارزاني، تتعرض المرأة والشعب الكردي لعمليات إبادة جماعية جديدة، وفي الآونة الأخيرة أزادت الهجمات على شمال وشرق سوريا في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، قتل جراءها ٤٨ شخصاً بينهم طفلان، وأصيب العديد من الأشخاص بإصابات مختلفة، وشنت الدولة التركية هجوماً على مخمور في الايام ذاتها، لم تنفذ هذه الهجمات وبالطبع لم تقم بشن هذه الهجمات دون علم الحزب الديمقراطي الكردستاني.

 وقام جهاز المخابرات التركية باغتيال العديد من الوطنيين الكرد في إقليم كردستان، كما أنها قامت بقتل الصحفية وعضوة مركز أبحاث علم المرأة "جينولوجي" ناكيهان أكارسيل في ٤ تشرين الأول/أكتوبر من عام ٢٠٢٢، والذي يثبت بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يستطيع تقبل المرأة الحرة، ويكمن خلف هذه المجازر عداء الدولة التركية والحزب الديمقراطي الكردستاني تجاه نهج الأمة الديمقراطية وفلسفة المرأة التحررية، في وقت تستمر فيه المرأة في المقاومة على خطى بيريتان هيفي.

إن واقع المرأة الحرة يدعو النساء دائماً إلى أن تكون أكثر حذراً ضد كل هذه الإبادة الجماعية، من ناحية الدفاع عن النفس على خطى بيريتان هيفي، وأن نضال المرأة وعدم الاستسلام وتصعيدها المستمر للقتال سيكون أكبر ضربة يتم توجيهها لنظام يريد استعباد النساء، أن أولئك الذين يهدفون إلى جعل المرأة بلا هوية وعديمة القوة و الإرادة داخل النظام يقومون بمهاجمة النساء المناضلات بشكل خاص، أن نهج بيريتان هيفي في المقاومة والحياة وعدم الاستسلام هو خريطة طريق يجب على النساء اتباعها اليوم، ومن الضروري أن تقوم المرأة بتوسيع وتطوير دفاعها عن النفس في نضالها ومقاومتها للسلطة الذكورية الذي يهاجمها بشتى الوسائل، واليوم في جبال كردستان هناك الآلاف من النساء المناضلات اللواتي تقتدين ببريتان هيفي وترفضن نداء الخيانة، كم أنهن تقمن بتطوير أنفسهن حتى لا تصغين لصوت الحداثة الذي يناديهم، وبدلاً من ذلك أصبحوا يمشون على خطى بيريتان ليتحولوا إلى صرخة من أجل الحرية.