زواج القاصرات... مخاطر صحية وطفولة مسلوبة في إدلب
لا تزال العديد من العائلات في إدلب تحرص على تزويج الفتيات بأعمار مبكرة، انطلاقاً من أن الزواج سترة لهن
لينا الخطيب
إدلب ـ ، والرغبة بتأمين حياة الفتاة في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية والأمنية الصعبة، بغض النظر عن المخاطر الصحية والنفسية التي يقعن فريسة لها بعد الزواج.
فتيات بعمر الزهور يحرمهن الزواج من طفولتهن وفرصهن بالتعليم ويهدد حياتهن وصحتهن وتثقل عليهن الحياة بالمسؤوليات مبكراً، فيتركن مسرح اللعب والطفولة لدخول عالم مليء بالأعباء انصياعاً لقرارات الأهل الجائرة.
"لم أكن أعلم أن فستان الزفاف سيتحول لاحقاً إلى كفن لابنتي التي أجبرتها على الزواج" تقول كاملة الحبوش (39 عاماً) دون أن تتمكن من حبس دموعها أثناء حديثها عن وفاة ابنتها، "أجبرت ابنتي البالغة من العمر 12 عاماً على ترك مقاعد الدراسة حين تقدم لها عريس مناسب، وكان كل همي أن أخلصها من حياة الفقر والنزوح والتشريد لتعيش حياة كريمة".
وأوضحت أنها نزحت من مدينة خان شيخون، وأصبحت مسؤولة عن رعاية أبنائها الخمسة بعد وفاة زوجها، لافتةً إلى أنها كثيراً ما تحتار في كيفية تأمين لقمة عيشهم، الأمر الذي دفعها للموافقة على تزويج ابنتها الكبرى، علها تتخلص من جزء من المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقها.
وتبين أن ابنتها ساءت حالتها النفسية بعد الزواج بشكل كبير، كما ساءت أحوالها الصحية بعد حملها الأول، حيث بدأت تعاني من هزال شديد وسوء تغذية وفقر دم، واكتملت معاناتها بالإجهاض وفقدان جنينها في الشهر الخامس من الحمل، وعانت بعدها من ارتفاع حاد في ضغط الدم ما أدى إلى وفاتها.
أمل المعراتي (16 عاماً) من مدينة سلقين، لم تتمكن من الإنجاب وتحقيق رغبة زوجها، لعدم اكتمال بنيتها الجسدية، وعن ذلك تقول "أجبرني والدي على الزواج من ابن عمي بسن الثالثة عشرة، وبعد الزواج بدأت أتعرض لإجهاض متكرر، الأمر الذي تسبب لي بنزف وأمراض كثيرة، وأدى لفقدان قدرتي على الإنجاب بشكل نهائي".
وتقول بحزن "لم يتحمل زوجي الأمر، وتزوج من امرأة أخرى، فيما خسرت دراستي ومستقبلي وقدرتي على الإنجاب".
أما شهد الطبيش (13 عاماً) النازحة من مدينة سراقب إلى مخيم كللي بريف إدلب الشمالي، فقد تحملت شهور الحمل بتعب وإعياء شديدين، لكنها فقدت جنينها أثناء الولادة، وعن ذلك تقول "بعد ولادة معسرة فقدت جنيني بسبب نقص في الأكسجين"، مبينةً أن الطبيبة نصحتها بتأجيل الحمل لمدة 3 سنوات على أقل تقدير.
وعن سبب زواجها المبكر تقول "بعد نزوحنا من مدينتنا تركت الدراسة لعدم وجود مدرسة في المخيم وبعد المدارس عن مكان سكننا، فكان مصيري الزواج في سن صغيرة".
الطبيبة المختصة بأمراض النساء والتوليد مروة الأسعد (36 عاماً) من مدينة أطمة شمال إدلب، تؤكد أن الحمل المبكر يعرض حياة الأم والجنين للخطر، "الزواج والحمل لا يتناسبان مع عمر الفتاة القاصر لعدم اكتمال النمو العضوي، فتكون عرضة لمشكلات صحية متعددة منها أمراض تمزق المهبل، وكثرة الإجهاض نتيجة عدم اكتمال نمو الحوض، إلى جانب ازدياد نسبة الإصابة بهشاشة العظام وفقر الدم، لعدم تأقلم الجسم مع حدوث الحمل، وقد يتسبب الإجهاض المتكرر للقاصرات بالوفاة".
وتشير إلى أن الكثير من الأجنة الذين يولدون من أمهات قاصرات يصابون بقصور في الجهاز التنفسي لعدم اكتمال الرئتين، وإعاقات سمعية وشلل دماغي، لافتةً إلى أنها شهدت وفيات لفتيات قاصرات أثناء الولادة، نتيجة لمضاعفات الحمل والإنجاب، وعدم تلقي الرعاية الصحية المناسبة، إضافة لانعدام الوعي والثقافة الصحية لدى المجتمع.
المرشدة الاجتماعية سلمى القوصرة (34 عاماً) من مدينة إدلب، تتحدث عن الأسباب التي تدفع أسر في إدلب لتزويج بناتهن "كثيرة هي الأسباب التي تؤدي إلى الزواج المبكر، ويعتبر الفقر من أكثر الأسباب التي تدفع الأهالي للموافقة على تزويج بناتهم القاصرات بهدف تخفيف الأعباء الاقتصادية عن الأسر الفقيرة، إلى جانب البطالة والحرمان، والتدهور الاقتصادي والأزمات المتعاقبة، والرغبة بالتخلص من بعض الأعباء".
وأشارت إلى أن الفتاة في هذه المرحلة العمرية الصغيرة تكون غير مهيأة من الناحية النفسية والعقلية والجسدية كي تقوم بمسؤولية بيت وزوج وتربية أطفال، فتتحمل عبئاً لا قدرة لها عليه ولا تستوعب دورها به مطلقاً".
وتبين أن الزواج يحرم الفتاة من إكمال تعليمها، وينقلها من مرحلة الطفولة إلى وظائف ومسؤوليات جديدة أكبر من قدراتها، مما يصيبها بالاضطرابات النفسية مثل اضطراب ثنائي القطب واضطراب الاكتئاب، ويصبحن أكثر عرضة للعزلة والانطواء فتكثر المشاكل بين الزوجين، وكثيراً ما ينتهي الزواج بالطلاق والانفصال.
وتنصح بالتوعية المجتمعية بمخاطر الزواج المبكر، وتقديم المشورة للفتيات القاصرات عن طريق مراكز متخصصة، وإمدادهن بالدعم والإرشاد والحماية، وتوفير فرص تعليم مجانية، فضلاً عن توعية المقبلين على الزواج بحقوقهم وواجباتهم بهدف الحد من انتشار العنف الأسري، داعية أولياء الأمور أن يهتموا ببناتهم وألا يلقوا بهن إلى التهلكة.